اختطاف الديمقراطية: تهريب المنتخبين في انتخابات 2021 وصمة في تاريخ المغرب السياسي
ضمن سلسلة: ظلال الفساد في تاريخ المغرب
في خريف عام 2021، وبينما كانت أعين المواطنين شاخصة نحو صناديق الاقتراع، شهد المغرب لحظة فارقة في مساره الديمقراطي، اتّسمت ليس فقط بالتنافس الحزبي، ولكن أيضًا بممارسات تفضح هشاشة بنيته السياسية والأخلاقية. كانت "ظاهرة تهريب المنتخبين"، التي ظهرت مجددًا خلال تلك الانتخابات، بمثابة خنجر في خاصرة الثقة الشعبية في العملية الديمقراطية.
من بين أبرز النماذج على هذه الممارسات، ما وقع في دائرة الكفاف التابعة لإقليم خريبكة، حيث اختفى عدد من المرشحين، من ضمنهم شقيقان ينتميان لعائلة محلية معروفة، بعد أن تبيّن أنهم من الفائزين بالأصوات. أُخذوا، حسب روايات عائلية وشهادات محلية، إلى أماكن غير معلومة، مُنعوا خلالها من استخدام هواتفهم أو التواصل مع محيطهم لثلاثة أيام كاملة. لم يظهروا مجددًا إلا عند انعقاد جلسات تشكيل المكتب، بعد أن "أعيد ترتيب الولاءات".
هذه الواقعة لم تكن معزولة. فقد عرفت عدة مدن مغربية، من طنجة إلى طاطا، وقائع مماثلة، حيث جرى "تهريب" المنتخبين إلى فنادق أو منازل خاصة، تحت حماية "سماسرة السياسة"، لتأمين ولائهم لتحالفات موجهة سلفًا. تتنوع دوافع هذه الممارسات بين الإغراء بالمناصب، والضغط المعنوي، وفي أحيان أخرى بالتهديدات الصريحة، كما حدث في حالة مستشارة جماعية بخريبكة صرّحت عائلتها بتعرضها لتهديد بالتصفية الجسدية إذا لم تنصع لأوامر أحد زعماء اللوائح.
الناشط الحقوقي محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، وصف هذه الظاهرة بـ"الفضيحة السياسية والأخلاقية"، مؤكدًا أنها تمثل شكلًا من أشكال الاختطاف السياسي، وتجعل من المنتخبين "سلعًا سياسية تُباع وتُشترى"، بدلًا من أن يكونوا ممثلين لإرادة الشعب.
أما الدولة، فقد اكتفت بالسكوت أو التعاطي البارد، ما فُهم على أنه تواطؤ ضمني أو عجز أمام "مقاولات الانتخابات" التي باتت تتحكم في الخريطة السياسية على المستوى المحلي والجهوي.
إن ما حدث في الكفاف، وغيرها من الدوائر، لا يمكن فصله عن أزمة أعمق يعيشها المغرب: أزمة الثقة، وأزمة القيم، وأزمة نخب. إنها صورة صادمة عن كيف يمكن أن تُختطف الديمقراطية، لا من خصومها الأيديولوجيين، بل من الذين يدّعون تمثيلها.
خاتمة
في النهاية، تظل ظاهرة "تهريب المنتخبين" شاهدًا صارخًا على أن الانتخابات في المغرب، رغم غلافها القانوني، لا تزال تعاني من ممارسات تضعها في خانة "الصفقات" أكثر من كونها تجسيدًا لسيادة الإرادة الشعبية.
والسلام عليكم و رحمة الله .