آخر المنشورات

شعب المغرب: جذور تاريخية، ديموغرافيا معاصرة، ومقارنة شاملة مع الجزائر

من الأمازيغ الأوائل إلى تحديات 2025: أصول، سكان، عمل، فقر، وثراء في سياق مغاربي مشترك


شعب المغرب: جذور تاريخية عميقة وتحديات معاصرة في سياق مقارن مع الجزائرالمقدمةفي قلب المغرب العربي، يقع المغرب كجوهرة شمال أفريقيا، حيث تتلاقى قمم جبال الأطلس الشامخة مع شواطئ المتوسط والأطلسي، وتتداخل فيه طبقات تاريخية تشكل هوية شعبه الفريد. الشعب المغربي، الذي يبلغ عدده حوالي 38.4 مليون نسمة في عام 2025 وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، يمثل نسيجاً حيوياً يعكس آلاف السنين من الهجرات والتفاعلات الثقافية، من العصور الحجرية مروراً بالفتوحات الإسلامية وصولاً إلى العولمة المعاصرة. هذا الشعب، الذي يجمع بين التراث الأمازيغي الأصيل والعروبة الإسلامية، يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية معقدة مثل البطالة والفقر، لكنه يحمل في طياته قوة التنوع والصمود. وفي سياق مقارن مع جاره الشرقي، الجزائر، التي تضم حوالي 47.4 مليون نسمة في الوقت نفسه، يبرز التشابه في الجذور التاريخية والثقافية، مع اختلافات في الديناميكيات الاقتصادية والاجتماعية. الجزائر، بمساحتها الشاسعة واعتمادها على الهيدروكربونات، تواجه تحديات مشابهة لكن بأبعاد أكبر، حيث يعيش شعبها في توازن ديموغرافي يميل نحو الرجال قليلاً (نسبة 1.02 ذكر لكل أنثى). في هذا المقال، سنستعرض أصول الشعب المغربي، ثم نغوص في تفاصيله الديموغرافية والاقتصادية، مع دمج مقارنات مباشرة مع الجزائر لفهم السياق الإقليمي الأوسع، لنختم بنظرة تأملية على مستقبلهما المشترك. إن فهم هذين الشعبين ليس مجرد إحصاءات، بل رحلة في قلب أمتين تسعيان للتوازن بين تراثهما العريق وطموحاتهما الحديثة، في ظل تحديات عالمية مثل التغير المناخي والعولمة الاقتصادية.العرضأصول الشعب المغربي: نسيج هجين يعكس التلاقي القاري، ومقارنة مع الجزائريُعد الشعب المغربي نموذجاً حياً للتلاقي البشري عبر العصور، حيث يعود أصله إلى جذور عميقة في شمال أفريقيا. الأمازيغ، أو البربر كما يُعرفون تاريخياً، هم السكان الأصليون للمنطقة، وقد سكنوا هذه الأرض منذ العصر الحجري الحديث، حوالي 30 ألف عام مضت، كما تكشف الدراسات الجينية عن وجود هابلوغروب U6 في الحمض النووي الميتوكوندريال، الذي يشير إلى أصول غرب أوراسية قديمة مرتبطة بالبشر الأوائل في المنطقة. هؤلاء الأمازيغ، الذين يشكلون اليوم حوالي 65% من السلالات الأبوية في المغرب، بنوا حضاراتهم في الجبال والصحراء، محافظين على لغاتهم وتقاليدهم مثل اللغة التمازيغية والموسيقى الغنوية، التي أصبحت رمزاً للهوية الثقافية في المدن مثل مراكش وتزنيت.مع وصول الرومان في القرن الأول الميلادي، ثم الوندال والإيبيريين، بدأت طبقات أوروبية تتداخل مع الأصليين، لكن التحول الحاسم جاء مع الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي. هجرات القبائل العربية من شبه الجزيرة العربية، خاصة قبائل بني هلال وبني سليم في القرن الحادي عشر، أدخلت العنصر العربي الذي يشكل اليوم الغالبية، حوالي 20% من السلالات الأبوية، مما أدى إلى اندماج ثقافي عميق أنتج اللغة العربية المغربية الدارجة كوسيط حيوي يمزج بين اللهجات الأمازيغية والعربية الفصحى. هذا الاندماج لم يقتصر على الشرق، إذ أضاف التجارة عبر الصحراء الكبرى لمسات أفريقية جنوبية، مثل ثقافة الحراتين والغنوة، بينما تركت الاستعمارات الإسبانية والفرنسية في القرنين التاسع عشر والعشرين بصمات أوروبية في المدن الساحلية مثل طنجة والرباط. اليوم، يعكس الشعب المغربي هذا التنوع في ملامحه الجينية: 65% شمال أفريقي، 20% شرق أوسطي، 10% غرب أو شرق أفريقي، و5% أوروبي، مما يجعله شعباً هجيناً يجسد جسراً بين القارات.في مقارنة مع الجزائر، تتشابه الأصول إلى حد كبير، حيث يشكل الأمازيغ أيضاً النواة الأساسية للسكان، مع نسبة تصل إلى 70% من السلالات الجينية، لكن الهجرات العربية كانت أكثر تأثيراً هناك بسبب الفتوحات الأموية المباشرة في القرن السابع، مما أدى إلى انتشار اللهجة الجزائرية الدارجة كمزيج أقرب إلى الفصحى. الاستعمار الفرنسي الطويل (1830-1962) أثر على الجزائر أكثر، حيث أدخل عناصر أوروبية في اللغة والثقافة الحضرية في الجزائر العاصمة وقسنطينة، بينما حافظ المغرب على هويته الملكية العريقة تحت الحماية الفرنسية والإسبانية. اليوم، يبلغ عدد السكان الجزائريين 47.4 مليون، مع تركيز أكبر في المناطق الحضرية (75.6%) مقارنة بـ67.3% في المغرب، مما يعكس نمواً سكانياً أسرع بنسبة 1.33% سنوياً مقابل 0.92% في المغرب. هذا التنوع المشترك يجعل الشعبين أشقاء في التراث، لكنهما يختلفان في التعامل مع التحديات الحديثة، حيث يعتمد المغرب على السياحة والتصنيع، بينما تركز الجزائر على الطاقة.الديموغرافيا الحالية: توزيع السكان والجنسين في المغرب والجزائرمع تزايد السكان إلى 38.4 مليون في 2025، يشهد المغرب نمواً سنوياً بنسبة 0.92%، مدفوعاً بالهجرة الداخلية نحو المدن التي تستقطب 67.3% من السكان. في هذا السياق، يتوزع السكان حسب الجنس بتوازن نسبي، حيث تشكل النساء حوالي 49% (18.8 مليون) والرجال 51% (19.6 مليون)، مما يعكس ميلاداً أكثر للذكور وهجرة خارجية أكبر للإناث نحو أوروبا. هذا التوزيع يبرز دور المرأة المغربية كعنصر أساسي في المجتمع، خاصة في القطاعات الزراعية والتجارية، رغم التحديات في الوصول إلى الفرص المتساوية، حيث يصل معدل مشاركتها في سوق العمل إلى 21% فقط.أما في الجزائر، فإن التوزيع الجغرافي أكثر تركيزاً على الساحل المتوسطي، مع 75.6% حضريين، ونسبة جنسية تميل نحو الرجال (1.02 ذكر لكل أنثى)، أي حوالي 24.1 مليون رجل مقابل 23.3 مليون امرأة. هذا التوازن يعكس نمواً ديموغرافياً أعلى، مدفوعاً بمعدلات خصوبة أكبر (2.7 طفل لكل امرأة مقابل 2.22 في المغرب)، ويبرز دور النساء في الريف الجنوبي، لكن مع فجوة أكبر في التعليم والعمل بسبب التقاليد الاجتماعية. مقارنةً، يعاني كلا البلدين من شيخوخة سكانية ناشئة، حيث يصل متوسط العمر في المغرب إلى 29.8 عاماً، وفي الجزائر 28.6 عاماً، مما يعني ضغطاً متزايداً على الخدمات الصحية والتعليمية للشباب الذين يشكلون 25% من السكان في المغرب و30% في الجزائر.القوى العاملة: الموظفون والعاطلون في الوظيفة العمومية والخاصةتشهد قوى العمل في المغرب ديناميكية معقدة، حيث يبلغ إجمالي الموظفين حوالي 11.5 مليون في 2025، مع تركيز كبير في القطاع الخاص الذي يوظف نحو 10.9 مليون شخص، مدعوماً بالتصنيع والسياحة والزراعة. في المقابل، يقتصر القطاع العام على حوالي 570 ألف موظف مدني، أي 15.3% من السكان النشطين، مع تركيز 90.4% في سبع وزارات رئيسية مثل التعليم (35.3%) والداخلية (29.1%). هذا التوازن يعكس جهود الحكومة للاستقرار، لكنه يبرز الاعتماد على القطاع الخاص لخلق فرص، خاصة مع نمو الخدمات بنسبة 160 ألف وظيفة في 2024.رغم ذلك، يواجه الشعب تحدي البطالة، حيث بلغ المعدل 13.1% في الربع الثالث من 2025، أي 1.63 مليون عاطل، مع ارتفاع حاد بين الشباب (15-24 عاماً) إلى 38.4%، مما يعني أكثر من 500 ألف شاب يبحثون عن عمل دون جدوى. هذا الرقم يرتفع إلى 19% بين الخريجين و19.4% بين النساء، خاصة في الريف حيث يصل إلى 25.4% في جهة الدار البيضاء-سطات.في الجزائر، يبلغ إجمالي الموظفين حوالي 12.5 مليون، لكن القطاع العام يسيطر بنسبة أكبر (حوالي 60%)، مع أكثر من 2 مليون موظف في الإدارات الحكومية والطاقة، بينما يعتمد القطاع الخاص على التصنيع والخدمات لتوظيف 5 ملايين. معدل البطالة أقل نسبياً عند 11.7%، أي 1.27 مليون عاطل، لكن الشباب يعانون أكثر (29.76% لـ15-24 عاماً)، مما يعكس فجوة في التنويع الاقتصادي. مقارنةً، يعتمد المغرب أكثر على الاستثمار الأجنبي لخلق فرص، بينما الجزائر تواجه تحديات في الانتقال من اقتصاد الهيدروكربونات، مما يجعل بطالة الشباب قنبلة موقوتة في كلا البلدين، مع تأثير أكبر على النساء (18.3% في المغرب مقابل 20% في الجزائر).التحديات الاجتماعية: الإعاقة، الفقر، الثراء، والجريمة في السياقينفي الجانب الإنساني، يعاني حوالي 727 ألف مغربي من إعاقة، أي 5.5% من السكان، مع تركيز أكبر بين كبار السن (33% فوق 60 عاماً). هؤلاء يواجهون حواجز في الوصول إلى الخدمات، رغم برامج الأمم المتحدة للاندماج. أما الفقر، فقد انخفض إلى 6.8% متعدد الأبعاد في 2024، أي 2.5 مليون شخص، بفضل الدعم الاجتماعي، لكن 72% من الفقراء في الريف (13.1%) مقابل 3% في المدن. على الجانب الآخر، يمثل الثراء طبقة نامية، مع 7,500 مليونير في 2025، بنمو 40% خلال العقد، مدفوعاً بالاستثمارات في الطاقة الخضراء.أخيراً، بلغ عدد سجيني المغرب 95,658 في سبتمبر 2025، معظمها جرائم مخدرات، أي 267 سجيناً لكل 100 ألف نسمة، مما يعكس ضغوطاً اجتماعية ناتجة عن البطالة.في الجزائر، يصل عدد المعاقين إلى حوالي 2 مليون (4.2% من السكان)، مع تحديات أكبر في المناطق الجنوبية بسبب الجفاف والحروب السابقة. الفقر منخفض عند 5.5%، أي حوالي 2.6 مليون، لكنه يرتفع في الريف إلى 10%، بفضل الإعانات النفطية. الثراء أقل، مع 2,700 مليونير فقط، بنمو سلبي بنسبة -23%، مما يعكس تباطؤاً اقتصادياً. أما السجون، فتضم 94,749 سجيناً (217 لكل 100 ألف)، مع تركيز على الجرائم الاقتصادية، ويعاني من ازدحام أقل من المغرب لكن مع مشكلات في إعادة التأهيل. هذه المقارنة تكشف أن المغرب يتقدم في التنويع، بينما الجزائر تعتمد على الإيرادات الحكومية، مما يعمق الفجوات الاجتماعية في كليهما.الخاتمةالشعب المغربي، بأصوله الأمازيغية العريقة والعربية الإسلامية المتدفقة، وبديموغرافيته الديناميكية التي تجمع بين 19.6 مليون امرأة و18.8 مليون رجل، يمثل قصة صمود أمة في وجه التحديات. مع 570 ألف موظف عام و10.9 مليون في الخاص، و1.63 مليون عاطل (38.4% شباب)، و727 ألف معاق، و2.5 مليون فقير، إلى جانب 7,500 ثري و95 ألف مجرم، يبقى المغرب أرض إمكانيات. مقارنة بالجزائر، التي تضم 47.4 مليون نسمة (24.1 مليون رجل، 23.3 مليون امرأة)، مع بطالة 11.7% (29.76% شباب)، و2 مليون معاق، و2.6 مليون فقير، و2,700 مليونير، و94 ألف سجين، يبرز التشابه في التحديات مثل بطالة الشباب والفقر الريفي، لكن المغرب يتفوق في نمو الثراء والتنويع. المستقبل يتطلب سياسات جريئة مشتركة، مثل تعزيز الاندماج الإقليمي عبر الاتحاد المغاربي، لتقليل البطالة ودعم المعاقين، ليصبح هذان الشعبان ليسا فقط متنوعين، بل مزدهرين. في نهاية المطاف، قوة المغرب والجزائر تكمن في شعبيهما، اللذين يحملان تراثاً يلهم العالم بأسره نحو مستقبل أكثر عدلاً وازدهاراً.
تعليقات