تسريبات جبروت: ثورة رقمية ضد الفساد في المغرب
آخر تسريبات "جبروت": صراع الظلال في قلب المغرب
المقدمةفي عالم اليوم الذي يتسارع فيه تدفق المعلومات عبر الشبكات الرقمية، أصبحت الحروب الإلكترونية أداةً فعالة للكشف عن الأسرار المدفونة، وكشف الوجوه المخفية وراء الستار الرسمي. في المغرب، بلد يجمع بين تراث تاريخي عريق وتحديات حديثة ملحة، برزت مجموعة هكرز تُدعى "جبروت" كلاعب غامض يهز أركان النظام السياسي والأمني. بدأت "جبروت" نشاطها في أواخر أغسطس 2025، لكن أحدث تسريباتها في أوائل أكتوبر من العام نفسه، والتي تزامنت مع موجة الاحتجاجات الشبابية تحت شعار #GENZ212، أثارت زلزالاً سياسياً واجتماعياً. هذه التسريبات ليست مجرد تسربات بيانات تقنية؛ إنها قنابل موقوتة تكشف عن فساد مزمن، صراعات داخلية في أجهزة الدولة، وانتهاكات لحقوق الإنسان، مما يضع السؤال الكبير: هل هي ثورة رقمية من داخل النظام، أم مؤامرة خارجية تهدف إلى زعزعة الاستقرار؟"جبروت"، التي تُنطق أحياناً "جباروت" أو "Jabroot"، هي مجموعة مجهولة الهوية، تضم – حسب التقارير – أطرافاً سابقة في أجهزة الاستخبارات المغربية، بالإضافة إلى عناصر خارجية محتملة من الجزائر أو تونس. نشاطها يرتبط بحملة "GENZ212"، التي يقودها الجيل الشاب المغربي لمطالبة العدالة الاجتماعية، مكافحة الفساد، وإصلاح قطاعي الصحة والتعليم. في 1-2 أكتوبر 2025، نشرت "جبروت" قواعد بيانات أمنية حساسة تشمل أسماء وتفاصيل شخصية لقوات الأمن المساعدة التابعة لعبد اللطيف الحموشي، مدير المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST). كما هددت بنشر 7 تيرابايت من البيانات، بما في ذلك صور أفراد الشرطة والمخابرات، إذا استمر القمع. هذه التسريبات ليست الأولى؛ ففي الشهور السابقة، كشفت عن ثروات هائلة لمسؤولين، صفقات سرية لبيع الممتلكات العامة، وانتهاكات داخلية. في هذا المقال، سنستعرض هذه التسريبات بالتفصيل، مع التركيز على سياقها السياسي والاجتماعي، ونحاول فك رموز هذا الصراع الرقمي الذي يهدد بتغيير وجه المغرب.العرض: تفاصيل التسريبات وتداعياتهابدأت قصة "جبروت" كقصة انتقام داخلي، لكنها سرعان ما تحولت إلى حملة شاملة ضد رموز النظام. في أوائل أكتوبر 2025، وتحديداً في 1 أكتوبر، نشرت المجموعة أولى الوثائق الحساسة المتعلقة بقوات الأمن المساعدة. هذه القوات، التي تُدار تحت إشراف مباشر للحموشي، هي الذراع التنفيذي لقمع الاحتجاجات، وكانت مسؤولة عن اعتقالات عشوائية واعتداءات على المتظاهرين خلال مظاهرات #GENZ212. الوثائق المسربة تضمنت أسماء كاملة، أرقام هواتف، عناوين إقامة، وحتى سجلات طبية لآلاف الأفراد. كانت الرسالة واضحة: "إذا استمر القمع، سننشر الصور والتفاصيل الكاملة لـ7 تيرابايت من البيانات". هذا التهديد لم يكن فارغاً؛ فقد أدى إلى توقف مؤقت لعمليات الاعتقال في بعض المدن الكبرى مثل الرباط وكازابلانكا، حيث أبلغ شهود عيان عن انسحاب قوات الأمن من نقاط التجمع الرئيسية.في 4 أكتوبر، أصدرت "جبروت" تقريراً يومياً مفصلاً عن مظاهرات ذلك اليوم، مستندة إلى وثائق داخلية من DGST. التقرير، الذي انتشر على منصات مثل تليغرام وX، وصف كيفية تنسيق عمليات القمع: "تم تفعيل مخطط الترهيب منذ اليوم الأول، مع التركيز على اعتقال الصحفيين لنقل صور التخويف". كما كشف عن تسلل عناصر أمنية بزي مدني لإثارة أعمال شغب، مما يفقد المظاهرات مصداقيتها أمام الرأي العام الدولي. هذا التقرير لم يكن مجرد سرد أحداث؛ إنه تحليل استراتيجي يُظهر كيف أن الحكومة تفشل في فهم جذور الغضب الشبابي، الذي ينبع من بطالة تصل إلى 35% بين الشباب، وانهيار الخدمات الصحية والتعليمية. المتظاهرون، الذين يرفعون شعارات مثل "الملك يبيع الشعب"، يرون في هذه التسريبات تأكيداً على مطالباتهم، مما دفع الحراك إلى التوسع إلى مدن مثل مراكش وطنجة.أما في 7 أكتوبر، فقد بلغت التسريبات ذروتها مع تهديدات مباشرة لفؤاد علي الهمة، المستشار الملكي البارز، وأفراد من العائلة الملكية، بما في ذلك أخوات الملك. الوثائق المسربة تكشف عن صفقات فساد هائلة تتعلق بـ"الهولدينغ الملكي"، حيث بيعت مستشفيات ومدارس عامة إلى صناديق استثمارية خاصة بأثمان زهيدة، ثم أُعيد استئجارها من الدولة بإيجارات باهظة. على سبيل المثال، وثيقة من وزارة الاقتصاد والمالية، بقيادة نادية فتاح العلوي، تُظهر صفقة لبيع 12 مستشفى في الرباط وكازابلانكا مقابل 500 مليون درهم، لكن الإيجار السنوي يصل إلى 200 مليون درهم. هذا النموذج، المُسمى "SPI-RFA"، هو خوصصة مقنعة تضرب في صميم الخدمة العمومية، حيث يتحول المواطن من مستفيد إلى دافع ضرائب إضافية لتمويل ثروات النخبة. التقارير تشير إلى أن هذه الصفقات، التي تشمل أيضاً أراضي سلالية، أدت إلى تراكم ثروة للهمة تصل إلى مليارات الدراهم، مع تورط أزعيطر الأخوة في صفقات عقارية مشبوهة.هذه التسريبات ليست معزولة؛ إنها جزء من سلسلة بدأت في أبريل 2025 مع اختراق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، حيث سربت بيانات 2 مليون موظف، بما في ذلك رواتب ومعلومات شخصية. ثم جاءت في يونيو تسريبات من الوكالة الوطنية للحفاظ على الأراضي (ANCFCC)، تكشف عن صفقات أراضي لمسؤولين كبار مثل وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي سدد قرضاً بـ11 مليون درهم في أقل من أربع سنوات. في يوليو، امتد الأمر إلى وزراء حزب الأصالة والمعاصرة (PAM)، مع وثائق عن مشتريات عقارية بمئات الملايين. وفي أغسطس، كشفت تسريبات عن ثروة محمد راجي، مسؤول استخباراتي، الذي اشترى منطقة صناعية كاملة بـ30 مليون درهم. هذه السلسلة أدت إلى إقالة مدير DGSSI في سبتمبر، وتعيين عبد الله بوطريك، في محاولة لإصلاح المنظومة الأمنية الرقمية.من الناحية السياسية، تكشف التسريبات عن صراع داخلي عميق. "جبروت" تُشير إلى "انقلاب ناعم" داخل الأجهزة الأمنية، حيث يُتهم الحموشي وياسين المنصوري بمحاولة السيطرة على القصر الملكي عبر برامج تجسس مثل بيغاسوس، الذي حصل عليه المغرب من إسرائيل عبر الإمارات. الوثائق تُظهر أن حتى الملك وأسرته لم يُعفوا من التجسس، مما يعكس توتراً بين المؤسسة الملكية والمخابرات. في 3 أكتوبر، صححت "جبروت" منشوراً مزيفاً للبنى أحمد الجود، الذي دعت فيه إلى إطلاق النار على المتظاهرين، مما يُظهر قدرتها على كشف الحسابات المزيفة والدعاية الحكومية. هذا التصحيح أثار جدلاً واسعاً، حيث تراجعت الجود عن المنشور، لكن "جبروت" نشرت دليلاً على أنه جزء من حملة تشويه.اجتماعياً، تزامنت هذه التسريبات مع احتجاجات #GENZ212، التي اندلعت في 3 أكتوبر 2025 كرد فعل على حوادث مأساوية مثل وفيات حوامل بسبب نقص الخدمات الطبية. الشباب، الذين يشكلون 60% من السكان، يرون في "جبروت" حليفاً، رغم الشكوك حول أصولها. بعض التقارير تربطها بالجزائر، خاصة بعد اختراق هكر مغربي "Dark Master" للمجموعة في 24 سبتمبر، الذي كشف عن عناصر جزائريين وتونسيين. ومع ذلك، يُعتقد أنها تضم مغاربة سابقين في الاستخبارات، مستاءين من الفساد. السلطات المغربية تُصنفها "عمل إرهابي إلكتروني"، وأطلقت تحقيقات أدت إلى اعتقالات، لكن التسريبات استمرت، مما يُظهر ضعف المنظومة الرقمية.اقتصادياً، تُبرز التسريبات كيف أن الفساد يُعيق التنمية. بيع الممتلكات العامة، الذي يُقدر بمليارات الدراهم، يزيد من العبء على الميزانية، حيث تدفع الدولة إيجارات لأصولها السابقة. هذا يُفاقم البطالة والفقر، خاصة مع اقتراب كأس العالم 2030، الذي يُروج له النظام كرمز للتقدم، بينما يعاني الشعب من نقص المستشفيات والمدارس. دولياً، أثارت التسريبات ردود فعل؛ ففي أكتوبر، زارت مديرة الاستخبارات الفرنسية المغرب لتقديم مساعدة تقنية، مما يُشير إلى مخاوف من تداعيات إقليمية.الخاتمةفي الختام، آخر تسريبات "جبروت" في أكتوبر 2025 ليست مجرد تسربات بيانات؛ إنها مرآة تعكس أزمة وجودية في المغرب، حيث يتصادم الشباب الغاضب مع نظام يُدار بالفساد والقمع. من قواعد البيانات الأمنية إلى صفقات بيع المستشفيات، مروراً بتهديدات لرموز النظام، تُظهر هذه التسريبات كيف أن الثورة الرقمية أصبحت أداة للعدالة الاجتماعية. سواء كانت "جبروت" ثوريين داخليين أو أدوات خارجية، فإن تأثيرها حقيقي: إقالات، احتجاجات، ومناقشات حول الإصلاح. المغرب يقف على مفترق طرق؛ هل يستمع إلى صوت الشارع ويُصلح ما أفسدته السنوات، أم يُواصل القمع مما يُفاقم التوتر؟ الجيل Z، مدعوماً بالتكنولوجيا، لن يصمت، و"جبروت" قد تكون مجرد البداية لعصر جديد من الشفافية القسرية. في نهاية المطاف، الاستقرار الحقيقي لا يبنى بالأسرار، بل بالعدالة، وإذا لم يتغير النظام، فإن التغيير سيأتي من الشعب نفسه، عبر الشوارع أو الشبكات.