صومعة الكُتُبيَّة: جوهرة العمارة الموحدية
صومعة الكُتُبيَّة هي مئذنة جامع الكتبية، وتقع في قلب مدينة مراكش بالمغرب، بالقرب من ساحة جامع الفنا الشهيرة.
تعتبر من أروع ما أنجبته العمارة الإسلامية في بلاد المغرب والأندلس، وهي اليوم من أشهر معالم مراكش التاريخية والسياحية.
من بناها؟ وفي عهد من؟
بُنيت صومعة الكتبية في عهد الدولة الموحدية، وتحديدًا في عهد الخليفة عبد المؤمن بن علي الكومي
(توفي سنة 1163م)، مؤسس الدولة الموحدية. ثم أكمل بناءها وتطويرها الخليفة يوسف بن عبد المؤمن،
المعروف باسم يوسف المنصور.
البداية: شرع عبد المؤمن في بناء جامع الكتبية الأول حوالي سنة 1147م، فوق أنقاض قصر المرابطين،
بعد دخول الموحدين إلى مراكش.
الإصلاح وإعادة البناء: بعد اكتشاف أن اتجاه القبلة في الجامع لم يكن مضبوطًا تمامًا، أمر الخليفة الموحدي يوسف
المنصور ببناء مسجد جديد بجانبه، هو الموجود حاليًا، وبه الصومعة الشهيرة.
المعمار والتصميم
صومعة الكتبية مثال فريد على العمارة الموحدية، التي جمعت بين الجمال الهندسي والوظيفة الدينية.
وألهمت بناء منارات أخرى
مشهورة، مثل:
منارة الخيرالدة في إشبيلية، إسبانيا.
منارة حسان في الرباط، المغرب.
الخصائص المعمارية
الارتفاع: يبلغ ارتفاعها حوالي 77 مترًا، وهي أعلى بناء في مراكش القديمة.
الشكل: تتخذ شكلًا مربعًا، وهو النمط التقليدي في المغرب الكبير.
الزخرفة: واجهاتها الأربعة مزينة بزخارف هندسية من الآجر (الطوب) المنقوش، والفسيفساء الخضراء.
الداخل: تحتوي على درج حلزوني عريض يمكن صعوده على ظهر الخيل، وكان يستخدم للوصول إلى أعلى المنارة
لإعلان الأذان أو إشعال المنارة بالفوانيس.
الأسرار والرمزية
1. الأربع كرات النحاسية في أعلى الضومعة
توجد أربع كرات نحاسية فوق قمة الصومعة، تختلف في الحجم.
حسب الأسطورة، صُنعت من الذهب الخالص أو من مجوهرات زوجة الخليفة يوسف المنصور كتكفير عن ذنب.
يُقال إنها تُبعد الصواعق وتحمل بركة روحانية.
2. عدم وجود ساعة أو مؤقت
تعتمد المئذنة في تحديد أوقات الأذان على الحسابات الفلكية التقليدية، دون ساعة، وهو ما يعكس التزام المدينة بعاداتها العريقة.
3. القبلة الخاطئة في الجامع الأول
المسجد الأول بُني باتجاه قبلة خاطئة قليلًا، ولهذا تم هدمه جزئيًا وبناء جامع ثانٍ إلى جانبه، وهو ما جعل الكتبية
تمتلك مسجدين متجاورين، وهو أمر نادر.
الأهمية التاريخية والثقافية
كانت الصومعة رمزًا للسيادة الموحدية في المغرب والأندلس.
لعبت دورًا هامًا في تعزيز الهوية الدينية والعلمية لمراكش.
تصنف اليوم ضمن قائمة التراث الوطني المغربي، وتُعتبر من أبرز المعالم الأثرية الإسلامية في شمال أفريقيا.
تأثيرها على العالم الإسلامي
ألهم تصميمها عدّة منارات أخرى عبر التاريخ، حيث استُنسخت هندستها في:
منارة الخيرالدة في إشبيلية (بنيت سنة 1184م).
منارة حسان في الرباط (بدأت سنة 1195م).
خلاصة
صومعة الكتبية ليست مجرد مئذنة، بل رمز لحقبة ذهبية من الحضارة الإسلامية في المغرب. تجمع بين عبقرية التصميم،
ودقة التوجيه، والبعد الروحي، وتحمل في طياتها أسرارًا وأساطير تجعلها إحدى أكثر المنارات سحرًا وغموضًا في العالم الإسلامي.
و السلام عليكم و رحمة الله.