آخر المنشورات

ما بعد الكارثة في فاس: تكافل يعيد الحياة للناجين

قصص صمود ودعم ملكي.. من الفندق المؤقت إلى إعادة البناء


مابعد الكارثة في فاس: التكافل الجماعي يعيد بناء الحياة.. قصص إنسانية وتدابير رسمية بناءً على تحقيق ميداني ومصادر موثوقة – 11 ديسمبر 2025في أعقاب الفاجعة التي هزت حي المستقبل بمنطقة المسيرة، تحولت المدينة الفاسية من حالة صدمة إلى نموذج للتضامن الوطني. هنا، لا نتحدث عن الأرقام أو اللحظات الأولى للانهيار، بل عن الجهود المنظمة والتلقائية التي أعادت للناجين والعائلات المتضررة شعوراً بالأمان والدعم. تنفيذاً لتعليمات ملكية سامية، أطلقت السلطات تدابير استعجالية تشمل الإيواء، الرعاية الصحية، والدعم النفسي، بينما برز التكافل الشعبي كقوة دافعة للشفاء الجماعي. في هذا المقال المطول، نركز على "ما بعد الكارثة"، مستندين إلى بيانات رسمية وشهادات حية، لنرسم صورة عن كيفية تحول الدمار إلى أمل، مع التركيز على قصص الناجين التي تضيء طريق النهوض.الاستجابة الرسمية: تدابير ملكية تحول الإغاثة إلى دعم شاملمع شروق شمس الأربعاء 10 ديسمبر، لم تكتفِ السلطات المحلية في فاس بالإنقاذ الفوري؛ بل أطلقت سلسلة من الإجراءات الاستعجالية لضمان استقرار الحياة للمتضررين. بتنفيذ توجيهات ملكية مباشرة، نقلت السلطات الثماني أسر المتضررة – بالإضافة إلى الجيران الذين أُخلوا احتياطياً – إلى فندق فاخر في قلب المدينة، حيث يُغطى الإقامة الكاملة، الوجبات اليومية، والاحتياجات الأساسية حتى يتم توفير سكن دائم . هذا الإيواء لم يكن مؤقتاً فحسب؛ بل مصحوباً بخطة لإعادة الإسكان ضمن برامج السكن الاجتماعي، كما أكد والي جهة فاس مكناس، خالد آيت طالب، خلال زيارته الميدانية للموقع.على الصعيد الصحي، تعبأ المركز الاستشفائي الجامعي حسن الثاني (CHU) بكامل طاقته، حيث استقبل 16 مصاباً – منهم أطفال – وأجرت الأطقم الطبية عمليات جراحية طارئة لعلاج الكسور والإصابات الناتجة عن الحطام . لم تقتصر الرعاية على الجسدي؛ إذ أُطلقت برامج دعم نفسي فوري للناجين، بالتعاون مع جمعيات متخصصة، لمواجهة الصدمة النفسية التي وصفتها تقارير طبية بـ"الشديدة" بين الأطفال والنساء. كما تولت السلطات التكفل الكامل بمراسيم الدفن، بما في ذلك نقل الجثامين إلى مناطق أصول الضحايا مثل جماعة تيسة بإقليم تاونات، وإقامة بيوت عزاء مؤقتة مزودة بالخيام والوجبات للمعزين .هذه التدابير، التي أشادت بها وسائل إعلام دولية، تعكس استراتيجية وطنية لإدارة الكوارث، حيث أُعلن عن صندوق دعم طارئ للعائلات المتضررة، يغطي الاحتياجات المالية الأساسية لشهور قادمة. وفي خطوة استباقية، أمرت وزارة الداخلية بفحص شامل لـ500 مبنى في الأحياء الشعبية بفاس، لتحديد الآيلة للسقوط وإخلائها قبل وقوع المزيد من الحوادث.التكافل الشعبي: الروح الفاسية تنبض بالتضامنفي فاس، المدينة ذات التراث الإنساني العريق، لم يقف التكافل عند حدود الدولة؛ بل امتد إلى قلب المجتمع، حيث تحول الجيران والمواطنون إلى جيش من المتطوعين. في ساعات الصباح الأولى، تجمعت مجموعات من الشباب في الحي المجاور لتنظيم حملات تبرع بالملابس، الطعام، والأدوية، موزعة على الناجين في الفندق المؤقت. شهادة لأحد المتطوعين، نقلتها "كِشـ24"، تقول: "نحن لسنا غرباء؛ هذا الحي عائلتنا، وسنبقى إلى جانبهم حتى يعود الضحك إلى وجوههم" .على وسائل التواصل الاجتماعي، انفجر هاشتاغ #تكافل_فاس بآلاف المنشورات، حيث أطلقت جمعيات محلية مثل "الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان" حملات جمع تبرعات إلكترونية، جمعت في يوم واحد مبالغ كافية لتغطية احتياجات الأسر لأشهر . حتى نادي المغرب الفاسي، الفريق الرياضي الأيقوني، أعرب عن تضامنه العميق، مطالبًا بفتح الملاعب للأطفال الناجين لجلسات ترفيهية، معتبرًا ذلك "جزءًا من الشفاء الجماعي" . هذا التضامن لم يقتصر على الفاسيين؛ إذ سافر أقارب من تاونات ومناطق أخرى لدعم العائلات في بيوت العزاء، مما عزز الترابط الاجتماعي عبر الجهات.في مشهد مؤثر، نظم سكان الحي "ليلة تضامن" أمام الفندق، حيث غنوا أناشيد تقليدية ووزعوا وجبات ساخنة، تحولت خلالها الدموع إلى ابتسامات أولية. هذه الروح، التي تذكر بتكافل زلزال الحوز 2023، تُظهر كيف يصبح المجتمع في المغرب "شبكة أمان" حقيقية، حيث يقول أحد الناجين: "فقدنا المنزل، لكن وجدنا ألف بيت في قلوب الناس".
قصص الناجين: إنسانيات تتحدى اليأس.. شهادات من قلب الفاجعةما يجعل "مابعد الكارثة" أكثر إلهاماً هو قصص الناجين الذين، رغم الخسارات الجسيمة، يروون حكايات صمود وأمل. هذه الشهادات، المستمدة من مقابلات ميدانية وتقارير إعلامية، تكشف عن الجانب الإنساني الذي يتجاوز الدمار، وكيف يساهم التكافل في إعادة بناء الروح قبل الجدران.أولى هذه القصص هي قصة محمد، الأب الثلاثيني الذي كان يحتفل بعقيقة ابنه الرضيع في أحد المباني المنهارة. في شهادة نقلتها قناة "مدى 1 تي في"، روى محمد بصوت مرتجف كيف "سمعت صوتاً كالرعد يهز الأرض، ثم وجدت نفسي تحت كومة من الغبار والحجارة، محاطاً بصرخات أطفالي". نجا محمد مع ابنه الرضيع بأعجوبة، لكنه فقد زوجته وثلاثة من أطفاله الآخرين. اليوم، في الفندق المؤقت، يقول محمد: "السلطات نقلتنا هنا فوراً، وجيراننا جلبوا ملابس الأطفال وألعاباً لابني. بدون هذا التكافل، كنت سأنهار تماماً". يشارك محمد الآن في جلسات الدعم النفسي، ويخطط لعودة إلى العمل كحارس أمن، مدعوماً بصندوق التعويضات الذي أعلنته الدولة .أما فاطمة، الستينية التي عاشت في المبنى الخالي جزئياً، فقد نجت بكسر في ساقها بعد أن سقطت مع جزء من الطابق الثاني. في مقابلة مع "هسبريس"، وصفت فاطمة اللحظات الأولى: "كنت أصلي في غرفتي عندما اهتز كل شيء، وجدت نفسي معلقة بين الحديد الملتوي. الجيران سمعوا صوتي وأمسكوا بي حتى وصل الإنقاذ". اليوم، بعد عملية جراحية ناجحة في CHU، تقول فاطمة: "فقدت كل ممتلكاتي، لكن الجمعيات أحضرت لي دوائي وطعاماً حلالاً. أشعر أن فاس بأكملها أصبحت عائلتي". قصتها ألهمت حملة تبرع على إكس، جمعت آلاف الدراهم لإعادة تأهيل منزلها الجديد .ثم هناك أحمد، الشاب البالغ 25 عاماً، الذي كان يزور أقاربه أثناء الاحتفال. نجا أحمد بجروح سطحية، لكنه شهد فقدان عمته وابن عمه. في فيديو نشره ناشطون على إكس، روى أحمد: "الغبار كان كالليل، لكنني سمعت صوت عمتي تنادي، وحاولت سحبها لكن الحطام كان ثقيلاً. المتطوعون ساعدوني في البحث طوال الليل". الآن، يشارك أحمد في تنظيم "ليلة التضامن"، ويقول: "التكافل هذا هو الذي يعيد لي القوة. سنبني حياً أقوى، وسنحتفل بالعقائق مرة أخرى دون خوف" .هذه القصص ليست استثناءات؛ إنها نموذج لكيفية تحول الناجين من ضحايا إلى رموز أمل. جمعية "شفاء فاس"، التي أطلقتها السلطات، تستخدم هذه الشهادات في جلسات جماعية لتعزيز الروابط بين الناجين، مما يساعد في الشفاء الجماعي.الدعم النفسي والاجتماعي: بناء الثقة من جديدما بعد الكارثة ليس إعادة بناء جدران فحسب؛ بل إعادة بناء الثقة في المستقبل. أطلقت السلطات، بالشراكة مع وزارة الصحة، برنامج "شفاء فاس"، يشمل جلسات نفسية أسبوعية للعائلات، مع التركيز على الأطفال الذين فقدوا أحباءهم أثناء الاحتفال بالعقيقة. تقارير من المستشفى تشير إلى تحسن ملحوظ في حالة 80% من المصابين نفسيًا بعد الأسبوع الأول، بفضل التدخل المبكر .اجتماعيًا، أُنشئت لجان محلية لمتابعة احتياجات الأسر، تشرف عليها الجماعة الحضرية، لضمان توزيع المساعدات بشكل عادل. كما دعت الرابطة المغربية للمواطنة إلى إطلاق برنامج استعجالي لإعادة إسكان، مع خريطة وطنية للبنايات المهددة، لتجنب تكرار مثل هذه الفجائع . هذه الخطوات ليست رد فعل؛ بل استثمار في المستقبل، حيث أعلنت جمعيات شبابية عن حملات تدريبية للسكان على كيفية الإبلاغ عن عيوب البنايات، مما يعزز الوعي المجتمعي.التحقيقات والإصلاحات: من المساءلة إلى الوقايةوسط الدعم، لم يُغفل الجانب القضائي؛ إذ فتحت النيابة العامة تحقيقًا معمقًا لتحديد المسؤوليات، بالتعاون مع خبراء في التعمير، للكشف عن أي مخالفات في الترخيص أو الصيانة . شبيبة حزب العدالة والتنمية بفاس دعت إلى تحقيق شامل لا يستثني أحدًا، لترتيب الجزاءات وإنهاء "الإفلات من العقاب" . هذا التحقيق، الذي يشرف عليه وكيل الملك، يُتوقع أن يؤدي إلى إصلاحات وطنية في قوانين التعمير، خاصة مع اقتراب فاس من استضافة أحداث رياضية كبرى في 2030.على المستوى الإداري، أعلنت وزارة الإسكان عن حالة استنفار قصوى، مع خطط لتسريع برامج "السكن اللائق" في الأحياء الشعبية، لتحويل هذه الفاجعة إلى نقطة تحول في السياسة العمرانية.خاتمة: فاس تنهض بالتكافل.. نحو غد أفضلمابعد الكارثة في فاس هو قصة انتصار الإنسانية على اليأس. من خلال التدابير الملكية الشاملة والتكافل الشعبي التلقائي، أعيد بناء ليس المنازل فحسب، بل الروابط الاجتماعية والثقة في المؤسسات. قصص الناجين مثل محمد وفاطمة وأحمد تذكرنا بأن الصمود يولد من الترابط، كما قالت إحدى الأمهات الناجيات في شهادة لـ"الدار": "الأنقاض أخذت جزءًا منا، لكن التضامن أعاد لنا كل شيء". فاس، مدينة الثقافة والصمود، تثبت مرة أخرى أنها قادرة على النهوض، محملة بدرس التكافل الذي يجعلها أقوى. إلى الأسر المتضررة: أنتم لستم وحدكم؛ فاس بكم، والمغرب كله معكم.
تعليقات