أسطورة عيشة قنديشة: سيدة الأنهار والغابات
من هي عيشة قنديشة؟
في قديم الزمان، في أعماق الغابات المغربية وبالقرب من الأنهار الجارية، كان الناس يتحدثون عن كائن أسطوري يُدعى عيشة قنديشة. يُقال إنها امرأة ذات جمال ساحر، لكنها ليست بشرية، بل روح تسكن الطبيعة. لها شعر طويل أسود يغطي ظهرها، وعيون تلمع كالنار، وصوتها يشبه خرير الماء أو همس الريح. لكن جمالها يخفي سرًا مخيفًا: أقدامها ليست بشرية، بل تشبه حوافر الماعز، وهي علامة تميّزها عن البشر.
عيشة قنديشة، حسب الروايات الشعبية المغربية، تظهر في الأماكن المنعزلة، قرب الأنهار أو في الغابات أو بالقرب من الينابيع، خاصة في الليل. يقول البعض إنها كانت في الأصل امرأة حقيقية، عاشت في زمن الاستعمار البرتغالي للسواحل المغربية في القرن الخامس عشر، وكانت تُدعى "الكونتيسة" (من هنا جاء اسم "قنديشة"). تقول الأسطورة إنها تعرضت للظلم من المستعمرين، فتحولت إلى روح انتقامية تطارد الرجال الذين يتجرؤون على الاقتراب من أماكنها.
قصة الشاب حسن في قرية أزمور
في مدينة أزمور، على ضفاف نهر أم الربيع، كان هناك شاب يُدعى حسن، يعيش مع والدته العجوز في كوخ صغير. كان حسن شابًا قويًا وجميل الوجه، يعمل في صيد السمك وجمع الأعشاب من الغابة القريبة لبيعها في السوق. كان الناس في القرية دائمًا يحذرونه من الاقتراب من النهر ليلاً، قائلين: "يا حسن، لا تروح للنهر في المغرب! عيشة قنديشة كتكون هناك، وكتعشق الشباب الحسان!" لكن حسن كان يضحك ويقول: "هادو خرافات العجزة، ما كايناش عيشة قنديشة!"
في أحد الأيام، تأخر حسن في الغابة وهو يجمع الأعشاب. كان الوقت قد اقترب من المغرب، وأظلمت السماء. بينما كان يمشي على ضفة النهر عائدًا إلى القرية، سمع صوتًا رقيقًا يناديه: "يا حسن... يا حسن... تعال عندي!" التفت حسن، فوجد امرأة جميلة تقف على الضفة الأخرى. كانت ترتدي جلبابًا أبيض، وشعرها الأسود يتطاير مع الريح. قالت له: "أنا ضايعة، ساعدني أوصل للقرية!"
حسن، وهو شاب طيب القلب، لم يفكر مرتين. عبر النهر وهو يحمل سلته، وقال لها: "ما تخافيش، أنا نساعدك." لكن لما اقترب منها، لاحظ أن قدميها ليست بشريتين، بل تشبهان حوافر الماعز. ارتعد قلبه من الخوف، وتذكر كلام أمه عن عيشة قنديشة. حاول الهرب، لكنها أمسكت به وقالت بصوت مخيف: "ما غاديش تهرب مني! أنا عيشة قنديشة، وغادي تأخذ روحك!"
المطاردة في الغابة
حسن، رغم خوفه، تذكّر نصيحة والدته: "إذا شفتي عيشة قنديشة، لا تبين لها خوفك، وحاول تلهيها حتى تطلع الشمس، لأنها كتختفي مع الفجر." فبدأ يتكلم معها بهدوء، وقال: "يا ستي عيشة، أنا ما نخافش منك، لكن قبل ما تأخذي روحي، ما تقوليليش حكايتك؟ أنا سمعت إنك كنتي امرأة زوينة وعانيتي من الظلم."
عيشة قنديشة هدأت قليلاً، وبدأت تحكي قصتها. قالت إنها كانت في الأصل فتاة جميلة من أزمور، تُدعى عائشة، وكانت مخطوبة لشاب من القرية. لكن في زمن البرتغاليين، هاجم المستعمرون قريتها وقتلوا خطيبها، وحاولوا أخذها أسيرة. هربت إلى الغابة، لكنها ماتت من الحزن والجوع، فتحولت إلى روح تسكن النهر وتنتقم من الرجال. بينما كانت تحكي، كان حسن يستمع ويحاول كسب الوقت.
النجاة بفضل الفجر
بقيت عيشة قنديشة تحكي حتى بدأت السماء تُضيء مع أول خيوط الفجر. فجأة، سمعت صوت الديك من بعيد، فصرخت: "آه، الفجر قرب! أنا لازم نمشي!" اختفت عيشة قنديشة في لمح البصر، تاركة حسن مرتعداً من الخوف لكنه حيّ. رجع حسن إلى القرية، وهو يحمد الله على نجاته. لما حكى القصة لوالدته، قالت له: "الحمد لله، يا ولدي! عيشة قنديشة كتعيش في الأنهار والغابات، وكتعلم الناس أنهم ما يمشيوش للأماكن الخالية في الليل."
من يومها، أصبح حسن يحكي قصته لأطفال القرية، محذراً إياهم من التجوال قرب النهر ليلاً. وصارت قصة عيشة قنديشة درساً للجميع: احترموا الطبيعة، ولا تتحدوا المجهول، لأن الأساطير قد تحمل في طياتها حقائق مخيفة.
أصل الأسطورة وانتشارها
عيشة قنديشة ليست مجرد قصة، بل جزء من التراث المغربي الشعبي الذي انتشر في كل أنحاء المغرب، من طنجة إلى الصحراء. يقول البعض إنها كانت شخصية حقيقية عاشت في فترة الاحتلال البرتغالي، بينما يربطها آخرون بالأرواح الأمازيغية القديمة التي كانت تُعبد كآلهة للطبيعة قبل الإسلام. في كل الأحوال، تُروى القصة في الأحياء الشعبية والقرى، وغالبًا ما تُستخدم لتخويف الأطفال من التجوال ليلاً أو لتعليمهم احترام الأماكن الطبيعية.