تيك توك بالمغرب: واقع الشباب في دقيقة فيديو.

 المؤثرون الجدد: نجوم لم يولدوا من رحم المواهب بل من عالم الفيديوهات القصيرة

السلام عليكم.

ظاهرة التيك توك في المغرب: بين حرية التعبير والانفلات القيمي
مقدمة
في السنوات الأخيرة، تحوّلت منصة "تيك توك" من مجرد تطبيق ترفيهي إلى ظاهرة اجتماعية وثقافية واسعة النطاق، أثرت بعمق في حياة الشباب المغربي، وأسهمت في تشكيل وعي جديد، بل وأثارت نقاشات حادة حول الهوية والقيم والمستقبل. فما الذي يجعل تيك توك بهذه القوة؟ وما الذي يميز حضوره في المغرب عن غيره من البلدان؟ وهل نحن أمام ثورة رقمية أم انفلات اجتماعي؟
1. انتشار ناري في مجتمع متعطش للتعبير
مع اتساع استعمال الهواتف الذكية وانخفاض تكلفة الإنترنت، بات تيك توك متاحًا حتى في المناطق الهامشية. وقد وجدت فيه فئات واسعة من الشباب—خصوصًا غير المهيكلين تعليمياً أو اقتصادياً—منصة للتعبير عن الذات، بعد أن أُغلقت في وجههم أبواب الإعلام الرسمي، والتعليم الجيد، والفرص المهنية.
اللافت أن هذا التطبيق لم يُستخدم فقط في الرقص أو الترفيه، بل أصبح ساحة سياسية، ومنبرًا للسخرية الاجتماعية، وأحيانًا وسيلة للفضح أو التحريض.
2. مكاسب رقمية مقابل خسائر قِيمية؟
في مقابل هذا الانفتاح، لوحظ تصاعد المحتوى المثير للجدل: مشاهد إباحية مقنعة، ألفاظ نابية، عنف رمزي، واستعراض للثروة أو الفقر بطريقة فجة. كل هذا أثار تخوفات من ضياع المعايير القيمية والأخلاقية، خاصة لدى المراهقين.
"تحوّل التيك توك إلى سوق يومي للفرجة، لا يُحكَم بالمعايير الأخلاقية، بل باللايك والمشاهدات."
وهنا تُطرح أسئلة خطيرة: هل بات تيك توك أداة لتحفيز التفاهة؟ هل المعيار اليوم هو عدد المتابعين بغض النظر عن طبيعة المحتوى؟
3. صناعة مؤثرين خارج المعايير
من أبرز نتائج الظاهرة ظهور طبقة جديدة تُعرف بـ"المؤثرين الرقميين"، كثير منهم لا يمتلكون أي محتوى معرفي أو فني، لكنهم يحققون دخلاً يفوق رواتب مهنيين كبار. هذا الواقع أدى إلى تغيّر في مفهوم "النجاح"، فبات مرادفًا للشهرة، لا للجد والاجتهاد.
وهنا يكمن الخطر: تحول هذا النموذج إلى "قدوة" لجيل يبحث عن طريق مختصر نحو الثراء السريع، ولو على حساب القيم أو الجهد.
4. المجتمع في حيرة: تقنين أم منع؟
تتباين ردود فعل المجتمع المغربي تجاه هذه الظاهرة. فهناك من يرى ضرورة تقنين المحتوى ومراقبته قانونيًا، بينما يرى آخرون أن في ذلك تقييدًا لحرية التعبير.
الحكومة المغربية بدأت تعي خطورة الوضع، وصدرت محاكمات في حق بعض المؤثرين بسبب التحريض أو النصب، لكن المسألة أعمق من الملاحقات، فهي مرتبطة بسؤال التربية، والتعليم، وغياب بدائل إعلامية شبابية مقنعة.
5. تيك توك كمرآة للواقع
في نهاية المطاف، يمكن القول إن تيك توك لم يُنتج هذا الواقع، بل عراه. هو فقط مرآة لمجتمع يعاني من أزمة هوية، وصراع بين القديم والجديد، وبين المحلي والعالمي.
الكرة اليوم في ملعب الدولة، والمجتمع المدني، والمدرسة، والإعلام. إما أن نستثمر في وعي رقمي جماعي، أو نترك الساحة للفوضى الرقمية التي لا ترحم.
خاتمة
ظاهرة تيك توك في المغرب ليست خيرًا محضًا ولا شرًا مطلقًا. هي ظاهرة معقدة تعكس تحولات عميقة في المجتمع. لا يمكن مواجهتها بالمنع أو الغضب، بل بالفهم، والمواكبة، وبناء بدائل قادرة على منافسة المحتوى السطحي بمحتوى جذاب وهادف.
تيك توك ليس عدوًا، لكنه قد يصبح كذلك... إن لم نفهمه جيدًا.

والسلام عليكم و رحمة الله.
تعليقات