أم الغيث والغول في جبل الظلام: ليلة الرعب
أسطورة جبل الظلام
في أعماق جبال الأطلس المتوسط، حيث يختلط الضباب الكثيف بظلال أشجار الأرز القديمة، تقع قرية تازروت الصغيرة، محاطة بجبل يُعرف بـ جبل الظلام. هذا الجبل ليس مجرد كتلة صخرية، بل مكان يرتعد منه الأهالي، إذ يقال إن أرواحاً قديمة تسكنه، وأن صوت الريح فيه ليس سوى همسات الجن. على رأس هذه الأساطير تأتي أم الغيث، روح امرأة غامضة يُشاع أنها كانت ساحرة في زمن بعيد، عقدت صفقة مع الجن لإنقاذ قريتها من الجفاف، لكنها دفعت ثمناً باهظاً: أصبحت كائناً خارقاً، نصف بشري ونصف شيطاني، تحرس كنزاً مدفوناً في كهوف الجبل.
يصفها الأهالي بأنها امرأة ذات جمال يُذهل العقول، بشعر أسود كالليل وعيون تلمع كالجمر، لكن أقدامها مشقوقة كأظلاف الماعز، وصوتها يتحول من أنشودة ساحرة إلى صرخة تخترق القلوب. معها يعيش الغول، مخلوق مرعب يُقال إنه كان رجلاً طمع في كنزها، فحولته إلى وحش بعيون حمراء متوهجة، أنياب حادة، وجسد مغطى بالشعر الأسود الكثيف. كان الأهالي يحذرون من التجوال في الجبل ليلاً، لأن من يقابل أم الغيث إما أن يُفتن بها فيضيع عقله، أو يواجه الغول فيُمزق أشلاء.
القصة: مغامرة يونس المرعبة
في قرية تازروت، عاش شاب يُدعى يونس، في السابعة والعشرين من عمره، معروف بجرأته التي كادت تصل إلى التهور. كان راعياً يقضي أيامه يرعى أغنامه في سفوح جبل الظلام، وكثيراً ما سخر من قصص الجدات عن أم الغيث. في إحدى الليالي القمرية، وبينما كان يجلس مع أصدقائه حول نار صغيرة، بدأوا يتبادلون حكايات الرعب. قال أحدهم بصوت خافت: "يقولون إن أم الغيث تخفي كنزاً من الذهب في كهف الجبل، لكن من دخله لم يخرج إلا جثة!" رد يونس بضحكة عالية: "خرافات! لو كان هناك كنز، سأجده أنا وأنهي هذه الحكايات السخيفة!"
تلك الليلة، لم يستطع يونس النوم. كانت فكرة الكنز تدغدغ خياله، خاصة أن قريته تعاني من الفقر، وكان يحلم بإنقاذ عائلته. قرر أن يتحدى الأسطورة ويصعد إلى جبل الظلام في منتصف الليل. أخذ معه مصباحاً زيتياً، سكيناً صغيرة، وعصا قوية، وتجاهل تحذيرات أمه وهي تصرخ: "يا يونس، لا تتحدى أم الغيث! الليل ملكها!" لكنه رد بثقة: "سأريكم أن لا شيء في الجبل سوى الصخور!"
الصعود إلى الجبل: بداية الرعب
انطلق يونس نحو الجبل تحت ضوء القمر الشاحب، بينما كان الضباب يتسلل كأرواح تتراقص بين الأشجار. كان الهواء بارداً، يحمل رائحة الطحالب والتراب الرطب. بينما كان يسير، سمع صوت خرير ماء بعيد، لكنه سرعان ما تحول إلى همس غريب، كأن أحداً يردد كلمات بلغة مجهولة. توقف يونس، قلبه يدق بسرعة، لكنه أقنع نفسه أنها الريح تلعب بأغصان الأرز. واصل سيره حتى وصل إلى مدخل كهف مظلم يُعرف بـ "فم الغول"، وهو مدخل ضيق تحيط به صخور سوداء كأنها أسنان وحش جائع.
أشعل يونس مصباحه الزيتي ودخل الكهف بحذر. كانت الجدران مبللة، تنز منها قطرات ماء كأنها دموع الأرض. رائحة رطبة خانقة ملأت المكان، وكان الصمت يقطعه صوت خطواته المترددة. فجأة، سمع همهمة خافتة، كأنها أنشودة امرأة حزينة تتردد في أرجاء الكهف. ثم جاء صوت واضح، مخيف، كأنه يخرج من أعماق الأرض:
"يا غريب، لمَ جئت إلى داري؟ الكنز لمن يستحق، والموت لمن يطمع!"
تجمد يونس في مكانه، شعر برعشة باردة تجتاح جسده. رفع مصباحه، لكنه لم يرَ سوى الظلام يبتلع الضوء. فجأة، لمح خيالاً يتحرك في نهاية الكهف. اقترب بحذر، فوجد امرأة تقف هناك، ذات جمال يفوق الخيال. كان شعرها الأسود ينسدل كشلال من الحبر، وعيناها تلمعان كجمر مشتعل في الظلام. ارتدت ثوباً أبيض يتماوج كأنه شبح، لكن قدميها... كانتا مشقوقتين كأظلاف الماعز، مغطاة بالطين الأسود.
مواجهة أم الغيث: لحظة الرعب
"من أنتِ؟" صرخ يونس، ممسكاً بسكينه بيد مرتجفة. ضحكت المرأة بصوت عالٍ، كأنه صراخ الريح في عاصفة، تردد صداه في الكهف حتى شعر يونس أن رأسه سينفجر. "أنا أم الغيث، حارسة هذا الجبل!" قالت بصوت يمزج بين العذوبة والرعب. "جئتَ لسرقة كنزي، أليس كذلك؟ لكن لا أحد يأخذ شيئاً مني دون عقاب!"
حاول يونس الدفاع عن نفسه: "لم آتِ للسرقة! قريتي تموت من الجفاف، وأريد إنقاذها!" لكن عيني أم الغيث توهجتا بالغضب، وقالت: "إذا كنت صادقاً، ستواجه الغول! فقط الشجاع يستحق كنزي!" في تلك اللحظة، هزت الأرض تحت قدميه، وسمع زئيراً مخيفاً يملأ الكهف. من الظلام، ظهر الغول، مخلوق بشع بجسد ضخم مغطى بالشعر الأسود، عيونه حمراء كالدم، وأنيابه تلمع كالسيوف. كان يزأر بصوت يشبه عواء الذئاب، ومخالبه تحفر في أرض الكهف.
المعركة المرعبة
لم يكن أمام يونس خيار سوى المواجهة. تذكر قصص جدته عن الجن، التي كانت تقول إن الصدق والشجاعة يمكنهما التغلب على أي مخلوق. أمسك عصاه وسكينه، وصرخ: "لن أهرب! إذا كان الكنز سيحيي قريتي، سأقاتل من أجله!" اندفع الغول نحوه، فتفادى يونس ضربه بسرعة، مستغلاً الصخور للاختباء. لكن الغول كان سريعاً بشكل مخيف، وفي لحظة، خدش مخلبه ذراع يونس، فسال الدم وصرخ يونس من الألم.
وسط الرعب، لمح يونس شقاً في جدار الكهف ينبعث منه ضوء خافت. رمى بحجر نحو عيني الغول ليشتته، ثم ركض نحو الشق بكل قوته. دخل ممراً ضيقاً، حيث وجد بركة ماء صافية تتوهج بضوء سحري، كأنها مرآة تعكس النجوم. كانت هذه عين الغيث، المصدر الأسطوري لمياه القرية التي جفت منذ عقود. لكن قبل أن يلمس الماء، ظهرت أم الغيث أمامه فجأة، كأنها خرجت من الجدران نفسها. صوتها أصبح أعمق، كأنه يخرج من أعماق الأرض: "هل أنت مستعد لدفع الثمن، يا يونس؟ الكنز ليس مجاناً!"
الثمن المرعب والنهاية
"ما الثمن؟" سأل يونس، وهو يشعر بأن قلبه يكاد يتوقف. أجابت أم الغيث: "الماء سيحيي قريتك، لكن عليك أن تحافظ على سر هذا الجبل، وإلا سيعود الغول ليأخذ روحك!" وافق يونس، مرتجفاً من الخوف، وقطع وعداً بحماية سر العين. عندما لمس الماء بيده، شعر بنسيم بارد يعم الكهف، واختفت أم الغيث والغول فجأة، تاركين وراءهم صمتاً مخيفاً.
عاد يونس إلى القرية، حاملاً جرة ماء من العين. كان وجهه شاحباً، وذراعه ملطخة بالدم. عندما سكب الماء في بئر القرية الجافة، بدأت المياه تتدفق بغزارة، وأزهرت الأراضي بالخضرة. لكنه لم يخبر أحداً عن لقائه بأم الغيث أو الغول، خوفاً من وعيدها. أصبح يونس بطلاً في عيون أهل تازروت، لكنه كان يستيقظ ليلاً مذعوراً، يسمع زئير الغول في أحلامه. وفي الليالي الهادئة، كان الأهالي يقسمون أنهم يسمعون أنشودة مخيفة تتردد من جبل الظلام، كأن أم الغيث تذكّر الجميع بأنها لا تزال تراقب.
والسلام عليكم و رحمة الله .