مخاطر التطبيع و التغريب داخل وزارة الأوقاف المغربية
مقدمة
ظهرت في السنوات الأخيرة مؤشرات مثيرة للقلق تتعلق بانزلاقات فكرية وتوجهات تُمهد لما يمكن تسميته
بـ"تغريب" الهوية الدينية و"تطبيع ناعم" مع الكيان الصهيوني، من خلال أدوات ثقافية ودينية وإدارية.
هذا التقرير يحلل أبرز ملامح هذا الانزياح، ويسلط الضوء على تصريح الوزير أحمد التوفيق المثير للجدل،
وعلى مؤشرات اختراق أجندات خارجية للمجال الديني المغربي.
أولًا: تصريح الوزير "نحن علمانيون" أمام مسؤول فرنسي :
خلال إحدى اللقاءات الدولية، صرّح وزير الأوقاف المغربي، أحمد التوفيق، لمسؤول فرنسي بعبارة:
"نحن علمانيون". وقد أثار هذا التصريح جدلاً واسعًا، لعدة أسباب:
يتعارض بشكل مباشر مع الفصل الأول من دستور المملكة المغربية الذي ينص على أن "الإسلام دين الدولة".
يعاكس مبدأ إمارة المؤمنين التي يضطلع بها جلالة الملك، باعتبارها مؤسسة دينية دستورية وليست سياسية فقط.
يوحي بأن الوزارة تسعى إلى تقديم وجه "مُطمئن" للغرب عبر محو الفوارق بين التدبير الديني والعلمانية الغربية.
اتهام الخطباء بـ"الخروج عن المذهب" أو "الخوارج"
بالفعل، اتُهم بعض الخطباء بـ"الخروج عن المذهب المالكي" و"التحريض"، ووصفهم الوزير مؤخرًا بـ"الخوارج"،
وهو توصيف خطير دينيًا وتاريخيًا.هذا النوع من التصريحات يُنتقد على أنه ترهيب فكري، ومحاولة لضبط الخطاب
بالدعاية الرسمية فقط.
الرد التحليلي:
تصريحات من هذا النوع تحمل مخاطر متعددة:
تآكل المرجعية الشرعية الرسمية للمغرب، وتقديم صورة مزدوجة للرأي العام الداخلي والخارجي.
نزع القداسة عن الحقل الديني، وتحويله إلى آلية إدارية بحتة، قابلة للتوظيف حسب الطلب الدولي.
خلق فجوة بين الوزارة والمجتمع المغربي المحافظ، ما يُضعف الثقة في الخطاب الديني الرسمي.
ثانيًا: مؤشرات "التطبيع الناعم" داخل المجال الديني
أ. العلاقات الثقافية والتطبيعية:
منذ توقيع اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني في 2020، برزت ممارسات مثيرة للانتباه داخل الحقل الديني والثقافي، منها:
احتفاء مفرط بالتراث اليهودي المغربي، بطريقة تتجاوز الاعتراف التاريخي إلى الترويج السياسي.
تنظيم ندوات دينية وثقافية بحضور شخصيات إسرائيلية من أصول مغربية في فضاءات رسمية، دون أي تمييز واضح بين
يهود مغاربة ويهود يحملون الجنسية الإسرائيلية.
مشاركة شخصيات قريبة من الوزارة في برامج أو تصريحات تُظهر انفتاحًا غير مشروط على رموز الكيان الصهيوني.
ب. الرد التحليلي:
إن التكريم المفرط للرموز الدينية اليهودية ذات الصبغة الصهيونية، بعيدًا عن الضوابط السياسية والدينية، يؤدي إلى
تطبيع وجداني داخل الوعي المجتمعي.
التساهل مع الخطابات القادمة من إسرائيل تحت ذريعة "التسامح" و"العيش المشترك" قد يتحول إلى توظيف ناعم للدين
لتبرير العلاقات السياسية.
ثالثًا: غياب الموقف الشرعي من القضية الفلسطينية
لم تُصدر الوزارة أي موقف صريح يُدين الجرائم الإسرائيلية أو يُؤطر الرأي العام دينيًا حول الواجب الشرعي تجاه فلسطين.
في الوقت الذي يتم فيه التضييق على خطباء يتحدثون عن القدس أو غزة، يتم السماح بخطب تمجّد "التعايش مع الإسرائيليين"
تحت مظلة التسامح.
النتيجة: هذا الصمت يُفهم على أنه انسجام غير معلن مع التطبيع السياسي، وانخراط ضمني في مشروع فكري لتكييف الدين
مع أجندات لا تخدم هوية الأمة ولا وحدة صفها.
رابعا: الغموض في تدبير الأوقاف
رغم الإمكانيات الكبيرة التي توفرها الأملاك الوقفية، فإن الوزارة:
لا تنشر تقارير مفصلة وشفافة حول استغلال هذه الأموال والعائدات.
لا تُخضع نفسها لرقابة مالية مستقلة، خاصة في ظل المشاريع الوقفية الكبرى التي تتطلب مساءلة عمومية.
تفتقر إلى رؤية واضحة حول كيفية تحويل ريع الوقف إلى مشاريع تعليمية وصحية مستدامة.
الرد: في غياب الشفافية، يُطرح سؤال جوهري حول مدى التزام الوزارة بالبعد التنموي الحقيقي للوقف الإسلامي،
وهل يتم استعماله وفق مقاصد الشريعة أم لأغراض بيروقراطية بحتة؟
خامسا: الاستمرار المفرط في المنصب
يتولى أحمد التوفيق وزارة الأوقاف منذ سنة 2002، وهو ما يُعد أطول مدة لوزير في نفس الحقيبة في تاريخ المغرب المعاصر.
هذا يثير جملة من التساؤلات:
لماذا لم يتم تداول هذا المنصب كما هو معمول به في باقي المؤسسات الحكومية؟
هل هناك كفاءة استثنائية تبرر هذا الاستمرار؟ أم أن المنصب محكوم باعتبارات الولاء السياسي أكثر من الرقابة الشعبية؟
الرد: التداول في المسؤولية أحد مؤشرات الحكامة الجيدة، والتشبث المطلق بالمناصب يضرب مبدأ تجديد النخب
وحق الشعب في التنوع التدبيري.
خاتمة وتوصيات
إن ما نعيشه اليوم من اختلالات في الحقل الديني المغربي، مسؤولية مباشرة لوزارة الأوقاف في ظل قيادة الوزير أحمد التوفيق. إن السكوت عن التوجيه الإقصائي، والاستمرار في تهميش العلماء، وغياب الشفافية في تسيير الوقف، كلها ممارسات تستوجب وقفة مسؤولة من كافة الفاعلين والمؤسسات.وليس من المقبول أن تُحاط الوزارة بهالة من "القداسة الإدارية"، تمنع الشعب من تقييم أدائها، أو مساءلة وزيرها مهما طالت مدة بقائه.
تُظهر المعطيات الحالية أن وزارة الأوقاف تسير في منحى خطير من حيث:
تفكيك المرجعية الدينية، عبر خطاب مزدوج بين الداخل والخارج.
الانفتاح غير المشروط على مراكز تأثير خارجية، دينية وسياسية، دون حواجز سيادية.
تهميش صوت العلماء الرافضين للتطبيع أو التغريب، وتقوية الصوت الإداري على حساب الشرعي.
التوصيات:
فتح نقاش وطني حول مستقبل الحقل الديني، وضبطه بهوية واضحة لا تُختزل في رضا الخارج.
إعادة النظر في طريقة اشتغال الوزارة، بتقليص هيمنتها الإدارية على المساجد والخطباء.
استدعاء العلماء الحقيقيين والمستقلين للمشاركة في صياغة السياسات الدينية.
و السلام عليكم و رحمة الله.