آخر المنشورات

سقوط أسطورة الرعب: كيف أنهت الشرطة حكم فرافيرو على شوارع القليوبية

فرافيرو خط القليوبية: من الفقر إلى الإرهاب.. قصة أخطر بلطجي هرب من ثورة 2011


قصة فرافيرو خط القليوبية الكاملةفي قلب محافظة القليوبية شمال القاهرة حيث تمتد الحقول الخضراء بجانب الطرق السريعة وتختلط رائحة التراب بالدخان الصادر من المصانع الصغيرة ولد صبري صبحي عبد العزيز الطوخي الذي سيصبح فيما بعد اسما يرتبط بالرعب والاجرام في تلك المنطقة. لم يكن صبري طفلا عاديا فقد نشا في بيئة قاسية في احدى قرى مركز شبين القناطر حيث يعاني معظم السكان من الفقر وقلة الفرص. كان والده فلاحا بسيطا يعمل في زراعة الارز والقمح لكن دخله لم يكن يكفي لاعالة اسرة كبيرة تضم سبعة ابناء. منذ صغره بدا صبري يميل الى العنف والتمرد فقد كان يتشاجر مع اقرانه في المدرسة ويرفض الخضوع للنظام. ترك الدراسة في الصف الثالث الاعدادي وانخرط في اعمال غير مشروعة مثل بيع السجائر المهربة وسرقة الدراجات من الاسواق المحلية.
في اواخر التسعينيات بدا صبري يجمع حوله مجموعة من الشباب العاطلين في الحي وشكل نواة عصابة صغيرة تتخصص في سرقة المحلات التجارية ليلا. كان يستخدم سكاكين حادة وهراوات خشبية لترهيب اصحاب المحال وفي احدى الليالي عام 1998 اقتحم محل مجوهرات في مدينة قليوب مع ثلاثة من رفاقه وسرقوا ذهبا بقيمة مائة الف جنيه مصري في ذلك الوقت. تم القبض عليه بعد ايام قليلة بفضل شهادة احد الجيران الذي تعرف عليه من خلال كاميرا مراقبة بدائية. حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات في قضية سرقة بالاقتحام وهناك داخل السجن تعرف على مجرمين محترفين تعلم منهم كيفية استخدام الاسلحة النارية وتخطيط العمليات الكبيرة.
خرج صبري من السجن عام 2001 وهو في الثالثة والعشرين من عمره وقد تغير تماما. لم يعد ذلك الشاب المندفع بل اصبح محسوبا ومخططا. بدا يجمع معلومات عن الطرق السريعة المحيطة بالقليوبية مثل طريق القاهرة الاسكندرية الزراعي وطريق بنها المنصورة. كان يراقب حركة السيارات الفارهة التي تمر بهذه الطرق ويحدد نقاط الضعف فيها. في تلك الفترة بدا يستخدم لقب فرافيرو الذي قيل انه مشتق من كلمة فرعون باللهجة المحلية لانه كان يعامل رجاله كعبيد وياملي عليهم اوامره بقسوة. كان فرافيرو طويل القامة عريض المنكبين ذا لحية كثيفة وعينين حادتين تجعلان من ينظر اليه يشعر بالخوف.
في عام 2003 شكل فرافيرو تشكيلا عصابيا مكونا من عشرة اشخاص معظمهم من اقاربه وابناء عمومته. كان شقيقه الاصغر محمد جزءا اساسيا من العصابة وكان مسؤولا عن تخزين الاسلحة في مزرعة مهجورة على ضفاف ترعة الاسماعيلية. بدات العصابة عملياتها الكبيرة بسرقة السيارات على الطرق السريعة حيث كانوا يضعون حواجز وهمية من الاطارات المشتعلة لايقاف السيارات ثم يهددون السائقين بالمسدسات ويسرقون السيارة مع كل ما فيها من اموال وممتلكات. في احدى العمليات الشهيرة عام 2004 اوقفوا سيارة مرسيدس سوداء كانت تقل تاجرا من الاسكندرية الى القاهرة وسرقوا منه نصف مليون جنيه نقدا بالاضافة الى السيارة التي باعوها لاحقا في احدى ورش الخردة بمدينة العاشر من رمضان.
لم تتوقف جرائم فرافيرو عند السرقة بل امتدت الى الاتجار بالمخدرات. كان يحصل على شحنات الحشيش من سيناء عبر تجار بدو يعرفونه من خلال وسطاء في الاسماعيلية ثم يوزعها على مروجين صغار في القليوبية والقاهرة. في عام 2005 تم القبض على احد اعوانه وبحوزته عشرة كيلوجرامات من الحشيش واعترف تحت الضغط باسم فرافيرو مما دفع الشرطة الى مداهمة احدى المزارع التي يستخدمها كمخزن. لكن فرافيرو كان قد هرب قبل وصول القوات ب ساعات قليلة بعد ان تلقى تحذيرا من احد الضباط الفاسدين الذين كان يدفع لهم رشاوى شهرية.
مع مرور الوقت زاد نفوذ فرافيرو وزادت جرائمه. سجل ضده ثماني قضايا رسمية قبل عام 2008 شملت حيازة اسلحة نارية بدون ترخيص واطلاق اعيرة نارية في الهواء لترهيب المواطنين والشروع في القتل. في احدى الحوادث عام 2006 تشاجر مع تاجر مخدرات منافس في سوق الجمعة بقليوب واطلق النار عليه امام حشد من الناس مما ادى الى اصابة الرجل بجروح بالغة ومقتل احد المارة الذي كان يحاول التدخل. هرب فرافيرو الى الصعيد لعدة اشهر عاد بعدها وكانه لم يحدث شيء بفضل علاقاته مع بعض الشخصيات المتنفذة محليا.
في عام 2008 وصلت الشرطة الى ذروة مطاردتها لفرافيرو. تمكنت قوة خاصة من مديرية امن القليوبية من نصب كمين له في قرية نوى بعد معلومات دقيقة عن مكانه. دارت معركة بالاسلحة النارية استمرت نصف ساعة اسفرت عن مقتل احد افراد العصابة واصابة ضابط شرطة. تم القبض على فرافيرو وبحوزته مسدس غلك 19 ملم وكمية من الذخيرة. في المحكمة حكم عليه بالسجن المشدد ثماني عشرة سنة في قضية حيازة سلاح وسرقة بالاکراه ثم اضيف اليه حكم بالمؤبد في قضية اخرى متعلقة بسرقة سيارة حكومية تابعة لاحدى الشركات الكبرى.

دخل فرافيرو سجن وادي النطرون ليمان 440 وهناك قضى سنتين في زنزانة انفرادية بسبب محاولاته المتكررة للهروب والتحريض على التمرد. لكن القدر كان يخبئ له مفاجاة كبرى. في يناير 2011 اندلعت ثورة 25 يناير ومعها انهارت اجهزة الامن في معظم انحاء البلاد. في ليلة 28 يناير هاجم الثوار السجون واطلقوا سراح الالاف من السجناء بينهم مجرمون خطرون. كان فرافيرو من بين الذين هربوا مستغلا الفوضى حيث فتح الثوار ابواب الزنازين ووزعوا الاسلحة على من اراد الهروب. خرج فرافيرو الى الشارع مرة اخرى وهو يحمل حقدا دفينا على النظام وعلى الشرطة التي سجنته.
بعد الهروب عاد فرافيرو الى القليوبية واعاد بناء عصابته بسرعة مذهلة. كان يجند الشباب الغاضب من الثورة ويعلمهم فنون السرقة والقتال. في الاشهر الاولى بعد الثورة ارتكب عشرات الجرائم منها سرقة بنك اهلية في مدينة بنها حيث اقتحم العصابة البنك ظهرا وسرقت مليون ومائتي الف جنيه تحت تهديد السلاح. كما هاجم نقطة شرطة نوى في مارس 2011 لتحرير شقيقه محمد الذي اعيد القبض عليه بعد الثورة. احرق افراد العصابة النقطة بالكامل واطلقوا النار على رجال الشرطة مما ادى الى مقتل ضابط واصابة ثلاثة اخرين. كانت تلك الحادثة بداية تصنيف فرافيرو كارهابي خطير.
لم يتوقف فرافيرو عند حدود القليوبية بل امتد نشاطه الى محافظات اخرى. في الجيزة تعاون مع عصابات محلية لسرقة شحنات بضائع على طريق مصر اسيوط الغربي وفي القاهرة شارك في عمليات خطف اطفال الاغنياء للحصول على فدية. في احدى القضايا الشهيرة خطف ابن احد رجال الاعمال من امام مدرسته في مدينة نصر وطلب فدية قدرها خمسة ملايين جنيه تم دفعها فعلا بعد مفاوضات استمرت اسبوعا. استخدم فرافيرو الاموال لشراء اسلحة متطورة مثل بنادق كلاشنكوف وقنابل يدوية من السوق السوداء.مع عودة الاستقرار النسبي بعد انتخابات 2011 بدات الشرطة تعيد تنظيم صفوفها وتضع فرافيرو على راس قائمة المطلوبين. شكلت فرقة خاصة من مباحث القليوبية مهمتها الوحيدة القبض عليه حيا او ميتا. كان فرافيرو يتنقل باستمرار بين قرى الدلتا مستخدما منازل اقاربه كملاجئ. في احدى الليالي تلقى معلومات عن كمين محتمل في قرية صنافير فغادر المكان مسرعا تاركا وراءه مخزنا من الاسلحة تمت مصادرته لاحقا.
في يناير 2012 وبعد عام كامل من الهروب نجحت الشرطة اخيرا في تحديد مكان فرافيرو بدقة. كان يختبئ في منزل مهجور على اطراف شبين القناطر مع احد اقرب اعوانه. في عملية معقدة شارك فيها اكثر من مائتي فرد من القوات الخاصة داهمت القوات المنزل فجرا. دارت معركة نارية عنيفة استمرت اربعين دقيقة اسفرت عن اصابة فرافيرو بطلق ناري في ساقه ومقتل مساعده. تم نقله الى مستشفى قليوب تحت حراسة مشددة ثم احيل الى النيابة حيث اعترف بكل جرائمه بالتفصيل.في مارس 2013 مثل فرافيرو امام محكمة جنايات شبرا الخيمة في جلسة حضرها المئات من اهالي القليوبية. قدمت النيابة ملفا ضخما يحتوي على عشرات الشهادات والادلة المادية. حكم عليه بالسجن المشدد خمس عشرة سنة في قضايا القتل والشروع فيه والسرقة بالاکراه وحيازة الاسلحة النارية. كما جددت احكام سابقة بالمؤبد مما يعني انه سيقضي بقية حياته خلف القضبان. كان الحكم بمثابة نهاية لعصر الرعب الذي عاشته القليوبية على يد فرافيرو.
رغم سجنه بقي اسم فرافيرو يتردد في الاحاديث الشعبية كرمز للفوضى التي اعقبت الثورة. تحولت قصته الى مادة للافلام والمسلسلات وكتب عنه الصحفيون تقارير طويلة. في السجن حاول فرافيرو عدة مرات التمرد والهرب لكن الاجراءات الامنية المشددة حالت دون ذلك. في عام 2018 نقل الى سجن العقرب شديد الحراسة حيث قضى ايامه في زنزانة انفرادية بعيدا عن العالم الخارجي.هكذا انتهت قصة صبري صبحي عبد العزيز الطوخي المعروف بفرافيرو الذي بدا كمجرم صغير وانتهى كاسطورة اجرامية هزت اركان القليوبية. قصة تكشف عن وجه مظلم من المجتمع المصري حيث يمكن للفقر والجهل ان يحولا انسانا عاديا الى وحش. لكنها في النهاية تثبت ان العدالة مهما تأخرت فهي قادمة لا محالة.
تعليقات