جيل Z 212: إحباط وتنظيم بعد الخطاب الملكي في المغرب
مقدمة: الخطاب الملكي وسياقه
في يوم الجمعة 10 أكتوبر 2025، ألقى الملك محمد السادس خطابًا بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، جاء في سياق احتجاجات شبابية غير مسبوقة قادها "جيل Z 212" في أحد عشر مدينة مغربية. لم يشر الخطاب صراحة إلى الحركة أو الاحتجاجات، بل ركز على توجيهات عامة للحكومة برئاسة عزيز أخنوش، داعيًا إلى تسريع الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية، تحسين التواصل مع المواطنين، تقليص الفوارق الاجتماعية والمجالية، وتعزيز قطاعات الصحة والتعليم والتشغيل. كما أكد على احترام الحريات والحقوق، واستشهد بآيات من سورة الحج لدعوة المؤسسات إلى "الجهاد" في سبيل الإصلاح.
هذا الخطاب، الذي بُث مباشرة عبر القنوات الرسمية، جاء بعد أسابيع من التوتر، تخللتها اعتقالات (أكثر من 400 شخص)، إصابات، وتسجيل ثلاث وفيات رسمية في إنزكان. حول الخطاب الاحتجاجات من "أزمة استثنائية" إلى "تحدٍ إداري" يُعالج ضمن المؤسسات، مما أثار ردود فعل متباينة. فيما يلي، نستعرض هذه الردود من جيل Z، الشارع، والبرلمانيين، مع تحليل لما قد يخفيه المستقبل.
ردود فعل جيل Z: إحباط وإعادة تنظيم
شباب "جيل Z 212"، الذين يمثلون جيل المواليد بين 1997 و2012، كانوا العمود الفقري للاحتجاجات التي اندلعت عبر منصات رقمية مثل ديسكورد وتيك توك، ثم امتدت إلى الشوارع. بعد الخطاب الملكي، أعلنوا "حدادًا" رمزيًا عبر كتابة أسمائهم باللون الأسود في غرف ديسكورد (التي تضم أكثر من 150 ألف عضو)، معبرين عن خيبة أمل عميقة. وفي بيان رسمي نشر عبر منصة إكس، وصفوا الخطاب بأنه "مخيب للآمال" لعدم تناوله مطالبهم الرئيسية، وهي:
- إقالة الحكومة الحالية بقيادة عزيز أخنوش.
- محاسبة المسؤولين عن الفساد وسوء إدارة قطاعات الصحة والتعليم.
- الإفراج الفوري عن المعتقلين (أكثر من 400 شخص).
- التحقيق في حوادث العنف الأمني، بما في ذلك وفيات إنزكان.
ردود فعل الشارع العام: انقسام بين التفاؤل والغضب
الشارع المغربي، بما فيه العائلات، الأكاديميون، والطبقات الشعبية، تفاعل مع الخطاب بشكل منقسم. في مدن مثل الرباط، الدار البيضاء، وأغادير، ظهرت نقاشات ساخنة في الأسواق والمقاهي وعبر منصات التواصل.
- التفاؤل الحذر: بعض المواطنين، خاصة من أنصار الأغلبية الحكومية، رأوا في الخطاب "إشارة إيجابية" للإصلاح. مواطن من الرباط، في مقابلة مع هسبريس، قال: "الملك أعطى تعليمات واضحة، الآن دور الحكومة لتنفيذها". هؤلاء يرون أن جيل Z "نجح في إيصال صوته"، وأن الخطاب يعكس "تفهمًا" للمشاكل الاجتماعية. استطلاع رقمي سريع على موقع هسبريس أظهر أن 58% من المشاركين (حوالي 10 آلاف صوت) اعتبروا الخطاب "خطوة إيجابية"، مع دعوات للحكومة لـ"إثبات جديتها" عبر إجراءات ملموسة مثل زيادة ميزانية الصحة.
- الغضب والتشكيك: في المقابل، ساد الإحباط في مدن شهدت عنفًا أمنيًا، مثل أغادير ووجدة. مواطنون اتهموا الخطاب بـ"التجاهل" لضحايا الاحتجاجات، خاصة الوفيات الثلاث في إنزكان. على إكس، انتشرت تغريدات مثل: "الخطاب لم يذكر دماء الشهداء، أين العدالة؟". في وجدة، وثق مواطنون فيديوهات لتجمعات صغيرة ليلة 10 أكتوبر، تطالب بـ"محاسبة المسؤولين عن العنف". كما سخر بعض المغردين من الجزائر وتونس من الخطاب، واصفين إياه بـ"الكاريكاتوري"، لكن المغاربة ركزوا على "غياب الإشارة إلى المعتقلين".
- الأثر الميداني: الشارع شهد هدوءًا نسبيًا يوم 11 أكتوبر، مع غياب مظاهرات كبيرة بعد قرار جيل Z بتعليق الاحتجاجات. لكن التوتر بقي واضحًا في نقاشات رقمية، حيث دعا مواطنون إلى "انتظار أفعال الحكومة" قبل الحكم على الخطاب. هذا الانقسام يعكس تحديًا: الخطاب نجح في تهدئة الشارع مؤقتًا، لكنه لم يطفئ جذوة الغضب.
دود فعل البرلمانيين: المعارضة تتصدر النقدالبرلمان، بما فيه الأغلبية والمعارضة، تفاعل بسرعة مع الخطاب، لكن المعارضة كانت الأكثر صخبًا، مستغلة التوتر للضغط على الحكومة.
ما يخفيه جيل Z للمستقبل: رؤية تحليلية
- الأغلبية: رئيس الوزراء عزيز أخنوش أعلن "التزامًا كاملاً" بالتوجيهات الملكية، ودعا إلى اجتماع طارئ لرئاسة الأغلبية لوضع خطة لتسريع الإصلاحات، خاصة في قانون المالية 2026. نزار بركة (حزب الاستقلال) وصف الخطاب بـ"خريطة طريق"، بينما رشيد الطالبي العلمي (الأصالة والمعاصرة) أكد أن "الحكومة ستفتح حوارًا مع الشباب". لكن هذه التصريحات جاءت دفاعية، مع إقرار ضمني بفشل التواصل مع جيل Z.
- المعارضة: كانت أكثر حدة. عبد اللطيف الوجيهي (حزب العدالة والتنمية) هاجم الخطاب لـ"عدم الإشارة إلى ضحايا الاحتجاجات"، وقال في جلسة برلمانية استثنائية: "لا إصلاح دون محاسبة المسؤولين عن الفشل". نبيلة منيب (الاتحاد الاشتراكي) طالبت بـ"إقالة فورية للحكومة"، معتبرة أن "الخطاب تجاهل مطالب الشباب العادلة". عبد الله بوانو (العدالة والتنمية) اقترح تشكيل "لجنة تحقيق برلمانية" في العنف الأمني، مشيرًا إلى "فيديوهات موثقة لدهس متظاهرين". عمر بلافريج (فيدرالية اليسار الديمقراطي) دعا إلى "حوار وطني شامل" يضم ممثلين من جيل Z، وانتقد "القمع الذي زاد الاحتقان". المعارضة استغلت الخطاب لتصعيد الضغط، مطالبة بـ"تغيير جذري" في إدارة الأزمة.
ما يخفيه جيل Z للمستقبل: رؤية تحليلية
جيل Z 212، بطبيعته العفوية واعتماده على التكنولوجيا، أثبت أنه قوة سياسية جديدة لا يمكن تجاهلها. بعد الخطاب، يخفون في جعبتهم استراتيجيات قد تغير المشهد:
- التنظيم الرقمي: الحركة تعتمد على منصات مثل ديسكورد وتيك توك، مما يجعلها مرنة وصعبة السيطرة. خططهم المستقبلية تشمل حملات رقمية عابرة للحدود، مستلهمة من احتجاجات شبابية عالمية (مثل حركات المناخ أو Black Lives Matter). قد يطلقون هاشتاغات جديدة أو فيديوهات توثق "فشل الحكومة"، مما يحافظ على الضغط الشعبي.
- تحول المطالب: الخطاب، رغم إحباطه، عزز وعي جيل Z بضرورة صياغة مطالب أوسع. بجانب الصحة والتعليم، قد يطالبون بـ"إصلاح القضاء" أو "مكافحة الفساد"، مما ينقل الحراك من احتجاج اجتماعي إلى سياسي. هذا التحول قد يجذب أحزاب معارضة أو منظمات مدنية.
- استراتيجيات جديدة: تعليق الاحتجاجات يشير إلى إعادة تنظيم. قد يلجأ جيل Z إلى أساليب مثل الإضرابات الطلابية، أو تنظيم "مسيرات صامتة" لتجنب العنف الأمني. كما يناقشون في ديسكورد "مذكرة مطالب" رسمية لتقديمها إلى الحكومة.
- المخاطر والتحديات: إذا استمر القمع (مثل الاعتقالات أو الحظر الرقمي)، قد يتصاعد الحراك إلى مواجهات أكثر حدة. لكن نقص القيادة المركزية قد يضعف تنظيمهم على المدى الطويل. في المقابل، إذا استجابت الحكومة بحزمة إصلاحات ملموسة (مثل زيادة ميزانية الصحة في 2026)، قد يهدأ الحراك مؤقتًا.
خاتمةالخطاب الملكي نجح في تهدئة الشارع مؤقتًا، لكنه لم يطفئ جذوة الغضب. جيل Z أبدى إحباطًا لكنه أظهر نضجًا استراتيجيًا بتعليق الاحتجاجات وإعادة التنظيم. الشارع منقسم بين تفاؤل حذر وغضب مكبوت، بينما المعارضة البرلمانية (بقيادة أسماء مثل الوجيهي، منيب، وبوانو) تستغل الوضع للضغط على الحكومة. جيل Z يخفي للمستقبل قوة رقمية ومطالب قد تتسع، مما يجعلهم لاعبًا سياسيًا جديدًا. المغرب أمام مفترق: إما إصلاحات حقيقية أو تصعيد قد يغير المشهد السياسي.