آخر المنشورات

انتخابات المغرب 2026: إصلاحات الأحزاب أمام اختبار الفساد والتزوير

انتخابات 2026 في المغرب: بين ترتيبات الأحزاب للإصلاح وشبح الفساد الانتخابي الذي لا يزال يطارد الديمقراطية

المقدمة: لحظة الحقيقة أمام الشعب المغربيفي قلب التحولات السياسية التي يعيشها المغرب منذ سنوات، تبرز الانتخابات التشريعية لعام 2026 كمحطة حاسمة، ليست فقط لتحديد شكل البرلمان المقبل، بل لاختبار مدى جدية الدولة والأحزاب في "تخليق الحياة السياسية"، وهي عبارة تتكرر في الخطابات الرسمية منذ عقد، لكنها لم تتحول بعد إلى واقع ملموس. فقد أطلق الملك محمد السادس، في خطابه بمناسبة عيد العرش يوم 29 يوليوز 2025، إشارة واضحة بتكليف وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت بقيادة مشاورات وطنية لإعداد "منظومة انتخابية جديدة" قبل نهاية العام، بهدف استعادة الثقة في العملية الديمقراطية.لكن هذه الدعوة الملكية لا تأتي في فراغ. فالمغرب يعيش اليوم أزمة ثقة غير مسبوقة: 94.8% من المغاربة لا يثقون في الأحزاب السياسية، وفق استطلاع أجراه المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية في أكتوبر 2025. وهذا الرقم ليس مجرد إحصائية، بل انعكاس لسنوات من الإحباط الشعبي، بدأت مع احتجاجات "جيل زد 212" في سبتمبر 2025، التي رفعت شعار "المال الفاسد يشتري السلطة"، ووصلت إلى ذروتها مع استقالة محتملة لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، واعتقال مئات الشباب في مدن مثل أكادير ووجدة.في هذا السياق، تسابق الأحزاب – سواء في الأغلبية أو المعارضة – لإظهار التزامها بالإصلاح، لكن السؤال المحوري يبقى: هل هذه الترتيبات مجرد مسرحية لامتصاص الغضب الشعبي، أم أنها خطوة حقيقية نحو انتخابات نظيفة؟ والأخطر: كيف يمكن لنظام انتخابي أن ينظف نفسه من الفساد بينما يديره نفس اللاعبون الذين استفادوا منه لعقود؟ هذا المقال يغوص في تفاصيل التحضيرات الحزبية، مع التركيز الخاص على الفساد الانتخابي بكل أشكاله: من تبديد المال العام إلى التزوير، وشراء الأصوات، والتلاعب باللوائح، وصولاً إلى الضغوط الخارجية.العرض: ترتيبات الأحزاب.. وكيف يتسلل الفساد من بين أصابعهمأولاً: الإطار القانوني والتنظيمي – محاولة للإصلاح أم تغطية على الثغرات؟منذ أغسطس 2025، عقدت وزارة الداخلية أكثر من 12 جلسة تشاورية مع 30 حزباً سياسياً، بما في ذلك الأحزاب الكبرى مثل التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، الاستقلال، العدالة والتنمية، والتقدم والاشتراكية. وكانت أبرز المقترحات التي قدمتها الأحزاب:
إعادة النظر في التقطيع الانتخابي: لضمان تمثيل عادل للجهات، خاصة المناطق الريفية التي كانت تُستغل تاريخياً لشراء الأصوات بسبب الفقر.إنشاء هيئة وطنية مستقلة للانتخابات: بدلاً من الإشراف المباشر لوزارة الداخلية، وهو مطلب قديم يُرفض دائماً بحجة "الأمن الوطني".التسجيل التلقائي في اللوائح الانتخابية: عبر ربط قاعدة بيانات بطاقة التعريف الوطنية باللوائح، للحد من التلاعب بالأرقام.رفع عتبة التمثيل إلى 2%: لتقليل تشتت الأصوات ومنع ظهور أحزاب "وهمية" تُستخدم لغسل الأموال.زيادة تمثيل الشباب والنساء: من خلال تخصيص مقاعد إضافية للائحة النساء، ودعم مالي لحملات الشباب لتجنب اعتمادهم على "المال الأسود".

لكن هذه المقترحات لم تمر دون معارضة. ففي سبتمبر 2025، رفضت وزارة الداخلية زيادة عدد المقاعد البرلمانية من 395 إلى أكثر من 400، مما أثار غضب أحزاب المعارضة التي رأت في ذلك "حرمان الجهات من تمثيلها العادل". كما أثار مشروع قانون نوفمبر 2025، الذي يجرم "التشكيك في نزاهة الانتخابات" بعقوبة تصل إلى 5 سنوات حبساً و100 ألف درهم غرامة، عاصفة من الانتقادات. فقد اعتبرته النائبة نبيلة منيب "قانون تكميم الأفواه"، بينما وصفته جمعيات حقوقية بأنه "تغطية قانونية على التزوير".ثانياً: تبديد المال العام – كيف يتحول التمويل الحكومي إلى أداة انتخابية؟من أخطر أشكال الفساد الانتخابي هو استخدام المال العام في الحملات. فالأحزاب تتلقى سنوياً تمويلاً حكومياً يصل إلى مئات الملايين من الدراهم، وفقاً لتقرير المجلس الأعلى للحسابات لعام 2024. لكن الرقابة على هذا التمويل شبه معدومة. ففي جهة طنجة تطوان الحسيمة، اتهم حزب العدالة والتنمية في أكتوبر 2025 الأغلبية الحكومية بتحويل أموال التنمية الجهوية إلى "مهرجانات انتخابية مبكرة"، مثل دعم فعاليات رياضية وثقافية تحمل شعارات الأحزاب.ويتجاوز الأمر التمويل الرسمي. ففي المناطق الريفية، يُبلغ عن توزيع مبالغ نقدية، مواد غذائية، أو حتى قروض بنكية مدعومة مقابل التصويت. وفي تقرير نشرته جريدة "الصباح" في نوفمبر 2025، كشف عن شبكة في إقليم الحسيمة توزع 500 درهم لكل ناخب، ممولة من مقاولين مرتبطين بمنتخبين محليين. هذه الممارسات ليست جديدة، لكنها تتفاقم مع اقتراب 2026، حيث يُخشى أن تصل تكلفة "شراء مقعد برلماني" إلى مليوني درهم في بعض الدوائر، وفق تقديرات مراقبين.ثالثاً: التزوير والتلاعب باللوائح – من الحسابات الوهمية إلى الناخبين الأشباحالتزوير ليس مجرد حكاية قديمة. ففي ديسمبر 2025، كشفت تحقيقات رقمية أجرتها منصة "مغرب إنتليجنس" عن أكثر من 40 ألف حساب وهمي على منصة X (تويتر سابقاً) تُدار من خارج المغرب، تدعم حزب التجمع الوطني للأحرار وتهاجم المعارضة. هذه الحسابات تُستخدم لنشر أخبار كاذبة، تضخيم شعبية المرشحين، وتشويه الخصوم – وهو شكل حديث من التزوير الرقمي.أما على الأرض، فيستمر التلاعب باللوائح. ففي انتخابات 2021، تم اكتشاف آلاف الناخبين الأشباح في دوائر ريفية، وتم الطعن في نتائج أكثر من 15 دائرة. واليوم، يحذر حزب التقدم والاشتراكية من أن "الإدارة لا تزال تتحكم في اللوائح"، مما يسمح بإضافة أو حذف أسماء حسب المصلحة. وفي تصريح للأمين العام نبيل بنعبد الله في ديسمبر 2025، قال: "إذا لم يتم التسجيل التلقائي، فسنعود إلى نفس اللعبة: من يملك الإدارة يملك الانتخابات".رابعاً: الفساد داخل الأحزاب – عندما يصبح البرلمان "مأوى للمفسدين"الأخطر هو تورط النواب أنفسهم في الفساد. ففي البرلمان الحالي، يواجه 30 نائباً أحكاماً قضائية نهائية بتهم تتراوح بين الاختلاس، الاتجار في المخدرات، النصب، واستغلال النفوذ. وفي أغسطس 2025، أحال المجلس الأعلى للحسابات 16 ملف فساد كبرى إلى النيابة العامة، تتعلق بمنتخبين محليين وبرلمانيين، بينهم رؤساء جماعات كبرى. لكن العديد من هؤلاء لا يزالون يمارسون مهامهم، بل ويخططون للترشح مجدداً في 2026.حزب الأصالة والمعاصرة، على سبيل المثال، يعيش صراعاً داخلياً حول "تجديد الوجوه"، حيث يرفض بعض القياديين التخلي عن مرشحين متهمين بالفساد خوفاً من خسارة المقاعد. أما حزب الاستقلال، فيحاول تقديم نفسه كـ"بديل نظيف"، لكنه يواجه اتهامات داخلية بـ"توزيع المناصب مقابل الدعم المالي".خامساً: الضغط الخارجي والمال السياسي الأجنبيفي تطور خطير، كشفت تقارير في نوفمبر 2025 عن تدخل جهات أجنبية في تمويل حملات انتخابية مغربية، خاصة في ملف الصحراء. فبعض الأحزاب تتلقى دعماً مالياً من دول أوروبية أو خليجية مقابل دعم مواقف معينة. وهذا التمويل، وإن كان قانونياً في بعض الحالات، يُستخدم لشراء ذمم صحافيين، نشطاء، وحتى جمعيات، مما يشوه المنافسة الشريفة.الخاتمة: 2026.. فرصة أخيرة للديمقراطية أم بداية الانهيار؟في الختام، انتخابات 2026 ليست مجرد استحقاق عادي، بل هي لحظة الحقيقة أمام الشعب المغربي. فإذا نجحت الأحزاب والدولة في تطبيق إصلاحات جذرية – مثل التسجيل التلقائي، الرقابة المالية الصارمة، وإبعاد المفسدين – فقد تكون هذه الانتخابات بداية عهد جديد من الثقة والمشاركة. أما إذا استمر الفساد في التسلل من خلال الثغرات القانونية، تبديد المال العام، التزوير الرقمي والتقليدي، وتغطية المفسدين تحت شعارات "الاستقرار"، فإن المغرب قد يواجه أزمة شرعية شاملة، تُضاف إلى الاحتقان الاجتماعي والاقتصادي.الشعب المغربي لم يعد يقبل الوعود. جيل زد 212 أثبت أن الشباب لن يصمت، والشارع لن ينتظر. والسؤال الأخير: هل ستكون 2026 نقطة تحول.. أم مجرد فصل جديد من مسلسل الفساد السياسي؟ الإجابة ليست في الخطابات، بل في الأفعال. والزمن يضيق.
تعليقات