آخر المنشورات

غرامة 4840 درهم على مقهى في تازة بسبب بث أغنية فيروز.. جدل قانوني يشعل المغرب!

فيروز في قفص الاتهام: كيف تحولت أنغام الصباح إلى مخالفة قانونية في تازة؟


غرامة مقهى في تازة بسبب أغنية فيروز: بين حماية الإبداع والجدل حول حقوق المؤلف

في مدينة تازة الهادئة شمال شرق المغرب، حيث يجتمع الزبائن في مقاهي الصباح ليبدأوا يومهم بفنجان شاي أو قهوة مصحوب بأنغام هادئة، تحولت لحظة بسيطة إلى قضية قانونية أثارت موجة من الجدل على وسائل التواصل الاجتماعي. في 4 ديسمبر 2025، ضُبط صاحب مقهى وسط المدينة وهو يبث أغنية للفنانة اللبنانية الأيقونية فيروز عبر منصة يوتيوب، دون ترخيص مسبق من المكتب المغربي لحقوق المؤلف والحقوق المجاورة (BMDA). النتيجة؟ محضر مخالفة وحفظ غرامة مالية قدرها 4840 درهما مغربيا، أي ما يعادل حوالي 480 دولار أمريكي، بتهمة "استغلال عمومي لمصنف محمي دون أداء الحقوق القانونية". هذه الحادثة ليست مجرد قصة فردية، بل هي انعكاس لتوتر متزايد بين حماية الملكية الفكرية والحياة اليومية في الفضاءات التجارية الصغيرة، خاصة في ظل الاقتصاد المغربي الذي يعاني من ارتفاع التكاليف.فيروز: رمز ثقافي يتجاوز الحدودقبل الخوض في تفاصيل القضية، يجب أن نفهم سياق الرمز الذي أثار الجدل. فيروز، أو "صوت الشرق" كما يُلقبها، هي ليست مجرد مغنية؛ إنها تراث حي يجسد الذاكرة الجماعية العربية. ولدت في بيروت عام 1935، وبدأت مسيرتها الفنية في الخمسينيات، حيث أصبحت صوتاً للأمل والحزن في أغانيها التي تعبر عن الحب، الوطن، والنكبة. أعمالها مثل "بكتب اسمك يا حبيبي" أو "زهرة المدائن" ليست مجرد موسيقى، بل هي جزء من الهوية الثقافية في المغرب والعالم العربي. في المقاهي المغربية، التي تعتبر فضاءات اجتماعية حيوية، غالباً ما تبدأ اليوم بأنغام فيروز في الصباح، وتنتهي بألحان أخرى في المساء. هذا الاستخدام اليومي يجعل الحادثة في تازة أكثر إثارة للدهشة، إذ كيف يمكن أن يصبح بث أغنية محبوبة جريمة قانونية؟تفاصيل الحادث: من الصباح الهادئ إلى المحضر الرسميحدثت القضية في صباح يوم 4 ديسمبر، حيث كان صاحب المقهى – الذي يُفضل عدم الكشف عن اسمه حالياً – يقدم لزبائنه المعتادين مقاطع من أغاني فيروز كجزء من الروتين اليومي. كان البث يتم عبر يوتيوب، المنصة المجانية الشهيرة، دون أي نية للانتهاك. فجأة، وصل عون محلف تابع للمكتب المغربي لحقوق المؤلف، الذي كان يقوم بحملة مراقبة ميدانية روتينية تشمل عدة مدن مغربية. بعد معاينة الوضع، حُرر محضر مخالفة فوري، يتهم فيه صاحب المقهى بـ"استغلال عمومي لمصنف محمي" وفقاً للقانون رقم 2.00 المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة. المبلغ المطلوب، 4840 درهماً، يمثل الحقوق المالية السنوية المستحقة لاستخدام الأعمال الموسيقية في مثل هذه الفضاءات، بالإضافة إلى غرامة تأديبية أولية.في تعليقه الأول على فيسبوك، أعرب صاحب المقهى عن استيائه بسخرية لاذعة: "كنت أبث أغنية فيروز في الصباح كما العادة، فوجئت بالعون يحرر محضراً. هل يجب أن أدفع فقط إذا غنت فيروز شخصياً في المقهى؟" هذا التعليق يلخص شعور الكثيرين من أصحاب الأعمال الصغيرة، الذين يرون في هذه الإجراءات عبئاً إضافياً في زمن الركود الاقتصادي. وفقاً لتقارير، شملت الحملة مراقبة للمقاهي والمحلات التي تبث الموسيقى، المباريات الرياضية، أو المحتوى السمعي البصري دون إذن، وهي جزء من جهود أوسع لتنظيم السوق وضمان حقوق الفنانين.الإطار القانوني: بين الحماية والتطبيق الصارميعود جذر القضية إلى القانون المغربي رقم 2.00 لسنة 2000، الذي ينظم حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، ويُعد المكتب المغربي لحقوق المؤلف (BMDA) – التابع لوزارة الشباب والثقافة والتواصل – الجهة الرئيسية لتنفيذه. يُعرف القانون "الاستغلال العمومي" بأي بث أو إعادة إنتاج لأعمال محمية في أماكن تجارية، سواء كانت مقاهي أو فنادق أو قاعات حفلات، ويفرض دفع حقوق مالية سنوية بناءً على جداول منشورة في الجريدة الرسمية (العدد 6247 بتاريج 14 أبريل 2014). هذه الجداول تحدد المبالغ حسب حجم المكان ونوع الاستخدام، وتشمل المصنفات الأدبية، الفنية، الأداءات، والفولكلور.أصدر المكتب توضيحاً رسمياً بعد انتشار الخبر، مؤكداً أن "المطالبة بالمستحقات هي حقوق مالية مشروعة وليست غرامات أو رسوم". وفقاً للمادة 10 من القانون، يحق للمؤلفين الترخيص أو المنع من استخدام أعمالهم، ويُمنح المكتب صلاحية المراقبة عبر أعوان مفوضين يمكنهم تحرير محاضر وحجز الوسائط غير المشروعة. كما أكد المكتب أن حقوق المؤلف لا تسقط بالتقادم، وأن غالبية الأحكام القضائية تكون لصالحه، مع تفضيل التسوية الودية ومنح مهل إضافية للدفع. يعود تاريخ المكتب إلى عام 1943 تحت اسم المكتب الإفريقي لحقوق المؤلفين (BADA)، ثم أصبح المغربي في 1965، وهو يخدم المؤلفين المغاربة والأجانب عبر معاهدات دولية مثل اتفاقية برن.ردود الفعل العامة: من الدهشة إلى الاحتجاج المحتملانتشرت صورة المحضر على وسائل التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، مما أثار موجة من التعليقات المتنوعة. على تويتر وفيسبوك، وصف الكثيرون الحادثة بـ"السخيفة"، معتبرين أن بث أغاني فيروز جزء من الثقافة اليومية لا يستحق عقاباً مالياً. قال أحد المستخدمين: "فيروز تراث إنساني، كيف نُغرّم على الاستماع إليها في مقهى؟" بينما رأى آخرون في الأمر ضرورة لزيادة الوعي بحقوق الملكية الفكرية، مشيرين إلى أن الفنانين يحتاجون إلى هذه الإيرادات لاستمرار إبداعهم.أعرب أصحاب المقاهي الآخرين عن استيائهم الشديد، مشيرين إلى عدم تقديم المكتب توضيحات كافية حول كيفية حساب المستحقات أو الحصول على التراخيص. في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية وانخفاض الإيرادات، يخشى هؤلاء من أن تؤدي هذه الإجراءات إلى إغلاق أبواب أعمالهم أو دفع بعضهم للتحرك الاحتجاجي. وفقاً لتقارير، تلقت عشرات المقاهي إشعارات مماثلة في الآونة الأخيرة، مما يشير إلى حملة مراقبة موسعة.الآثار الأوسع: تحديات للأعمال الصغيرة وفرص لصناعة الموسيقىتكشف قضية تازة عن فجوة في فهم الرأي العام لقوانين الملكية الفكرية. من جهة، يُثنى على المكتب لدوره في حماية الإبداع، حيث يساهم في توزيع الإيرادات على الفنانين والمنتجين، مما يشجع على الاستثمار في التسجيلات والإنتاج. فيروز نفسها، رغم تقاعدها، تستفيد عائلتها وورثتها من هذه الحقوق، كما يفعل مئات الفنانين المغاربة. ومع ذلك، يطالب النقاد بتشديد التطبيق على الجهات الكبرى مثل القنوات التلفزيونية والإذاعية، التي تبث الأعمال دون دفع كامل الحقوق أحياناً.بالنسبة للأعمال الصغيرة مثل المقاهي، التي تشكل عماد الاقتصاد المحلي في مدن مثل تازة، تمثل هذه الغرامات تهديداً حقيقياً. يقترح بعض الخبراء حلولاً وسطية، مثل تبسيط إجراءات الترخيص عبر تطبيق إلكتروني أو خصومات للأعمال الصغيرة، لتوفيق بين الحماية والوصولية. كما يُشير الجدل إلى الحاجة لبرامج توعية، ليصبح الامتثال للقانون جزءاً من الثقافة التجارية.خاتمة: نحو توازن بين التراث والقانونفي النهاية، قضية مقهى تازة ليست مجرد غرامة على أغنية فيروز، بل هي دعوة للتفكير في كيفية حماية الإبداع دون إعاقة الحياة اليومية. فيروز، التي غنت عن "الأرض والسلام"، تذكرنا بأن الفن يجب أن يكون متاحاً، لكنه يحتاج أيضاً إلى دعم مالي ليستمر. ربما تكون هذه الحادثة بداية لمناقشة أوسع حول إصلاح القوانين، ليصبح المغرب نموذجاً في التوفيق بين الثقافة والاقتصاد. وفي الوقت نفسه، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستدفع هذه الغرامات أصحاب المقاهي إلى الصمت، أم إلى حملات لتغيير النظام؟ الإجابة تكمن في الخطوات القادمة من الجهات المعنية.
تعليقات