علال الفاسي: رائد الحركة الوطنية المغربية
علال الفاسي
علال الفاسي (1910-1974) هو أحد أعظم الزعماء الذين أثروا في تاريخ المغرب الحديث، سياسياً وفكرياً وأدبياً. وُلد في 10 يناير 1910 بمدينة فاس، في أسرة عربية عريقة تنحدر من الأندلس، واستقرت في المغرب هرباً من محاكم التفتيش الإسبانية. اشتهرت عائلته باسم آل الفاسي الفهري، وكانت معروفة بالعلم والدين، حيث كان والده عبد الواحد مدرساً وقاضياً في جامعة القرويين، التي تعدّ من أهم المراكز العلمية في العالم الإسلامي.
طفولته وتعليمه
بدأ علال الفاسي تعليمه في سن مبكرة، إذ التحق بالكُتّاب قبل سن السادسة، فحفظ القرآن الكريم وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة. ثم انتقل إلى إحدى المدارس الابتدائية الحرة التي أسسها زعماء الحركة الوطنية في فاس، في ظل الحماية الفرنسية التي بدأت عام 1912. لاحقاً، التحق بجامعة القرويين، حيث برزت مواهبه كطالب متميز، فكان فصيحاً، ذا حضور قوي وجرأة في قول الحق. تخرّج من الجامعة عام 1932، وهو في الثانية والعشرين من عمره، حاصلاً على شهادة العالمية.
خلال دراسته، أظهر علال الفاسي وعياً مبكراً بالقضايا الوطنية. ففي سن السابعة عشرة، أسس "جمعية القرويين لمقاومة المحتلين" مع زملائه الطلاب، لمواجهة الاستعمار الفرنسي. كما شارك في الدفاع عن قضايا اجتماعية مثل تزويد مدينة فاس بالماء، وساند المقاومة المسلحة بقيادة عبد الكريم الخطابي ضد الاحتلال.
دوره في الحركة الوطنية
علال الفاسي هو أحد مؤسسي الحركة الوطنية المغربية، وقاد النضال ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني. في عام 1930، تصدّى لـ"الظهير البربري"، وهو مرسوم استعماري هدف إلى فصل الأمازيغ عن العرب قانونياً ولغوياً، مما أثار غضب المغاربة. ألقى علال خطباً حماسية ضد هذا المخطط، مما جعله هدفاً للسلطات الفرنسية التي اعتقلته ونفته خارج المغرب.
نُفي علال الفاسي إلى الغابون بين عامي 1937 و1941، ثم إلى الكونغو حتى 1946، بسبب نشاطه السياسي. خلال المنفى، واصل نضاله الفكري، وألّف كتابه الشهير "النقد الذاتي"، الذي دعا فيه إلى إصلاح الأمة العربية والإسلامية بالعودة إلى الدين مع الانفتاح على العصر. بعد عودته إلى المغرب عام 1946، أسس حزب الاستقلال، الذي قاد الحركة نحو الاستقلال الوطني المحقق عام 1956.
مساهماته بعد الاستقلال
بعد الاستقلال، لعب علال الفاسي دوراً كبيراً في بناء الدولة المغربية الحديثة. تولّى منصب وزير الدولة للشؤون الإسلامية عام 1960، وشارك في صياغة الدستور، ورأس لجنة مدونة الأحوال الشخصية. كما شغل مناصب أكاديمية، فكان أستاذاً في جامعة القرويين وجامعة محمد الخامس، وعضواً في مجامع اللغة العربية بدمشق والقاهرة. ظل رئيساً لحزب الاستقلال حتى وفاته.
علال الفاسي لم يكن سياسياً فحسب، بل كان أديباً وشاعراً ومفكراً. ألّف العديد من الكتب، مثل "مقاصد الشريعة الإسلامية" و*"دفاع عن الشريعة"*، وكتب قصائد وطنية حماسية دعا فيها إلى الوحدة والحرية. كما اهتم بقضايا التربية والتعليم، معتبراً إياهما أساس نهضة الأمة، وسعى لتعميم التعليم وإصلاحه مع الحفاظ على الهوية الإسلامية.
وفاته وإرثه
توفي علال الفاسي في 13 مايو 1974 بمدينة بوخاريست في رومانيا، أثناء مهمة رسمية للدفاع عن مغربية الصحراء ودعم القضية الفلسطينية. دُفن في مقبرة الشهداء بالرباط، تاركاً إرثاً عظيماً من النضال والفكر. يُعتبر علال الفاسي رمزاً للوطنية المغربية، ومثالاً للزعيم الذي جمع بين العلم والعمل والجهاد من أجل حرية وكرامة شعبه.