محمد بن سلمان وجيفري إبستين: تسريبات الصورة التي تفتح أبواب الشكوك
منذ أن انفجرت قضية جيفري إبستين في أروقة الإعلام العالمي، لم تعد مجرد فضيحة تخص رجلاً واحدًا تورط في شبكة اتجار بالبشر والاستغلال الجنسي للقاصرات، بل تحولت إلى شبكة واسعة من التساؤلات السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي طالت رموزًا من الصف الأول على مستوى العالم. لم يكن مستغربًا أن ترتبط أسماء مثل بيل كلينتون، ودونالد ترامب، وبيل غيتس، والأمير أندرو، بهذه الدوامة المعقدة، لكن المثير حقًا هو أن يظهر اسم محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية، في سياق هذه القصة المظلمة التي ما زالت تتكشف جوانبها حتى اليوم. إذ كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخرًا، ضمن تحقيق شامل يتضمن صورًا ووثائق من داخل قصر إبستين في مانهاتن، عن وجود صورة مؤطرة لولي العهد محمد بن سلمان معلقة على خزانة خشبية إلى جانب مجموعة صور لشخصيات نافذة، وهو ما فتح أبواب الشك والجدل حول طبيعة العلاقة التي جمعت بين إبستين والرجل الذي بات فعليًا الحاكم الأقوى في العالم العربي.
تواجد صورة لابن سلمان في منزل إبستين لا يُمكن اعتباره مجرد صدفة جمالية أو تقدير شخصي عابر، خاصة إذا ما وُضع في سياق ما تم تسريبه سابقًا عن أن إبستين كان يفاخر بعلاقته بولي العهد ويشير إليه باسم MBS بشكل معتاد، بل ويتحدث عنه بوصفه "الصديق القوي" الذي يزوره أحيانًا ويجري اتصالات معه. ليست لدينا وثائق مؤكدة حتى اللحظة تثبت وجود لقاءات مباشرة بين الرجلين أو زيارات مسجلة لابن سلمان إلى قصر إبستين، لكن مجرد احتفاظ إبستين بصورة لابن سلمان في مكان مركزي داخل منزله يوحي بأن العلاقة لم تكن افتراضية تمامًا أو مبنية على أوهام شخصية. وإذا ما اعتبرنا أن إبستين كان معروفًا بتوثيق كل من مرّ في حياته السياسية والاجتماعية بالصورة أو الرسائل أو الهدايا، فإن وجود هذه الصورة يكتسب دلالة تتجاوز الرمزية، وربما تنطوي على مؤشرات لعلاقات أو تفاهمات أو حتى مجرد طموحات لدى إبستين بربط نفسه بشخصية وازنة مثل ولي العهد السعودي.
من المهم هنا أن نميز بين الدلالة السياسية للصورة والدلالة القانونية، فحتى هذه اللحظة لم يُذكر اسم محمد بن سلمان في أي لائحة اتهام تتعلق بإبستين، ولم تصدر تقارير رسمية تربطه بأي نشاط غير قانوني يتعلق بالقضية. لكن في عالم السياسة، الصورة تكفي أحيانًا لإثارة العاصفة، خصوصًا حين تتعلق بشخصية مثل إبستين الذي عُرف ببراعته في التسلل إلى دوائر السلطة مستخدمًا المال والتأثير الاجتماعي لاستدراج أقوى الرجال إلى محيطه. في هذا السياق، تصبح الصورة المعلقة في قصر إبستين أكثر من مجرد عمل ديكوري؛ إنها جزء من سردية إبستين التي سعى من خلالها إلى صناعة هالة من النفوذ والاتصال السياسي، وفي حالة محمد بن سلمان، قد تكون الصورة تعبيرًا عن رغبة إبستين في أن يبدو على اتصال مباشر بأحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل والاهتمام على الساحة العالمية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا قد يهتم محمد بن سلمان، بكل ما يمثله من قوة وسلطة إقليمية وعالمية، برجل مثل إبستين؟ هل هو اهتمام شخصي عابر؟ أم أن هناك مصالح استراتيجية أو اقتصادية قد تكون جمعت الطرفين؟ من المعروف أن إبستين كان يسعى دائمًا للربط بين أصحاب الثروات والنفوذ من جهة، والعالم الأكاديمي والمالي والتقني من جهة أخرى، وقد عمل في مراحل مختلفة على تنسيق لقاءات بين مستثمرين وشخصيات سياسية ومراكز بحثية. وربما كان إبستين يرى في ابن سلمان نموذجًا للقائد العربي الذي يسعى لتحديث بلاده والانتقال بها إلى الاقتصاد المعرفي، وقد حاول أن يكون جزءًا من هذا المشروع ولو بشكل رمزي. من جهة أخرى، فإن محمد بن سلمان في سنوات صعوده الأولى حاول الانفتاح على مختلف النخب الاقتصادية في الغرب، وقد التقى بعدد كبير من رجال الأعمال والخبراء والمستشارين في محاولته لرسم صورة الأمير المصلح الذي يريد أن ينقل بلاده إلى المستقبل.
لكن هذا الانفتاح نفسه، مع ما يحمله من فرص، قد يفتح أبوابًا للخطر، إذ إن التواصل مع شخصيات مثل إبستين قد لا يكون خاليًا من الأثمان السياسية. يكفي أن ترتبط باسمك صورة واحدة داخل قصر ملوث بالفضائح حتى تبدأ التحليلات والتأويلات التي لا يمكن محوها بسهولة. وربما هذا ما يجعل التسريبات الأخيرة أكثر إحراجًا من أي وقت مضى، خاصة وأنها تأتي في وقت تزداد فيه الضغوط الدولية على السعودية في ملفات حقوق الإنسان، والحوكمة، والحريات، وتزيد فيه الحاجة لصورة نقية تُقدَّم إلى الغرب بوصفها دليلاً على التغيير والانفتاح.
من جانب آخر، فإن المشهد برمته يفتح نقاشًا أوسع حول طبيعة العلاقات التي تربط النخب الحاكمة في العالم العربي بشبكات النفوذ الغربي، سواء كانت سياسية أو مالية أو حتى شخصية. فالقضية هنا لا تتعلق فقط بابن سلمان، بل بكل حاكم عربي يجد نفسه في قلب منظومة مصالح تمتد عبر العواصم الدولية، ويُضطر في لحظة ما لأن يتعامل مع شخصيات مثل إبستين، التي تتنقل بين النخب كالسائل المتغلغل في كل الزوايا. المشكلة ليست في الصورة وحدها، بل في إمكانية أن تكون هناك خيوط خفية تربط بين الرغبة في النفوذ، والسعي إلى الشرعية الدولية، والانجذاب إلى البريق الغربي، وبين الوقوع في مصائد لا تُكشف إلا بعد فوات الأوان.
ورغم عدم وجود أدلة على تورط مباشر، فإن الإعلام لا ينتظر المحاكمات كي يبني سرديته، وهو ما يجعل موقف محمد بن سلمان معقدًا أمام الرأي العام، خاصة مع التوجهات الجديدة في الصحافة الاستقصائية الغربية التي أصبحت تستهدف رموز السلطة مهما كانت مواقعهم. وهذا يعني أن الصورة المسربة قد تكون بداية لموجة جديدة من التساؤلات والتقارير وربما حتى التحقيقات، سواء إعلامية أو سياسية، تبحث في خلفية العلاقة بين إبستين والشرق الأوسط، وبالذات مع السعودية.
وفي النهاية، يمكن القول إن هذه التسريبات، رغم محدوديتها، تُظهر هشاشة الحدود بين السياسة والفضيحة، بين الصورة الرمزية والعلاقات الحقيقية، وبين الحاضر والماضي الذي يعود ليلاحق أصحابه في لحظة غير متوقعة. قد لا تؤدي الصورة إلى محاكمة أو إدانة، لكنها بالتأكيد تضع علامة استفهام كبيرة فوق رأس رجل اعتاد أن يصنع صورته بدقة أمام الكاميرا، لتأتي صورة أخرى، لم يكن هو من التقطها، وتضعه في سياق لا يمكن التحكم فيه. وإذا كان ابن سلمان قد نجح خلال السنوات الماضية في تقديم نفسه كقائد جديد يحمل مشروعًا طموحًا للمملكة، فإن عليه اليوم أن يواجه اختبارًا من نوع مختلف: اختبار الصورة التي لا تعبر بالضرورة عن نواياه، لكنها ستبقى في أرشيف الشك إلى أن يثبت العكس.
تواجد صورة لابن سلمان في منزل إبستين لا يُمكن اعتباره مجرد صدفة جمالية أو تقدير شخصي عابر، خاصة إذا ما وُضع في سياق ما تم تسريبه سابقًا عن أن إبستين كان يفاخر بعلاقته بولي العهد ويشير إليه باسم MBS بشكل معتاد، بل ويتحدث عنه بوصفه "الصديق القوي" الذي يزوره أحيانًا ويجري اتصالات معه. ليست لدينا وثائق مؤكدة حتى اللحظة تثبت وجود لقاءات مباشرة بين الرجلين أو زيارات مسجلة لابن سلمان إلى قصر إبستين، لكن مجرد احتفاظ إبستين بصورة لابن سلمان في مكان مركزي داخل منزله يوحي بأن العلاقة لم تكن افتراضية تمامًا أو مبنية على أوهام شخصية. وإذا ما اعتبرنا أن إبستين كان معروفًا بتوثيق كل من مرّ في حياته السياسية والاجتماعية بالصورة أو الرسائل أو الهدايا، فإن وجود هذه الصورة يكتسب دلالة تتجاوز الرمزية، وربما تنطوي على مؤشرات لعلاقات أو تفاهمات أو حتى مجرد طموحات لدى إبستين بربط نفسه بشخصية وازنة مثل ولي العهد السعودي.
من المهم هنا أن نميز بين الدلالة السياسية للصورة والدلالة القانونية، فحتى هذه اللحظة لم يُذكر اسم محمد بن سلمان في أي لائحة اتهام تتعلق بإبستين، ولم تصدر تقارير رسمية تربطه بأي نشاط غير قانوني يتعلق بالقضية. لكن في عالم السياسة، الصورة تكفي أحيانًا لإثارة العاصفة، خصوصًا حين تتعلق بشخصية مثل إبستين الذي عُرف ببراعته في التسلل إلى دوائر السلطة مستخدمًا المال والتأثير الاجتماعي لاستدراج أقوى الرجال إلى محيطه. في هذا السياق، تصبح الصورة المعلقة في قصر إبستين أكثر من مجرد عمل ديكوري؛ إنها جزء من سردية إبستين التي سعى من خلالها إلى صناعة هالة من النفوذ والاتصال السياسي، وفي حالة محمد بن سلمان، قد تكون الصورة تعبيرًا عن رغبة إبستين في أن يبدو على اتصال مباشر بأحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل والاهتمام على الساحة العالمية.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: لماذا قد يهتم محمد بن سلمان، بكل ما يمثله من قوة وسلطة إقليمية وعالمية، برجل مثل إبستين؟ هل هو اهتمام شخصي عابر؟ أم أن هناك مصالح استراتيجية أو اقتصادية قد تكون جمعت الطرفين؟ من المعروف أن إبستين كان يسعى دائمًا للربط بين أصحاب الثروات والنفوذ من جهة، والعالم الأكاديمي والمالي والتقني من جهة أخرى، وقد عمل في مراحل مختلفة على تنسيق لقاءات بين مستثمرين وشخصيات سياسية ومراكز بحثية. وربما كان إبستين يرى في ابن سلمان نموذجًا للقائد العربي الذي يسعى لتحديث بلاده والانتقال بها إلى الاقتصاد المعرفي، وقد حاول أن يكون جزءًا من هذا المشروع ولو بشكل رمزي. من جهة أخرى، فإن محمد بن سلمان في سنوات صعوده الأولى حاول الانفتاح على مختلف النخب الاقتصادية في الغرب، وقد التقى بعدد كبير من رجال الأعمال والخبراء والمستشارين في محاولته لرسم صورة الأمير المصلح الذي يريد أن ينقل بلاده إلى المستقبل.
لكن هذا الانفتاح نفسه، مع ما يحمله من فرص، قد يفتح أبوابًا للخطر، إذ إن التواصل مع شخصيات مثل إبستين قد لا يكون خاليًا من الأثمان السياسية. يكفي أن ترتبط باسمك صورة واحدة داخل قصر ملوث بالفضائح حتى تبدأ التحليلات والتأويلات التي لا يمكن محوها بسهولة. وربما هذا ما يجعل التسريبات الأخيرة أكثر إحراجًا من أي وقت مضى، خاصة وأنها تأتي في وقت تزداد فيه الضغوط الدولية على السعودية في ملفات حقوق الإنسان، والحوكمة، والحريات، وتزيد فيه الحاجة لصورة نقية تُقدَّم إلى الغرب بوصفها دليلاً على التغيير والانفتاح.
من جانب آخر، فإن المشهد برمته يفتح نقاشًا أوسع حول طبيعة العلاقات التي تربط النخب الحاكمة في العالم العربي بشبكات النفوذ الغربي، سواء كانت سياسية أو مالية أو حتى شخصية. فالقضية هنا لا تتعلق فقط بابن سلمان، بل بكل حاكم عربي يجد نفسه في قلب منظومة مصالح تمتد عبر العواصم الدولية، ويُضطر في لحظة ما لأن يتعامل مع شخصيات مثل إبستين، التي تتنقل بين النخب كالسائل المتغلغل في كل الزوايا. المشكلة ليست في الصورة وحدها، بل في إمكانية أن تكون هناك خيوط خفية تربط بين الرغبة في النفوذ، والسعي إلى الشرعية الدولية، والانجذاب إلى البريق الغربي، وبين الوقوع في مصائد لا تُكشف إلا بعد فوات الأوان.
ورغم عدم وجود أدلة على تورط مباشر، فإن الإعلام لا ينتظر المحاكمات كي يبني سرديته، وهو ما يجعل موقف محمد بن سلمان معقدًا أمام الرأي العام، خاصة مع التوجهات الجديدة في الصحافة الاستقصائية الغربية التي أصبحت تستهدف رموز السلطة مهما كانت مواقعهم. وهذا يعني أن الصورة المسربة قد تكون بداية لموجة جديدة من التساؤلات والتقارير وربما حتى التحقيقات، سواء إعلامية أو سياسية، تبحث في خلفية العلاقة بين إبستين والشرق الأوسط، وبالذات مع السعودية.
وفي النهاية، يمكن القول إن هذه التسريبات، رغم محدوديتها، تُظهر هشاشة الحدود بين السياسة والفضيحة، بين الصورة الرمزية والعلاقات الحقيقية، وبين الحاضر والماضي الذي يعود ليلاحق أصحابه في لحظة غير متوقعة. قد لا تؤدي الصورة إلى محاكمة أو إدانة، لكنها بالتأكيد تضع علامة استفهام كبيرة فوق رأس رجل اعتاد أن يصنع صورته بدقة أمام الكاميرا، لتأتي صورة أخرى، لم يكن هو من التقطها، وتضعه في سياق لا يمكن التحكم فيه. وإذا كان ابن سلمان قد نجح خلال السنوات الماضية في تقديم نفسه كقائد جديد يحمل مشروعًا طموحًا للمملكة، فإن عليه اليوم أن يواجه اختبارًا من نوع مختلف: اختبار الصورة التي لا تعبر بالضرورة عن نواياه، لكنها ستبقى في أرشيف الشك إلى أن يثبت العكس.