خنيفرة.. منع وقفة تضامنية مع الأستاذ إدريس الإدريسي وتفاصيل القضية التي هزت المجلس العلمي المحلي
خنيفرة: قضية كشف تزوير امتحانات الأئمة من طرف الأستاذ إدريس الإدريسي و منع وقفة تضامنية معه
في مدينة خنيفرة الواقعة في قلب جبال الأطلس المتوسط بالمغرب شهدت الأيام الماضة توترا أمنيا واجتماعيا يعكس عمق التحديات التي تواجه المؤسسات الدينية والحقوقية في البلاد. يأتي هذا التوتر في سياق قضية قضائية مثيرة للجدل تتعلق بتزوير نتائج امتحانات تأهيل الأئمة والخطباء وتدور حول شخصية الأستاذ إدريس الإدريسي الذي أصبح رمزا للدفاع عن النزاهة داخل المجلس العلمي المحلي. رفع التقرير يوم الجمعة 5 ديسمبر 2025 وحقق حتى الآن عشرات الآلاف من المشاهدات مما يعكس اهتماما متزايدا بقضايا الشفافية والفساد في المؤسسات الدينية المغربية. في هذا التقرير الموسع سنستعرض تفاصيل الحدث خلفيات القضية والسياقات الاجتماعية والقضائية والتاريخية التي أحاطت به مع الاستناد إلى التطورات الأخيرة والتداعيات المتوقعة على المستوى المحلي والوطني.خلفية الأستاذ إدريس الإدريسي: من عضو في المجلس إلى مدافع عن النزاهةالأستاذ إدريس الإدريسي ليس مجرد اسم عابر في سجلات المجلس العلمي المحلي بخنيفرة إنه عالم دين وناشط يعود إليه الفضل في كشف ممارسات مشبوهة تهدد مصداقية مؤسسة تمثل السلطة الدينية في المنطقة. ولد الإدريسي في خنيفرة ونشأ في بيئة دينية تقليدية حيث حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة ثم تتلمذ على أيدي علماء محليين قبل أن ينتقل إلى الرباط لاستكمال دراسته في العلوم الشرعية. عاد إلى مسقط رأسه ليصبح عضوا نشطا في المجلس العلمي المحلي الذي يشرف على تدريب وتأهيل الأئمة والخطباء وهو الجهاز الذي يفترض أن يحافظ على النزاهة العلمية والأخلاقية في إدارة الشؤون الدينية.خلال سنوات عمله داخل المجلس اكتسب الإدريسي سمعة طيبة بين الطلاب والأئمة بفضل صرامته في تطبيق المعايير العلمية ورفضه لأي شكل من أشكال المحسوبية. ومع ذلك واجه الإدريسي خلال العام الماضي تحديات أشد قسوة مما حدث في الحادثة الأخيرة حيث اتهم بعض الأشخاص داخل المؤسسة بخيانة النزاهة العلمية من خلال التلاعب في نتائج الامتحانات. لم تكن هذه الاتهامات مجرد شائعات بل استندت إلى وثائق وشهادات قدمها الإدريسي نفسه مما أدى إلى سلسلة من الإجراءات القضائية التي كشفت عن ثغرات خطيرة في آليات الرقابة داخل المجالس العلمية المحلية.يعتبر الإدريسي صوتا جريئا في مدينة خنيفرة التي تعرف بتاريخها النضالي ضد الاستعمار والفساد حيث يجمع بين الخلفية العلمية والوعي الحقوقي. أكد الإدريسي في تصريحاته أن الحظر لن يثنيه عن مواصلة نضاله مشددا على أن ممارسات بعض العلماء تهدد المصداقية العامة للمؤسسة. هذا التصريح يعكس عمق الصراع الداخلي داخل الجهاز الديني المغربي الذي يدار من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ويفترض أن يكون نموذجا للشفافية في ظل الإصلاحات الوطنية التي أطلقتها الحكومة في السنوات الأخيرة لمكافحة الفساد. لقد أصبح الإدريسي رمزا لجيل جديد من العلماء الذين يرفضون الصمت أمام الممارسات الخاطئة حتى لو كلفت ذلك حريتهم الشخصية.تاريخ خنيفرة النضالي ودورها في القضيةلا يمكن فهم أهمية القضية دون الرجوع إلى تاريخ خنيفرة كمدينة مقاومة. شهدت المنطقة معارك ضارية ضد الاستعمار الفرنسي في بداية القرن العشرين وكانت مركزا لثورة الريف بقيادة محمد بن عبد الكريم الخطابي. في الستينيات والسبعينيات كانت خنيفرة مسرحا لانتفاضات شعبية ضد الفقر والتهميش مما جعل سكانها يتمتعون بحس نضالي عميق. هذا التاريخ يفسر لماذا تحولت قضية الإدريسي إلى قضية رأي عام محلي حيث يرى السكان في موقفه امتدادا لتاريخ المدينة في رفض الظلم والفساد.تفاصيل الحدث: منع الوقفة وتصاعد التوتراندلع الحدث الرئيسي مساء الخميس الموافق 4 ديسمبر 2025 في قلب مدينة خنيفرة حيث دعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع خنيفرة إلى وقفة تضامنية سلمية أمام مقر المجلس العلمي المحلي. كانت الوقفة تهدف إلى التعبير عن التضامن مع الأستاذ الإدريسي الذي يواجه أحكاما قضائية ينظر إليها كمحاولة لIسكات صوته. حضرت السلطات الأمنية بكثافة منذ الصباح الباكر وقامت بإغلاق الشوارع المؤدية إلى المقر معتبرة المنطقة محظورة مما أثار توترا ملحوظا بين القوات الأمنية والمواطنين.رغم ذلك تمكن المشاركون الذين شملوا نشطاء حقوقيين وشخصيات محلية وسكان المدينة وطلاب الإدريسي من الوصول إلى موقع قريب حيث أقاموا الوقفة بشكل جزئي. رفع المشاركون لافتات كتب عليها "النزاهة أمانة" و"لا لتزوير العلم الشرعي" و"حرية التعبير حق دستوري". ألقى رئيس الفرع المحلي للجمعية الأستاذ كبير قاشة كلمة قوية أشادت بمواقف الإدريسي واصفا إياه بالصوت الذي يدافع عن النزاهة داخل مؤسسة تمثل السلطة الدينية. قال قاشة في خطابه سنحافظ على ثقتك ولا أحد يستطيع تخويفنا في إشارة إلى الضغوط التي يواجهها النشطاء. هذه الكلمات أثارت تفاعلا واسعا بين الحاضرين الذين رددوا هتافات تطالب بالعدالة والشفافية.استمرت الوقفة لأكثر من ساعة قبل أن تتدخل القوات الأمنية لتفريق المشاركين مما أدى إلى مشاجرة محدودة أسفرت عن إصابة مشارك واحد بجروح طفيفة استدعت سيارة إسعاف لنقله إلى المستشفى الإقليمي. لم تسجل اعتقالات لكن التوتر استمر حتى ساعات متأخرة من الليل حيث تجمع العشرات أمام مركز الشرطة مطالبين بإطلاق سراح المصاب وفتح تحقيق في أسباب المنع.
السياق القضائي: سلسلة الأحكام في قضية التزويرلا يمكن فهم الحدث دون الغوص في تفاصيل القضية القضائية التي أشعلت الشرارة. بدأت القضية في مايو 2025 عندما حكمت محكمة خنيفرة الأولى على الأستاذ إدريسي بشهر سجن معلق وغرامة مالية قدرها 5000 درهم بناء على شكوى من المجلس العلمي المحلي. كانت التهمة تتعلق بالتشهير أو الإساءة بعد كشف الإدريسي لتلاعب في نتائج امتحانات تأهيل الأئمة والخطباء وهي امتحانات حاسمة لضمان كفاءة الخطباء في المساجد.قدم الإدريسي وثائق تثبت أن درجات بعض الممتحنين تم رفعها بشكل غير مبرر بينما تم خفض درجات آخرين رغم تفوقهم. في 27 أكتوبر 2025 أصدرت المحكمة نفسها حكما على رئيس المجلس العلمي المحلي بثلاثة أشهر سجن معلق وتعويض مالي قدره 10000 درهم بعد إثبات تورطه في عملية التزوير مما أثار موجة من الجدل حول مصداقية الجهاز. لكن هذا الحكم لم يدم طويلا إذ تم إسقاط التهم عن رئيس المجلس في الاستئناف.تصاعد التوتر في 26 نوفمبر 2025 عندما زادت محكمة الاستئناف في بني ملال الحكم على الإدريسي إلى ثلاثة أشهر سجن نافذة وغرامة 10000 درهم بينما أسقطت التهم عن رئيس المجلس الذي كان قد حكم عليه سابقا بثلاثة أشهر معلقة وغرامة. أثار الحكم موجة تضامن على وسائل التواصل الاجتماعي حيث اعتبر النشطاء أن الإدريسي دفع الثمن لكشف التزوير. اليوم ينتظر الإدريسي البت في الطعن أمام محكمة النقض مع مطالبات بإعادة التحقيق في الإجراءات لضمان العدالة.هذه الأحكام تكشف عن ثغرات في نظام الرقابة على الامتحانات الدينية الذي يدار مركزيا من الرباط لكنه يعتمد على المجالس المحلية. في سياق مغربي أوسع تأتي هذه القضية في وقت تشهد فيه البلاد حملات مكافحة الفساد مثل تلك التي أطلقتها المبادرة الوطنية للنزاهة في 2024 والتي تهدف إلى تعزيز الشفافية في القطاعات الحساسة كالدين والتعليم والقضاء.آليات التزوير وتأثيرها على جودة التأطير الدينييكمن جوهر المشكلة في آليات التزوير التي كشفها الإدريسي. كانت الامتحانات تتم في جلسات مغلقة دون رقابة خارجية مما سهل التلاعب في الدرجات. تم اكتشاف حالات حيث حصل أشخاص لا يجيدون القراءة والكتابة على درجات مرتفعة بينما فشل طلاب متميزون. هذا التزوير لا يؤثر فقط على مصداقية المؤسسة بل يهدد جودة التأطير الديني في المساجد حيث يصبح الأئمة غير المؤهلين مسؤولين عن توجيه المجتمع.الردود الاجتماعية والحقوقية: موجة تضامن وتحديات المستقبلأثار منع الوقفة ردود فعل واسعة حيث أكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن مثل هذه الإجراءات تقصي المواطنين عن المشاركة السلمية وتعزز الشعور بالظلم. في تصريحات قاشة أبرز الفرع المحلي دور النشطاء في حماية الصوت الحر داخل المؤسسات مشددا على أن خنيفرة بتاريخها الثوري لن تسكت أمام محاولات التكميم. على وسائل التواصل انتشر هاشتاغ تضامن مع الإدريسي مع آلاف التغريدات تدعو إلى إنصاف الإدريسي وإصلاح آليات المجالس العلمية.من الناحية الاجتماعية تعكس القضية مخاوف أوسع حول دور الدين في المجتمع المغربي الحديث. خنيفرة التي كانت مركزا لانتفاضات السبعينيات ضد الفساد تشهد اليوم صراعا بين التقاليد الدينية والضغوط الحديثة للشفافية. الإصابة الوحيدة في الوقفة تذكر بمخاطر النشاط الحقوقي لكنها أيضا تعزز الالتزام بالنضال السلمي. كما أثارت القضية نقاشا حول استقلالية القضاء ومدى تأثره بالضغوط المحلية.تداعيات القضية على المستوى الوطنيامتد تأثير القضية إلى ما هو أبعد من خنيفرة حيث طالبت منظمات حقوقية وطنية بفتح تحقيق شامل في جميع المجالس العلمية المحلية. كما أثارت تساؤلات حول مدى فعالية الإصلاحات التي أعلنتها وزارة الأوقاف في 2023 لتعزيز الشفافية في الامتحانات الدينية. يرى مراقبون أن القضية قد تكون بداية لمرحلة جديدة من الإصلاح الديني في المغرب تشمل رقمنة الامتحانات وإشراك لجان مستقلة في التصحيح.الخاتمة: نحو عدالة أكبر في المؤسسات الدينيةيمثل الحدث صراعا يتجاوز خنيفرة إلى السياق الوطني حيث يطالب الأستاذ إدريس الإدريسي بإصلاح جذري لمكافحة الفساد في الجهاز الديني. مع اقتراب البت في محكمة النقض يبقى السؤال مفتوحا هل ستكون هذه القضية نقطة تحول نحو شفافية أكبر أم مجرد حلقة في سلسلة من الصراعات المحلية. في كل الأحوال يذكرنا الحدث بأهمية الصوت الحر في بناء مجتمع نزيه ودور الإعلام المستقل في توثيق الحقيقة وبضرورة حماية المبلغين عن الفساد حتى لو كانوا من داخل المؤسسات الدينية نفسها.