آخر المنشورات

محاكمات جيل زد في المغرب: من الاحتجاج إلى السجون.. هل تنفجر ثورة شبابية؟

محاكمات جيل زد 212: الغضب الشبابي، القمع الرسمي، والمستقبل الغامض للمغرب


 محاكمات جيل زد في المغرب: بين الغضب الشبابي والرد الرسمي.. ما الذي ينتظر المملكة؟

المقدمة: صوت الشباب يهز أركان الدولةفي أواخر سبتمبر 2025، انطلقت شرارة احتجاجات لم تكن مجرد مظاهرات عابرة، بل تمثلت في حركة شبابية واسعة النطاق تحت شعار "جيل زد 212"، حيث يرمز الرقم 212 إلى رمز الهاتف المغربي، كأنه دعوة وطنية للشباب للانخراط في تغيير جذري. هذه الاحتجاجات، التي بدأت في 27 سبتمبر، سرعان ما انتشرت في مدن مثل الرباط، الدار البيضاء، مراكش، وطنجة، مطالبة بإصلاحات جذرية في قطاعي التعليم والصحة، ومكافحة الفساد الذي يلازم الإدارة العامة. كان الشباب، الذين يُعرفون بـ"جيل زد" (المولودون بين 1997 و2012)، هم القوة الدافعة، مستخدمين وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم مظاهرات لامركزية، غير تابعة لحزب أو منظمة تقليدية.لكن ما بدأ كصرخة للعدالة تحول إلى مواجهة عنيفة مع السلطات، أسفرت عن اعتقالات جماعية ومحاكمات قياسية. وفقاً لتقارير رسمية، واجه أكثر من 2400 شخص ملاحقات قضائية، منهم نحو 1400 ما زالوا رهن الاعتقال في انتظار المحاكمة. وفي أكتوبر 2025، أعلنت السلطات المغربية عن توجيه اتهامات لـ2480 شخصاً، بينهم اتهامات خطيرة مثل "التمرد المسلح" و"الإهانة للملك" و"العنف ضد قوات الأمن". هذه المحاكمات ليست مجرد إجراءات قانونية، بل هي لحظة تاريخية تكشف عن توتر عميق بين جيل يطالب بالحرية والكرامة، ودولة تسعى للحفاظ على استقرارها في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية متفاقمة.في هذا المقال، سنستعرض خلفية هذه المحاكمات، تفاصيلها، والنتائج المتوقعة لها، مع تحليل لنوايا الدولة المغربية في التعامل مع هذا "الحراك الشبابي". سنرى كيف أن هذه الأحداث قد تعيد تشكيل المشهد السياسي في المملكة، أو تعمق الشقة بين الحكم والشعب.
الخلفية: جذور الغضب الشبابيلنعد إلى السياق الذي أشعل فتيل الاحتجاجات. المغرب، رغم إصلاحاته الاقتصادية في عهد الملك محمد السادس، يعاني من بطالة مرتفعة بين الشباب، حيث يصل معدل البطالة إلى 35% بين الفئة العمرية 15-24 عاماً، وفقاً لتقارير البنك الدولي. الجائحة كوفيد-19، تلتها جفاف شديد في 2023-2024، أدت إلى انهيار الإنتاج الزراعي، الذي يعتمد عليه 40% من السكان. هذا الوضع أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وتدهور الخدمات العامة، خاصة في التعليم والصحة.حركة "جيل زد 212" لم تكن مفاجئة؛ إنها امتداد لحراك الريف في 2016-2017، وحركة 20 فبراير في 2011، لكنها أكثر حداثة وتواصلاً. الشباب استخدموا تيك توك وإنستغرام لنشر فيديوهات عن "الهوغرا" (الظلم والإهانة)، مصطلح مغربي يعبر عن الشعور بالحرمان. المطالب كانت واضحة: إصلاح النظام التعليمي الذي يعاني من نقص المعلمين والبنية التحتية، وتحسين الرعاية الصحية التي شهدت انهياراً أثناء الجائحة. كما طالبوا بمحاسبة الفساد، مستشهدين بفضائح مثل صفقة "الكوكاكولا" أو الإدارة الفاشلة للميزانية العامة.الاحتجاجات بدأت سلمية، لكنها تصاعدت إلى اشتباكات مع الشرطة في 2 أكتوبر 2025، مما أدى إلى إصابات واعتقالات. السلطات وصفتها بـ"الفوضى"، بينما يراها النشطاء تعبيراً عن اليأس الجماعي. هذا التصعيد أدى مباشرة إلى موجة المحاكمات، التي أصبحت رمزاً للصراع بين الشباب والدولة.تفاصيل المحاكمات: أرقام وأحكام قاسيةمنذ أكتوبر 2025، شهدت المحاكم المغربية جلسات مكثفة، غالباً ما تُعقد خلف أبواب مغلقة أو في ظروف أمنية مشددة. وفقاً لتقرير صادر عن "المفكرة القانونية" في 31 أكتوبر، تم اعتقال آلاف الشباب بالجملة، مع محاكمات جماعية تشمل عشرات الأشخاص في جلسة واحدة. في مراكش، أصدرت الغرفة الجنائية الابتدائية أحكاماً في ملفين يخصان قاصرين اعتُقلوا في أكتوبر، حيث حُكم على بعضهم بالحبس لمدة سنة، مع ستة أشهر نافذة والباقي موقوف، وآخرين بـ4 إلى 6 أشهر نافذة، مع تحميل الأولياء المسؤولية المالية. هذه الأحكام أثارت غضباً، إذ اعتُبرت انتهاكاً لحقوق الطفل، حيث يُعامل القاصرون كبالغين في جرائم "سياسية".في الرباط، وصلت الأحكام إلى 20 سنة سجن لقادة افتراضيين، متهمين بـ"التحريض على العنف" و"الإضرار بالأمن الوطني". منظمة "هيومن رايتس ووتش" أصدرت تقريراً في 16 أكتوبر، يكشف عن 1473 شخصاً ما زالوا في السجون، معظم الاتهامات تتعلق بـ"التمرد المسلح" و"إهانة الملك"، وهي جرائم يعاقب عليها القانون الجنائي المغربي بسنوات طويلة. الحقوقيون يصفون هذه المحاكمات بـ"السياسية"، مشيرين إلى انتهاكات مثل التعذيب أثناء الاعتقال، وعدم السماح بمحامين مستقلين، واستخدام أدلة إلكترونية مشكوك فيها من وسائل التواصل.في الدار البيضاء، حُكم على 32 قاصراً من "جيل زد" بسنوات حبس، مع إجبار أوليائهم على دفع غرامات، في جلسة وُصفت بـ"القمع الجماعي". هذه المحاكمات ليست عشوائية؛ إنها تستهدف الشباب النشطاء، خاصة أولئك الذين نشروا فيديوهات على تيك توك، مما يعكس تحولاً في استراتيجية القمع نحو الرقمي. الإعلام الرسمي يبررها بـ"الحفاظ على النظام العام"، بينما النشطاء يرونها محاولة لكسر الروح الاحتجاجية.النتائج المتوقعة: تغيير أم قمع أعمق؟ما الذي سينتج عن هذه المحاكمات؟ على المدى القصير، من المتوقع تصعيد التوترات الاجتماعية. الاحتجاجات عادت إلى الشوارع في نوفمبر 2025، مع مظاهرات في الرباط تطالب بإطلاق سراح المعتقلين، مستخدمة هاشتاغ #FreeGenZ212 الذي انتشر عالمياً. هذا قد يؤدي إلى دورة من العنف، حيث يشعر الشباب بالظلم، مما يعزز الراديكالية بين الفئات المهمشة، خاصة في المناطق الريفية والأحياء الشعبية.على المدى المتوسط، قد تفرض ضغوطاً دولية. منظمات مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي يدعم المغرب اقتصادياً، قد تطالب بمراقبة المحاكمات، كما حدث في قضية الريف. هذا يمكن أن يؤثر على المساعدات الخارجية، خاصة مع الجفاف الذي يهدد الاقتصاد. داخلياً، قد تؤدي إلى إصلاحات جزئية، مثل زيادة ميزانية التعليم بنسبة 10% كما وعد الملك في خطاب أكتوبر، لكن الشباب يشكك في جديتها، معتبرينها "وعوداً فارغة".أما على المدى الطويل، فالنتائج قد تكون تحولاً سياسياً. جيل زد، الذي يشكل 25% من السكان، لن يصمت؛ إنهم الجيل الرقمي، قادر على بناء شبكات عابرة للحدود. قد نرى صعود أحزاب شبابية جديدة، أو تآكل الشرعية للأحزاب التقليدية مثل حزب العدالة والتنمية. اقتصادياً، قد يؤدي الخوف من الاضطرابات إلى هروب رؤوس الأموال، مما يفاقم البطالة. ومع ذلك، إذا نجحت الدولة في توجيه الطاقة الشبابية نحو مشاريع تنموية، قد تتحول هذه المحاكمات إلى نقطة تحول إيجابية، كما حدث في تونس بعد 2011.لكن الخطر الأكبر هو تعميق الانقسام الاجتماعي. الشباب في المدن الكبرى يشعر بالقمع، بينما الريف يعاني الصمت القسري. هذا قد يؤدي إلى "هجرة الشباب" إلى أوروبا، مما يضعف القاعدة الديموغرافية للمغرب. في النهاية، النتائج تعتمد على مدى استجابة الدولة: إذا استمرت في القمع، قد تنفجر أزمة أكبر؛ أما إذا فتحت حواراً حقيقياً، فقد تبني جيلاً مخلصاً.
نوايا الدولة: الاستقرار فوق كل شيء؟ما الذي تريده الدولة من هذه المحاكمات؟ الإجابة تكمن في استراتيجية "الردع الوقائي". السلطات المغربية، تحت قيادة الملك محمد السادس، ترى في حركة جيل زد تهديداً للاستقرار الذي بنته على مدى عقود. المغرب يواجه تحديات خارجية، مثل النزاع حول الصحراء الغربية والتوترات مع الجزائر، بالإضافة إلى الضغوط الاقتصادية العالمية. في هذا السياق، أي اضطراب داخلي يُعتبر خطاً أحمر.المحاكمات، إذن، ليست مجرد عقاب، بل رسالة: "الاحتجاج مسموح، لكن العنف غير مقبول". الإعلان الرسمي في 29 أكتوبر عن "شروط قانونية عادلة" يهدف إلى تهدئة الرأي العام الدولي، مع الحفاظ على صورة "الدولة القانونية". الحقوقيون يرونها غطاءً للقمع السياسي، حيث تُستخدم قوانين قديمة مثل "قانون الإجراءات الجزائية" لإسكات الأصوات الناقدة.من ناحية أخرى، قد تكون الدولة تسعى لـ"الإصلاح الموجه". الملك أمر بتشكيل لجان لمراجعة التعليم والصحة، لكن المحاكمات تضمن أن التغيير يأتي من أعلى، لا من الشارع. هذا يعكس نموذج "الملكية المستنيرة"، حيث يُسمح بالتعبير لكن تحت السيطرة. كما أن استهداف القاصرين يهدف إلى ردع الأجيال القادمة، محولاً الآباء إلى "شركاء في القمع" عبر الغرامات.في الواقع، الدولة تريد الحفاظ على التوازن: إظهار القوة للمعارضين، واللين للشعب. لكن هذا النهج يحمل مخاطر، إذ قد يُفسر كضعف، مما يشجع على احتجاجات أكبر. الملك، في خطابه الأخير، شدد على "الوحدة الوطنية"، مشيراً إلى أن "الفوضى لا تبني وطناً"، وهو إشارة واضحة إلى أن الاستقرار هو الهدف الأسمى.الخاتمة: نحو مستقبل مفتوحمحاكمات جيل زد في المغرب ليست نهاية، بل بداية لمرحلة جديدة. إنها تذكير بأن الشباب، بقوتهم الرقمية وطموحهم، يمكن أن يغيروا المعادلة. النتائج المتوقعة – سواء إصلاحات أو تصعيد – تعتمد على حوار حقيقي بين الدولة والشارع. أما الدولة، فهي تريد الاستقرار، لكن بثمن قد يكون باهظاً إذا استمرت في تجاهل الصوت الشبابي.في النهاية، جيل زد ليس مجرد متظاهرين؛ إنهم مستقبل المغرب. إذا نجحت الدولة في استيعاب مطالبهم، قد يصبحون شركاء في البناء. أما إذا استمرت المحاكمات في إنتاج المزيد من الغضب، فالمملكة قد تواجه "ثورة هادئة" تتجاوز حدود الشارع. الوقت يداهن، والكرة في ملعب السلطة.
تعليقات