من يملك ثروات المغرب

المعطي الخريبكي
المؤلف المعطي الخريبكي
تاريخ النشر
آخر تحديث

الأغنياء الذين تقاسموا ثروات المغرب

 ثروة المغرب بين الماضي والحاضر

المغرب، بلد الألوان والتنوع، كان دائمًا أرضًا غنية بالموارد والثقافة. منذ قرون، كانت الأسواق المغربية في فاس ومراكش مراكز تجارية تجذب التجار من إفريقيا وأوروبا والشرق الأوسط. لكن مع هذا الازدهار، ظهرت طبقة من الأغنياء الذين سيطروا على هذه الثروات. من التجار الفاسيين في العصور الوسطى إلى رجال الأعمال المعاصرين، كيف تقاسمت هذه النخب ثروات المغرب؟ وما تأثير ذلك على المجتمع؟

العصور القديمة: التجار الفاسيون وسلطة القصر

قبل الاستعمار، كان المغرب موطنًا لطبقة تجارية مزدهرة، خاصة في مدينة فاس. التجار الفاسيون، الذين كانوا يسيطرون على تجارة الذهب والملح والتوابل عبر الصحراء الكبرى، شكلوا شبكة قوية من العلاقات والثروة. كانوا يمتلكون دورًا فاخرة في المدينة القديمة، وكثيرًا ما ارتبطوا بالقصر من خلال الزواج أو المناصب الرسمية. لكن هذه الثروة لم تكن متاحة للجميع. الفلاحون في الأرياف، الذين كانوا يشكلون غالبية السكان، عاشوا في ظروف صعبة، يعملون لدعم هذه النخبة.


الاستعمار: تكريس الثروة في أيدي قلة

مع قدوم الاستعمار الفرنسي في 1912، ازدادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء. الفرنسيون دعموا نخبة محلية من العائلات المغربية لتكون وسيطًا بينهم وبين الشعب، مثل بعض العائلات الفاسية وكبار ملاك الأراضي. هذه العائلات استفادت من الامتيازات الاقتصادية، مثل السيطرة على الأراضي الزراعية الخصبة، بينما كان الفلاحون يعانون من الضرائب الباهظة. البنك الفرنسي "بانك دو باري"، من خلال شركته القابضة "أومنيوم نور أفريكان"، سيطر على العديد من القطاعات الاقتصادية، مما جعل الثروة تتركز أكثر في أيدي قلة.


ما بعد الاستقلال: الملكية والنخب الجديدة

بعد الاستقلال في 1956، توقع المغاربة توزيعًا أكثر عدالة للثروة، لكن الواقع كان مختلفًا. العائلات الفاسية، التي كانت تُعرف باسم "الفاسيين" في الخطاب الشعبي، واصلت هيمنتها على الاقتصاد. دراسة أجريت في 1965 أظهرت أن ثلثي كبار رجال الأعمال كانوا من أصل فاسي. في الوقت نفسه، ظهرت نخبة جديدة ارتبطت بالقصر، حيث أصبح الملك ورجال الأعمال المقربون منه يسيطرون على قطاعات حيوية مثل الصناعة والزراعة.

في 1978، كشفت دراسة أن 58 عائلة فقط كانت تسيطر على ربع رأس المال الصناعي الخاص في المغرب، بقيمة تقارب 8 مليارات درهم (أكثر من مليار دولار آنذاك). أربع عائلات فقط كانت تملك ثلث هذا المبلغ، أي حوالي 300 مليون دولار. هذه الأرقام تعكس مدى تركز الثروة في أيدي قلة قليلة.

الملكية: رمز الثروة المطلقة

لا يمكن الحديث عن تقاسم الثروة في المغرب دون ذكر الملكية. الملك محمد السادس، الذي يُعتبر من أغنى الملوك في إفريقيا، يمتلك ثروة تُقدر بحوالي 6 مليارات دولار (حتى 2024). ثروته تأتي بشكل رئيسي من شركة "المدى" (المعروفة سابقًا باسم "الشركة الوطنية للاستثمار")، التي تمتلك حصصًا في أكبر البنوك المغربية مثل "التجاري وفا بنك"، وشركات التعدين، والسكر، والألبان. هذه الثروة، التي ورثها عن والده الملك الحسن الثاني، تضعه في مرتبة تفوق بكثير حتى أغنى رجال الأعمال في المغرب.

رجال الأعمال المعاصرون: من هم؟

إلى جانب الملك، هناك أسماء بارزة سيطرت على ثروات المغرب في العقود الأخيرة:

عزيز أخنوش: وزير الزراعة ورئيس الحكومة الحالي، يمتلك ثروة تقدر بحوالي 1.7 مليار دولار (حتى 2020). ثروته تأتي من "مجموعة أكوا"، التي تعمل في النفط والغاز والكيماويات.

عثمان بنجلون: رئيس "بنك إفريقيا"، بثروة تقدر بـ 1.4 مليار دولار (حتى 2020). يمتلك استثمارات في الخدمات المصرفية والاتصالات، وهو وراء مشروع "برج محمد السادس" في سلا.

أنس الصفريوي: رجل أعمال في العقارات، بثروة حوالي 1.1 مليار دولار (حتى 2017)، من خلال شركة "كروب أضوها".

محمد العلمي اللزرق: يمتلك شركة "تحالف للتنمية العقارية"، بثروة حوالي 450 مليون دولار (حتى 2013).

تأثير توزيع الثروة على المجتمع

تقرير أوكسفام في 2018 كشف أن ثروة ثلاثة من أغنى المغاربة (4.5 مليار دولار) تعادل دخل 375,000 من أفقر المغاربة. هذا التفاوت الهائل أدى إلى استياء شعبي، خاصة مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة. في 1999-2013، تضاعفت الثروة الإجمالية للمغرب، لكن الفجوة بين الأغنياء والفقراء اتسعت بشكل كبير. تقرير من "معهد ماستركارد الاقتصادي" في 2022 أشار إلى أن الفجوة في الإنفاق التقديري بين الأسر الغنية والفقيرة في المغرب هي الأعلى في المنطقة، بنسبة 71%.

خاتمة: نحو مستقبل أكثر عدالة؟

الأغنياء الذين تقاسموا ثروات المغرب، من التجار الفاسيين إلى رجال الأعمال المعاصرين، شكلوا جزءًا من تاريخ البلاد الاقتصادي. لكن هذا التقاسم لم يكن عادلًا. بينما يعيش البعض في قصور ويمتلكون ثروات هائلة، لا يزال الكثيرون يكافحون لتلبية احتياجاتهم الأساسية. اليوم، مع تزايد الوعي الاجتماعي، يطالب المغاربة بإصلاحات حقيقية لتوزيع الثروة. فهل سيتمكن المغرب من تحقيق التوازن بين الأغنياء والفقراء؟ هذا ما نأمل أن تجيب عنه الأيام القادمة.



 

تعليقات

عدد التعليقات : 0