خالد الجامعي.. صوت الصحافة الحرة في زمن الرصاص.

 “شكون نتا؟”.. سؤال السلطة وجواب الضمير...المقال الشهير لخالد الجامعي.

🎂 النشأة والتعليم

الميلاد: ولد عام 1944 في فاس، المغرب، في بيت وطني سياسي. والده بوشتى الجامعي كان من قيادات حزب الاستقلال في صفوف الحركة الوطنية 
تخرج في الأدب الفرنسي ثم التحق بالدراسات العليا بكلية الآداب بالرباط، بعد ذلك عمل في ديوان وزير الثقافة محمد الفاسي قبل أن يغادره نحو عالم الصحافة 
✍️ المسيرة الصحفية والنضالية
في 1973 التحق بجريدة لوبينيون (L’Opinion) — الناطقة باسم حزب الاستقلال — كصحافي والتحق لاحقاً بالرئاسة التحريرية 
اتسم أسلوبه بالجرأة والوضوح، فتحدى "الخطوط الحمراء" السياسية والدينية، واشتهر بدفاعه عن حرية التعبير والحقوق المدنية مقابل الرقابة والمضايقات من وزارة الداخلية .
تعرض للسجن والتعذيب في السبعينيات بسبب مواقفه الواضحة، كما يوثق في كتابه «متهم حتى تثبت إدانته» 
 الرأي والتأثير
كتب التحليلات السياسية، وكان معروفاً بالقلم الصريح والرصين، قادر على تبسيط أكثر القضايا تعقيداً، خصوصاً السياسية منها .
من أكثر مقالاته شهرة كانت «شكون نتا؟» (من أنت؟)، والذي نشره عام 1993 في لوبينيون، فكشف فيه التناقضات السياسية مما أدى إلى استدعائه من قبل وزير الداخلية إدريس البصري، ما جعله علامة بارزة في حرية الصحافة المغربية وتحول نقطة مفصلية في مساره المهني 
 دوره السياسي والحزبي
كان ناشطاً بارزاً في حزب الاستقلال، حيث شغل عضوية اللجنة التنفيذية للحزب لأكثر من فترة، مستمداً نشاطه الصحافي من قيمه السياسية داخل الحزب 
كان صوتاً يتبنى قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان، دفاعاً عن المعتقلين والمضطهدين، ما أكسبه احترام كل الأطياف السياسية من يسار ويمين وحتى إسلاميين .
 التقدير والإرث
وُصف بـقيدوم الصحافيين المغاربة وأيقونة الصحافة بالفرنسية 
حظي بتقدير من الملك محمد السادس الذي نعاه بعبارات أبرز فيها نزاهته ومهنيته 
. وعبر زملاؤه عن حزنهم واحترامهم العميق لمسار حياته الإعلامي ووطنية منطلقاته .
🕯 الوفاة
تُوفي عن عمر متراوح بين 75 و77 سنة (حسب المصدر)، يوم 1 يونيو 2021 بالدار البيضاء أو الرباط بعد صراع مع مرض السرطان 
شيّع في جنازة رسمية بمشاركة شخصيات سياسية، صحافية وحقوقية يعزون في فقدان عمود من الصحافة المغربية 
من مؤلفاته
متهم حتى تثبت إدانته (Présumé Coupable): رصد فيه تجربته السجنية وآرائه حول النظام السياسي والحقوق.
قدم عدداً من الكتب والمقالات حول السياسة والثقافة.
ماذا قال عنه الملك محمد السادس ?
خالد الجامعي جمع بين المهنية الصحافية والأصالة الوطنية؛ واجه السلطة بصلابة وكتب بلغة واضحة، ونقل تجربة نضالية بروح ضد الرقابة. وهكذا أصبح رمزاً حضارياً وفكرياً ترك أثراً كبيراً في الحقل الإعلامي الوطني وألهم أجيالاً من الشباب.
الملك محمد السادس عبّر عن تقديره العميق للراحل الصحافي خالد الجامعي في برقية التعزية الصادرة بتاريخ 3 يونيو 2021، وقال:
وصفه بأنه "صحافي مقتدر، ومناضل ومثقف ملتزم"، مشيدًا بـ"النزاهة الأخلاقية، والثبات على المبادئ، والصدق والموضوعية والمهنية العالية"، سواء في كتاباته أو مواقفه السياسية 
أشار إلى أن المرحوم كان يحظى بـ"العطف والتقدير"، وسجل أن له "رصيدًا حافلًا وعطاءً وافرًا في المجال الإعلامي والسياسي والحزبي، طيلة عقود من الزمن"، وأنه كان يتحلى بـ"خصال الغيرة الوطنية الصادقة، والتشبث بمقدسات الأمة وثوابتها الوطنية، وعلى رأسها الإخلاص لشخص جلالتنا وللعرش العلوي المجيد" 
ختم الملك دعاءه بأن "يشمله بواسع رحمته وغفرانه، وأن يجزل ثوابه على ما قدمه لوطنه من جليل الأعمال، ويتقبله في عداد الصالحين من عباده في جنات النعيم" 
باختصار، رأى الملك فيه رمزًا للصحافة الحرة، ملتزمًا بالمبادئ الوطنية والأخلاقية، وخدم وطنه بقلم وموقف، فأشاد به تقديرًا لعطائه وقدرّه على التأثير الراسخ في المشهد الإعلامي والسياسي المغربي.
 النص الكامل لمقال خالد الجامعي الشهير بعنوان «شكون نتا؟»، 
هذا المقال وجهه بجرأة إلى وزير الدولة إدريس البصري بتاريخ 22 نوفمبر 1993، كما نُشر باللغة العربية من ترجمة سعيد السالمي:
وأنا أراسلك، لا أبحث عن التحدي، ولا عن الاستفزاز، ناهيك عن أي إشهار.
وأنا أراسلك، أريد فقط أن أمارس حقي المشروع في الردّ عليك.
بمراسلتك وددت فقط أن أنقل لك أفكاراً ذات طابع سياسي وقانوني وأخلاقي أملاها "الاجتماع" الذي جمعني بك لبضع دقائق في مكتبك بوزارة الداخلية…
بمراسلتك أود أيضًا إرضاء فضول لم تتوقف عن مراودتي خلال اللقاءات القصيرة التي جمعتنا وكانت تفتتح بهذا السؤال البسيط: “شكون نتا؟” 
السيد وزير الدولة، لا شكّ أنك وجدت العبارة في عنوان الرسالة مفاجئة، وقد تراها في غير محلّها. ومع ذلك، استعملتها لأن ثمة إكراهات قانونية أملتها عليّ. ولتبرير ذلك استندت إلى مقتطفات من خطابين للملك وفصلين من الدستور… (يقتبس خطاب الملك يوم 11 يناير 1993 ودستور الفصل 74 ويشرح أن الوزير لا يصبح مسؤولاً قانونياً إلا بعد ثقة البرلمان) 

ثم يوضح:
أن استدعائي إلى وزارة الداخلية غير قانونيّ، وغير مبرر بما أن الكاتب العام لم يحدد لي سبباً رسمياً.
أن هذه الطريقة تنمّ عن "عجرفة"، تُثير التساؤل حول مصدرها اهو خوف، مجاملة، أو خضوع لإملاءات غير معلنة? وشيئاً فشيئاً تحولت إلى "قواعد غير مكتوبة" تُعيق بناء دولة القانون. 
ولإبراز خطورة الاستبدال اليومي، كتب:
“التنازلات الصغيرة تتحول مع مرور الوقت إلى تنازلات كبرى، كما أن الخوف والمخاوف الصغيرة تتحول مع مرور الوقت إلى خنوع واستسلام. إن ما يتغذى عليه الشطط في استخدام السلطة هو خوفنا وخنوعنا اليومي.” 
وفي ختام رسالته، يرد على سخرية البصري قائلاً: “شكون نتا؟” … “لقد تحدثت إليكم من مواطن إلى مواطن، لأن الوزير، وإن كان وزير دولة، يجب أن يكون مواطناً أولاً، وإلا فكيف يفهم مواطنيه؟” خاتمًا بـ:
“مع خالص التقدير وبدون ضغينة.
خالد الجامعي
الرباط، 22 نونبر 1993.” 
هذا المقال قوّي ومفصّل – أظهر، بثقافة مدرس للقانون وحرص على الشفافية، أن الصحافة هي صمام أمان للديمقراطية، وأن أي تجاوز قانوني يجب مواجهته بصوت ووعي.
خاتمة
في زمنٍ كثر فيه الضجيج وقلّ فيه الصدق، تظل سيرة خالد الجامعي تذكرة حيّة بأن الصحافة ليست مهنة للعيش فحسب، بل موقف، ورسالة، وميزان عدل. لم يكن خالد يكتب لينجو، بل ليشهد. لم يجامل السلطة، ولم يهادن الخوف، بل اختار أن يكون ضميرًا ناطقًا حين صمت كثيرون.
إلى صحافيي اليوم:
ليست الحرية في رفع الصوت فقط، بل في نقاء الكلمة. وليست الشجاعة في استفزاز السلطة، بل في قول الحقيقة دون سعي لرضا أو خوف من عقاب.
فلتكن مهنة الصحافة كما أرادها خالد الجامعي: مرآةً للناس، لا مرآةً للسلطان
رحم الله قيدوم الصحافة الاستاذ خالد الجامعي و اسكنه فسيح جنانه .
والسلام عليكم و رحمة الله.
تعليقات