الحلقة الثانية: "البيت الذي لا ينام

الحلقة الثانية من رواية "ظلال المزرعة"عنوان الحلقة: "البيت الذي لا ينام"


السلام عليكم.
الحلقة الثانية: "البيت الذي لا ينام"
لم يكن الصباح التالي لسقوط ليلى يشبه أي صباح مرّ على المزرعة.
الضباب لم يغادر كعادته، بل بدا وكأنه قرر المكوث فوق الأرض، يحجب عنها أنفاس الشمس. أشجار الصفصاف انحنت أكثر، كأنها تواسي المزرعة أو تبكيها. الصمت ساد المكان، لكنه لم يكن صمتًا طبيعيًا. كان من ذلك النوع الذي يسبق العاصفة.
آدم لم يذق طعم النوم. جلس على طرف السرير الخشبي في الغرفة الصغيرة التي خصصتها له نعيمة، الخادمة العجوز، يحدق في المرآة القديمة المعلقة قبالته. كانت ملامحه شاحبة، تشي بليالٍ ثقيلة وعينين أنهكهما الترقب والشك.
"أنا رأيت كل شيء..."
قالها في نفسه للمرة العشرين.
"راشد دفعها. لم تتعثر، لم تسقط، لم تكن نزهة... كانت فخاً."
ومع ذلك، لم يتقدم بأي بلاغ.
هو لا يستطيع.
هو ليس آدم نجم الدين، الطبيب المعروف، بل "سليم الرفاعي"، العامل الغريب في مزرعة نائية، بهوية مزورة، وقضية قتل في العاصمة لم تغلق بعد.
وبينما كان يفكر، طرقت الباب طرقات خفيفة. فتح ليجد نور واقفة. شاحبة، تائهة النظرات، تمسك بكتاب قديم بين يديها.
"أيمكنني الدخول؟"
أومأ برأسه. جلست على الكرسي المقابل، وضعت الكتاب على الطاولة، ثم همست:
"هذا كتاب مذكرات أبي... وجدت فيه شيئًا غريبًا."
فتحته عند صفحة محددة، حيث كتب والد ليلى قبل وفاته بأسابيع:
"أخشى أنني أوصيت بأرضي لمن لا يستحق، وأن من حولي يتقن الابتسام أكثر من الإخلاص. راشد... يبدو محترمًا، لكنه ابن للزمن الخطأ."
نظرت إليه نور بعينين دامعتين:
"أبي لم يكن مرتاحًا له، وليلى كانت مغمضة العينين. وأنا... خائفة. البيت لم يعد كما كان، كأن شيئًا يتحرك في جدرانه، يهمس ليلاً، يصدر أصواتًا حين أنام."
آدم شعر بالقشعريرة تسري في جسده. هو نفسه لم يكن يتخيل أن يعود الإيمان بالخرافات إليه بهذه السرعة، لكنه أقسم أنه رأى ظلّاً يمر قرب المطبخ البارحة، رغم أن الجميع كانوا نائمين.
ثم أخرجت نور ورقة مطوية من جيبها، كُتب عليها بخط مرتجف:
"ليلى لم تختفِ... هي مخفية. وإحدى الخادمات تعرف أين."
"هذه الورقة وجدتُها تحت وسادتي صباح اليوم."
قالت نور، ثم همست وهي تنهض:
"وأنا لا أنام في غرفتي أصلاً... منذ أن رأيت انعكاسًا في المرآة لا يشبهني."
بقي آدم وحده في الغرفة، قلبه يخفق.
كل شيء في هذا البيت ينهار بصمت.
هل ماتت ليلى؟ أم أن هناك من يحتجزها؟
هل نور تقول الحقيقة؟ أم أنها لعبة أخرى ضمن مؤامرة أكبر؟
وقبل أن يستسلم للشك، سمع في الخارج صوت خافت لامرأة تغني… لحنًا طفوليًا حزينًا.
اقترب من النافذة.
فرأى الخادمة "سعاد" تمشي في الحديقة… تهمس لنفسها، تمسح أناملها بثوبها، كأنها تزيل دماً لا يُرى.
تابعونا في الحلقة الثالثة من رواية "ظلال المزرعة"...
حيث تبدأ الأصوات أن تتكلم.
والسلام عليكم و رحمة الله.
تعليقات