السفاح المحبوب: قصة عادل عفيفي.. زعيم الشوارع الذي أحبه الفقراء!

من الطفولة الدامية إلى الجنازة الشعبية.. كيف تحول عادل عفيفي إلى أسطورة الغربية؟

مقدمة
في قلب مدينة المحلة الكبرى بمحافظة الغربية كانت تقع منطقة المنشية وسوق البسيسة حيث يعج الشارع بالحياة اليومية الصاخبة والناس الذين يصارعون للعيش بكفاح. هناك في منزل متواضع ولد عادل عفيفي في السبعينيات من القرن الماضي لعائلة بسيطة لا تختلف عن غيرها في الحي. والده كان رساما موهوبا يملك محل صغير يدعى دار الفن يبيع فيه لوحات فنية وتماثيل حيوانات محنطة ويعمل في مجالات فنية متنوعة تجلب له دخلا زهيدا. والدته موظفة في وظيفة حكومية متواضعة تعمل بجد لتساعد في مصاريف الاسرة. كان عادل الابن الثاني من بين ثلاثة اخوة واخت واحدة وكان يحلم منذ صغره بمساعدة والده في المحل وتعلم فنون الرسم والنحت ليصبح مثل ابيه في يوم من الايام.
عرضلكن القدر كان له رأي آخر. طفولة عادل لم تكن هادئة كما يتخيلها الجميع. كان شقيقه الاكبر خالد الشخصية المهيمنة في الاسرة والحي بأكمله. خالد كان شابا مشاغبا يحب السيطرة ويسعى دائما ليكون مثل الرجال الكبار الذين يملكون النفوذ والقوة في الشوارع. كان يتاجر في صغائر الامور ويثير المشاكل مع الجيران ويتباهى بجرأته. عادل الذي كان ينظر الى خالد كقدوة له كان يتبعه في كل خطوة يخطوها ويحاكي تصرفاته دون ان يدري ان هذا الطريق سيقوده الى الهاوية. في سن مبكرة جدا وهو لا يزال قاصرا تحت السن القانوني اندلعت مشاجرة كبيرة بين خالد والجيران بسبب خلاف تافه حول قطعة ارض صغيرة. تدخل عادل ليؤازر اخاه وفي لحظة غضب حمل مسدسا للمرة الاولى في حياته واطلق النار على صاحب محل دراجات نارية قريب مما اسفر عن مقتله على الفور. كانت تلك الجريمة الاولى التي غيرت مسار حياته الى الابد. تم القبض عليه ومحاكمته وحكم عليه بالسجن في مصلحة الاصلاح والتاهيل للقاصرين حيث قضى سنوات قليلة يتعلم فيها دروسا قاسية عن الحياة داخل الجدران.بينما كان عادل داخل السجن استمرت قصة خالد في الخارج بالتصاعد. خالد الذي هرب من المسؤولية بعد الجريمة استمر في شغبه واطلاق النار على الاشخاص الذين يعترضون طريقه. في النهاية نصب الشرطة له كمينا في احد الازقة المظلمة وفي مواجهة دموية رد خالد بالنار وقتل اثنين من الضباط قبل ان يسقط ميتا تحت رصاصهم. وصل خبر مقتل خالد الى عادل داخل السجن وكان كالصاعقة. كان خالد قدوته الوحيدة والوحيد الذي يراه فيه قوة وشجاعة. من ذلك اليوم بدا عادل يشعر بكره عميق تجاه الشرطة والامن يعتبرهم قتلة اخيه ويبرر لنفسه كل ما سيفعله لاحقا كثأر شخصي. عندما خرج من الاصلاحية بعد سنوات كان قد تغير تماما. لم يعد الصبي الذي يحلم بالرسم بل شابا مليئا بالعدوانية والرغبة في الانتقام والسيطرة.

عاد عادل الى الحي وبدا في بناء عصابته الخاصة. جمع حوله رجالا من الذين تعرف عليهم داخل السجن وهم اشخاص متهمون بالقتل والسرقة والمخدرات. كان يعمل في تجارة المخدرات التي تكثر في المنطقة القريبة من المقابر حيث يختبئ التجار في الظلام. لكنه لم يكن مجرد تاجر بل زعيما يحمي نفسه من المنافسين والثارات الدموية التي تطارده. بدا يستخدم نفوذه لمساعدة الناس في الحي. يدخل الافراح مع رجاله ويوزع الاموال على الفقراء ويحل المشاكل بين العائلات وينصر الضعفاء ضد الظالمين. كان يضغط على التجار الكبار ليخفضوا الاسعار ويمنع رجاله من الاعتداء على النساء والاطفال. حتى والدته كانت تسميه الزعيم في المنزل وتفخر به سرا رغم خوفها من مصيره. انتشر نفوذه سريعا ليس فقط في المحلة بل في محافظات الغربية وبيها والاسكندرية وحتى الصعيد حيث يتصل به الناس عبر الهاتف لحل نزاعاتهم ويعتبرونه رجلا عادلا ياخذ من الاغنياء ويعطي الفقراء مثل الاساطير القديمة.لكن الجانب المظلم من شخصيته بدا يظهر بوضوح في عام 2008 عندما نشب خلاف مع جاره فتحي عبد المقصود الذي كان يعتبره عادل ابن العائلة في البداية. تحول الخلاف الى مشاجرة كبيرة بسبب خلاف على بيع عقار واستخدم عادل قوته الكاملة قاد معه عشرة رجال مسلحين واطلقوا النار على فتحي واثنين من اصدقائه محمد عبد العزيز وايهاب مما اسفر عن اصابات خطيرة واعاقات دائمة للثلاثة. كانت هذه الجريمة الاولى الكبرى التي حكم عليه بسببها غيابيا بعشرين عاما سجنا في 2009 وهرب عادل الى الاختباء لكنه لم يتوقف. في مارس 2009 ازداد شكه في فتحي انه يخونه للشرطة خاصة بعد ان رفض فتحي حل المشكلة مع الضحايا وكان مقهاه قريبا من مركز الشرطة. في وضح النهار على بعد خمسين مترا من المركز اجتمع عادل بعشرة رجال مسلحين ببنادق رشاشة ودخلوا مقهى فتحي. اطلقوا النار عشوائيا لكن سمحوا للزبائن بالخروج بسلام ثم اقترب عادل من فتحي داخل المقهى واتهمه بالخيانة قائلا له بصوت عالي يا فتحي انت جاسوس وخائن واطلق عليه قذائف كاملة من مسدسه وقتله على الفور. ثم خرج واطلق النار امام المقهى معلنا القتل كعبرة لكل الجواسيس ثم هرب مع رجاله قبل ان تصل الشرطة. نصب الامن كمائن لكنهم اختفوا وتم القبض على بعض رجاله لاحقا وحكم على عادل غيابيا بالاعدام في فبراير 2010.لم يتوقف عادل هناك. في جريمة اخرى قتل احمد ابو العمايم تاجر مخدرات كبير في المحلة الذي حاول الاستيلاء على نفوذه وادعى انه الزعيم الجديد. اعتدى ابو العمايم على يمين يد عادل وجعله يقبل قدميه في وسط الشارع ليرسل رسالة بان عصر عادل انتهى. لم ينسى عادل الاهانة ونصب كمينا في قلب المحلة وقطع الطريق على ابو العمايم في سيارته وجعله يقبل يده ثم اطلق عليه قذائف كاملة وقتله مع سائقه محمد الاسود. رفع ذلك عدد ضحاياه الى اربعة قتلى واصبح مطلوبا بحكم السجن المؤبد. كما تورط في جرائم اخرى مثل اقتحام منزل ضابط شرطة وتهديده واختطاف ابن شرطي آخر ليثبت قوته ويحذر الضباط من التدخل في شؤونه. انتشرت شائعات عنه تحولت الى اساطير مثل انه يتعاون مع الحكومة سرا او قتل عشرات الضباط لكنها كانت مبالغات من الخوف والرهبة التي يبعثها.ليه لقب عادل عفيفي بالسفاح المحبوب؟ كان سفاحا بلا شك لان جرائمه كانت في وضح النهار وتسببت في قتل اربعة اشخاص وجراحى كثر بعنف شديد ولا رحمة. لكنه محبوب لدى الناس العاديين لان علاقته بهم كانت مختلفة تماما. كان ينصر الضعفاء ويحل مشاكلهم حتى لو كانت في قرى بعيدة يتصل بهم ويرسل رجاله ليضغط على الظالمين. ساعد الفقراء والايتام في تعليمهم ودفع مصاريفهم ومنع رجاله من الاعتداء على الضعفاء قائلا لهم دائما الرجل الحقيقي يحمي الضعيف لا يظلمه. في الافراح كان يوزع الاموال والطعام ويحل النزاعات قبل ان تشتعل. كان يُعتبر زعيما عادلا يستخدم قوته للخير رغم عمله في المخدرات والاسلحة مما جعله رمزا لدى الفقراء والاشقياء الذين يرونه بطلا يقاتل الظلم مثل روبن هود في قصص الغرب.خاتمةجاءت نهايته في فبراير 2010 بعد مطاردة مكثفة من الجهاز الامني في ثلاث محافظات. اعتقلت الشرطة معظم رجاله وكشفت اجنحته ووصلت معلومات عن مكانه في شقة سرية في منطقة الكرموس بالاسكندرية تستخدم لتهريب الحشيش. كان المخبر احد المقربين المعتقلين الذي خان الثقة. في السابع من فبراير نصب الامن كمينا حول الشقة بمشاركة قوات الامن المركزي ومديريات الامن في الغربية وبيها والاسكندرية ووزارة الداخلية وامن الدولة. كان وزير الداخلية يتابع العملية بنفسه للقبض عليه حيا للتحقيق لكن عادل قاوم بشراسة. اطلق النار كثيفا من بنادق رشاشة ومضادات واصيب بست طلقات اربع في البطن وواحدة في الصدر وواحدة في الراس مما قتله فورا. اصيب بعض الضباط في المواجهة ونقل جثمانه الى مشرحة كوم الدكة بالاسكندرية. تسربت فيديوهات لجثمانه الى عائلة فتحي عبد المقصود التي احتفلت بموته فرحا بالثأر الذي انتظرته طويلا.لكن الجنازة كانت المفاجأة الكبرى. في يوم الخميس التالي لمقتله عادت الجثمان الى المحلة الكبرى وشارك في تشييعها الاف الاشخاص من كل المحافظات المجاورة. كانت المسيرة حدثا شعبيا هائلا يعج بالناس الذين يبكون ويرددون كلمات الثناء عليه رغم كونه قاتلا وتاجرا للمخدرات ومطلوبا بالاعدام. كانوا يرونه بطلا ساعدهم في حياتهم اليومية وقف مع المظلومين ومنعهم من الظلم وحل مشاكلهم عندما تخلت عنهم الدولة. كانت الجنازة تعبيرا عن حبهم له وحزنهم على رحيله ودليلا على ان الشعبية لا تُقاس بالقانون بل بالقلوب التي يلمسها الرجل. ومن يدري ربما كانت تلك النهاية الوحيدة المناسبة لزعيم مثل عادل عفيفي السفاح المحبوب الذي عاش حياة مليئة بالدم والعطاء معا.
تعليقات