شهادتي على جرائم صامتة و شيطانية لاتخطر ببال انسان .

المعطي الخريبكي
المؤلف المعطي الخريبكي
تاريخ النشر
آخر تحديث


 حين يصبح الأمن تهديداً: شهادتي على الجرائم الصامتة



السلام عليكم و رحمة الله .

عزيزي القارئ

أود أن ألفت انتباهك إلى أن نقل هذه الرسالة إلى المعنيين بالأمر، ولو بعد سنوات، قد تنطوي على بعض المخاطر. فما أسرده لكم هنا ليس مجرد قصص، بل أحداث حقيقية تتعلق بأشخاص لا يزالون على قيد الحياة. وأؤمن بأن هذه الكلمات، التي أكتبها بأمانة، قد تصل يوماً ما إلى أيدي من ارتكبوا تلك الجرائم التي بقيت محفورة في ذاكرتي حتى اليوم، رغم أنني تجاوزت نصف قرن من العمر.
لقد اخترت الكتابة لأفرغ صدري مما أثقلني، فالكلمة سلاح، والقلم صوت لمن لا صوت له. وأتمنى أن يُفتح تحقيق مع أعوان السلطة الذين كانوا يعملون في مخفر الغابة بمدينة خريبكة في ذلك الوقت، إن كانوا لا يزالون على قيد الحياة، وكذلك مع جنود الطيران بحي السلام في سلا، الذين كانوا يخرجون مساءً قبل الغروب لمراقبة سور مطار الرباط سلا، مصحوبين بكلاب بوليسية مدربة.وأرجو أن يكون الضحايا لا يزالون أحياء، فقد ارتُكبت بحقهم جرائم يرفضها كل إنسان لديه ضمير، ضد أمه، أخته، أو أي امرأة مغربية مهما كان مستواها الاجتماعي.

اغتصاب النساء من طرف بعض رجال القوات المساعدة

في قلب مدينة خريبكة، وسط الغابة التي كانت تمتد كثيفة في ذلك الوقت، كان يقع مخفر للقوات المساعدة. كان من المفترض أن يكون هذا المكان حصناً يحمي المارة، لكنه تحول إلى مسرح لجرائم يندى لها الجبين، ارتكبها بعض العناصر التي عملت فيه.
كنت طالباً في السنة الأولى إعدادي في إعدادية ابن خلدون، وكنت أمر يومياً قرب المخفر. لم يكن المشهد مريحاً؛ كان بعض العناصر يختبئون بين الأشجار، يراقبون المارة، وخاصة النساء، وكأنهم يفترسون اللحظة المناسبة للانقضاض. لم أكن أكترث كثيراً لهم، لكن في يوم من أيام الدراسة، تغيّب أستاذ الرياضيات، فعدت إلى المنزل باكراً. ولأنني كنت أحاول اختصار الطريق، دخلت من باب الحديقة العمومية القديمة في منتصف السور، هناك رأيت مشهداً لن أنساه أبداً: أحد العساكر كان يجري منحنياً، يراقب سيدة تقضي حاجتها، ثم باغتها، كمّم فمها، واغتصبها بوحشية قبل أن يتركها تفرّ في رعب. ظل واقفاً هناك، وكأنه لم يرتكب شيئاً فظيعاً، ثم عاد إلى المخفر.
ومنذ ذلك اليوم، بدأت أراقبهم كلما مررت من هناك. ومع مرور الأيام، شهدت مشاهد أخرى مماثلة، وكل مرة كنت أتساءل: كيف يمكن لمكان مخصص لحفظ الأمن أن يتحول إلى مصدر رعب للناس؟

ثكنة الطيران العسكري ذاخل مطارالرباط سلا .

مرت السنوات، وبعد ثماني سنوات، كنت أعمل حارساً في ضيعة فرنسية عند مدخل مطار الرباط سلا، بالقرب من ضيعة ولي العهد آنذاك. كنت أحرس أشجار الأفوكادو من برج مرتفع، وكان يمكنني رؤية ما يدور حول المطار. وفي كل مساء، كانت دورية عسكرية تأتي لمراقبة المكان، لكنها لم تكن تقوم بواجبها كما ينبغي. بل كانوا يستغلون سلطتهم لارتكاب أفعال شنيعة بحق العشاق الذين يجلسون خارج السور. كان أحدهم يتسلّق الجدار ويرغم الرجال والنساء على الدخول، ثم يعتدي مع زميله على الفتيات أمام أعين أحبائهن، بينما كان الكلاب البوليسية تمنع الشباب من الدفاع عن أنفسهم.
كان هذا الواقع لا يُحتمل، وكانت تلك الجرائم تُرتكب بصمت، وكأن شيئاً لم يكن. حاولت أن أبلغ العمال هناك، لكن الخوف كان سيد الموقف؛ الجميع كان يخشى بطش العسكر، وذكروا لي حادثة قتل حارس آخر حاول كشف الحقيقة، ولم يُحاسب أحد.
لكنني لم أستطع أن أبقى صامتاً. في إحدى الليالي، رأيت نفس المشهد يتكرر، ولكن هذه المرة قررت التدخل. أطلقت صفارة الإنذار بصوت عالٍ، صرخت لتنبيه الجميع، فاجتمع الحراس وصاحب الضيعة. وعندما شرحّت لهم ما يحدث، دخلوا إلى المكان وأنقذوا الشابين من براثن المغتصبين، ثم قرر صاحب الضيعة تقديم شكوى.
في تلك الليلة، أخذت أجرتي، جمعت أشيائي، وقررت مغادرة المكان والعودة إلى مدينة الفوسفاط. لم يكن الأمر سهلاً، لكنني كنت أعلم أنني أنقذت أرواحاً، وكشفت النقاب عن جزء صغير من الجرائم التي كانت تحدث هناك.
والآن، وأنا أتذكر تلك الأيام، لا يسعني سوى أن أحمد الله على أنني لم أبقَ صامتاً، وعلى أنني امتلكت الجرأة لفعل شيء حيال ذلك.
الحلقة القادمة: إنقاذ من الموت المحتم...

والسلام عليكم و رحمة الله .


تعليقات

عدد التعليقات : 0