آخر المنشورات

فاجعة فاس: انهيار عمارتين يقتل 22 ويجرح 16.. من المسؤول عن الكارثة؟

 سقوط عمارتين في فاس: 22 ضحية وأسئلة حول الإهمال والمسؤولية

فاجعة فاس: انهيار عمارتين يسقط ارواحا بريئة ويثير تساؤلات حول مسؤولية التعميرفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة، حين يغلف الصمت احياء المدن القديمة، هزت ارض مدينة فاس المغربية رعد كارثة لم يحدد اسبابها بعد، لكن اثارها البشرية كانت مدوية كالزلزال. ان انهيار عمارتين سكنيتين متجاورتين في حي المستقبل التابع للمنطقة الحضرية المسيرة، ليلة الثلاثاء الى الاربعاء الموافق 9 الى 10 ديسمبر 2025، لم يكن مجرد حادث بناء عابر، بل فاجعة انسانية تذكر بهشاشة الانسان امام الاهمال والفوضى العمرانية. فاس، المدينة الملكية ذات التاريخ العريق، التي تعرف بمدرستها الاسلامية واسواقها العتيقة، وجدت نفسها فجأة في قلب مأساة تسائل فيها السلطات المسؤولة عن سلامة مواطنيها. هذه الفاجعة، التي اودت بارواح 19 الى 22 نفسا طاهرة، واصابت 16 اخرين بجروح تتفاوت خطورتها، تفتح ابواب الحوار بين الماضي والحاضر، وتضع على الموجود علامات استفهام حول من يحمل المسؤولية الاولى عن هذه الكارثة المؤلمة.وصف الحادث: ليلة الرعب في حي المستقبلكانت الساعة حوالى الحادية عشرة ليلا، حين اصغى سكان حي المستقبل الى صوت ارض تتهادى تحت اقدامهم. العمارتان، كل واحدة منهما تتكون من اربعة طوابق، وتقطنهما ثماني اسر، اردتا الى الارض تدريجيا في لحظات مؤلمة. انهارت الاولى اولا، فاثارت غبارا كثيفا يغلب على الانوار، ثم لحقتها الاخرى في سجل الانهيار السريع. كان الحي الشعبي يغط في نومه، ومعظم السكان داخل منازلهم، مما جعل الكارثة اكثر فداحة. سمع الجيران صرخات استغاثة مختلطة باصوات الانهيار، فهرعوا الى المكان، لكن الظلام والغبار حال دون رؤية واضحة.في غضون دقائق، انتشر الخبر كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووصلت فرق الاسعاف والدفاع المدني بسرعة قياسية. كانت العملية معقدة بسبب كثافة الركام وخطر انهيار مبان مجاورة. استخدمت الكلاب البوليسية والمعدات الثقيلة للبحث عن ناجين تحت الانقاض، واستمرت الجهود لساعات طويلة تحت اضواء كاشفة وفي جو من التوتر الشديد. تم انتشال جثث وجرحى، وبعض الناجين بمعجزة بعد ساعات من الانهيار.عدد الضحايا: ارقام تروي قصص عائلات مفككةحتى صباح يوم الاربعاء، اكدت السلطات المحلية انتشال 19 جثة، بينما افادت مصادر طبية بان العدد ارتفع الى 22 مع استمرار عمليات البحث. من بين الضحايا، اطفال ونساء ورجال من مختلف الاعمار، معظمهم من اسر متواضعة تعيش في هذه العمارات منذ سنوات. اصيب 16 شخصا بجروح، بعضها خطيرة، وتم نقلهم الى مستشفى الغساني ومستشفيات اخرى في المدينة. حالات كسور ونزيف داخلي وصدمات نفسية سيطرت على المشهد الطبي.من بين القصص المؤثرة، عائلة مكونة من خمسة افراد قضوا جميعهم تحت الركام، وطفل في السابعة من عمره نجا باذرع مكسورة بعد ان دفن لساعات. هذه الارقام ليست مجرد احصاءات، بل تمثل فقدانا لارواح كانت جزءا من نسيج الحي الاجتماعي. العائلات المكلومة تجمعت في المستشفيات تنتظر اخبار احبائها، في مشاهد تدمي القلوب.السياق العمراني: عمارات قديمة في مدينة تتوسعتقع العمارتان في حي المستقبل، وهو حي شعبي نشأ في الثمانينيات كجزء من برامج السكن الاجتماعي. بنيت العمارات بمعايير تلك الحقبة، وهي مكونة من اربعة طوابق لكل منها، وتضم شققا صغيرة تتراوح مساحتها بين 50 و70 متر مربع. مع مرور الزمن، شهدت المنطقة زيادة سكانية كبيرة، مما ادى الى اضافات غير قانونية وتعديلات على المباني دون تراخيص.فاس، كمدينة تاريخية، تواجه تحديات مزدوجة: الحفاظ على تراثها العتيق في المدينة القديمة، ومواكبة النمو الحضري في الاحياء الجديدة. هذه العمارات تحديدا بنيت في فترة كانت فيها الرقابة على البناء اقل صرامة، واستخدمت مواد بناء محلية قد لا تلبي المعايير الحديثة لمقاومة الزلازل او التآكل. عوامل الطقس، خاصة الامطار الغزيرة في الشتاء، تساهم في تدهور الهياكل، خاصة مع غياب الصيانة الدورية.الاسباب المحتملة: تحقيقات في البدايةلم تعلن السلطات اسبابا نهائية بعد، لكن التحقيقات الاولية تشير الى عدة عوامل محتملة. اولا، ضعف الهيكل الاساسي بسبب التقادم، حيث تجاوز عمر العمارات 40 عاما دون تجديد جذري. ثانيا، اعمال حفر قريبة لمشروع بناء مجاور قد تكون اهتزت الارض واضعفت الاساسات. ثالثا، تسرب مياه الامطار عبر السنوات ادى الى تآكل الخرسانة وصدأ الحديد.شهود عيان افادوا بان العمارة الاولى بدات في التصدع قبل اسابيع، وتم ابلاغ السلطات المحلية، لكن لم يتم اتخاذ اجراءات فورية. كما ان بعض السكان قاموا باضافات غير مرخصة زادت من الحمل على المبنى. خبراء في الهندسة المدنية يرون ان مزيجا من هذه العوامل ادى الى الانهيار التدريجي.المسؤولية: من يتحمل الوزر؟هذا السؤال الجوهري يفتح باب نقاش واسع. في المقام الاول، السلطات المحلية المسؤولة عن الرقابة على البناء والصيانة. جماعة فاس، كجهة مشرفة، كان يفترض بها اجراء فحوصات دورية للمباني القديمة، خاصة في الاحياء الشعبية. تقارير سابقة حذرت من مخاطر مبان مشابهة، لكن التنفيذ بطيء بسبب نقص الموارد.ثانيا، اصحاب العمارات والشركات التي بنتها في الثمانينيات. هل التزمت بمعايير السلامة انذاك؟ وهل قامت بصيانة لاحقة؟ ثالثا، السكان انفسهم، حيث قام بعضهم بتعديلات غير قانونية زادت الخطر. لكن الفقر يدفع الكثيرين الى مثل هذه التصرفات بحثا عن مساحة اضافية.رابعا، الدولة ككل، من خلال سياسات السكن التي لم تواكب النمو السكاني. برامج اعادة اسكان المباني الآيلة للسقوط موجودة، لكن تغطيتها محدودة. في فاس وحدها، الاف العمارات بحاجة الى تقييم، وهذا يتطلب ميزانيات هائلة.
ردود الفعل: غضب شعبي ووعود رسميةانتشر الغضب في المدينة، حيث نظم سكان الحي وقفات احتجاجية امام موقع الكارثة، يطالبون بمحاسبة المسؤولين. وسائل التواصل غمرت بصور وفيديوهات تظهر حجم الدمار، ودعوات لتحقيق شفاف. الملك محمد السادس امر بتشكيل لجنة تحقيق عاجلة، ووعد بتعويض المتضررين واعادة اسكان الناجين.الحكومة اعلنت عن دعم مالي فوري للعائلات، وتكثيف الفحوصات على مبان مشابهة في جميع انحاء المغرب. وزير الداخلية زار الموقع، واعلن عن خطة طوارئ للاحياء العتيقة. منظمات المجتمع المدني طالبت بقانون جديد لسلامة البناء يفرض عقوبات صارمة على المخالفين.الدروس المستفادة: نحو تعمير آمنهذه الفاجعة ليست الاولى في المغرب. تذكرنا بانهيار عمارة في الدار البيضاء عام 2014، او حوادث مشابهة في مدن اخرى. يجب ان تكون درسا في تعزيز الرقابة، وتخصيص ميزانيات لصيانة المباني القديمة، وتوعية السكان بمخاطر التعديلات غير القانونية.على المستوى التقني، ينبغي اعتماد تقنيات حديثة لفحص الهياكل، مثل التصوير بالاشعة تحت الحمراء او السونار. كما يجب تسريع برامج اعادة الاسكان، وتشجيع البناء الرأسي الآمن بدلا من الانتشار الافقي.اجتماعيا، تحتاج العائلات المتضررة الى دعم نفسي طويل الامد، فالصدمة تتجاوز الخسارة المادية. المدارس يجب ان تفتح ابوابها للاطفال الناجين، والجمعيات تقدم مساعدات غذائية وملابس.خاتمة: فاس تنهض من الرمادفاس، مدينة العلم والتاريخ، تواجه اليوم تحديا جديدا في الحفاظ على ارواح ابنائها. انهيار العمارتين في حي المستقبل ليس نهاية، بل بداية لمراجعة شاملة لسياسات التعمير. عدد الضحايا، سواء 19 او 22، يمثل جرحا في قلب الامة، ومسؤولية جماعية لمنع تكرار المأساة.يجب ان تتحول الدموع الى عمل، والغضب الى اصلاح. السلطات، المواطنون، المهندسون، الجميع شركاء في بناء مغرب آمن. فلتكن ذكرى هؤلاء الضحايا دافعا لمستقبل لا يعرف الاهمال، وتعميرا يحترم حياة الانسان. فاس ستنهض، كما نهضت من كوارث سابقة، اقوى واعدل.
تعليقات