الكوميسير الحاج ثابت
من هو الحاج ثابت؟
الحاج ثابت، واسمه الكامل ثابت محمد مصطفى، كان عميداً ممتازاً في جهاز الاستعلامات العامة بالدار البيضاء، وهو أحد أبرز رجال الأمن في المغرب خلال الثمانينيات وأوائل التسعينيات. وُلد في مدينة الدار البيضاء في أوائل الخمسينيات (لم يُحدد تاريخ ميلاده بدقة في المصادر المتاحة). كان معروفاً بين زملائه بكفاءته العالية في العمل الأمني، حيث شغل مناصب حساسة في جهاز الاستعلامات، وكان يُطلق عليه لقب "الكوميسير" بسبب دوره كرئيس لفرقة الاستعلامات المركزية في العاصمة الاقتصادية للمغرب.
كان الحاج ثابت متزوجاً ولديه أبناء، لكنه كان يعيش حياة مزدوجة: من جهة، كان رجل أمن محترماً يُشرف على مكافحة الجريمة، ومن جهة أخرى، كان يخفي جانباً مظلماً من شخصيته تحول لاحقاً إلى فضيحة هزت المجتمع المغربي.
بداية الكشف عن الجرائم
في أواخر عام 1992، بدأت شائعات تتردد في أحياء الدار البيضاء عن سلوك مشبوه للكوميسير الحاج ثابت. كانت هناك شكاوى من نساء وفتيات يدّعين أنهن تعرضن للاستغلال الجنسي من قبله. في البداية، لم تؤخذ هذه الشكاوى على محمل الجد بسبب نفوذ ثابت ومكانته كرجل أمن بارز. لكن الأمور تغيرت عندما تقدمت إحدى الضحايا بشكوى رسمية إلى النيابة العامة، مدعومة بأدلة مادية، بما في ذلك شريط فيديو يوثق إحدى الجرائم.
بعد التحقيق الأولي، تم اعتقال الحاج ثابت في يناير 1993. عند تفتيش منزله، عثرت السلطات على أدلة صادمة: مذكرات مكتوبة بخط يده تتضمن أسماء مئات الضحايا، وأشرطة فيديو وصور فوتوغرافية توثق أفعاله الإجرامية. كشفت التحقيقات أن ثابت استغل منصبه لابتزاز النساء والفتيات، وكان يستهدف القاصرات بشكل خاص، بما في ذلك طالبات المدارس. وصل عدد الضحايا الموثقين إلى حوالي 500 امرأة وفتاة، لكن بعض المصادر تشير إلى أن العدد الحقيقي قد يكون أكبر بكثير.
تفاصيل الجرائم المروعة
كشفت المحاكمة عن تفاصيل مروعة عن أفعال الحاج ثابت:
استغلال السلطة: كان ثابت يستخدم منصبه كرجل أمن لابتزاز النساء. كان يهدد ضحاياه بالاعتقال أو بفضحهن أمام عائلاتهن إذا لم يخضعن له. في بعض الحالات، كان يزعم أنه يحقق في قضايا أخلاقية، ثم يستدرج الضحايا إلى شقته أو أماكن سرية.
العنف الجنسي: اعترف ثابت أمام النيابة العامة بأنه كان يمارس العنف أثناء الاعتداءات، خاصة مع القاصرات. وثّق في مذكراته أنه كان يشعر بالإثارة عند ممارسة الجنس مع الفتيات الصغيرات، وكان يضاجعهن أحياناً بأعداد كبيرة (4 إلى 5 ضحايا في وقت واحد).
التوثيق المنهجي: كان ثابت مهووساً بتوثيق جرائمه. كان يسجل أسماء الضحايا في دفتر خاص، ويصور أفعاله بكاميرا فيديو. أحد أبرز الأدلة كان شريط فيديو يُظهر إحدى الضحايا وهي تتعرض للاغتصاب، وهو الشريط الذي أُتلف لاحقاً في ظروف غامضة.
حالات صادمة: في إحدى الشهادات، ذكر ثابت أنه كان يضاجع امرأة بينما كانت تخفي رضيعها تحت وسادة لمنعه من رؤية الفعل. هذه التفاصيل أثارت غضباً عارماً في الرأي العام.
المحاكمة التي هزت المغرب
بدأت محاكمة الحاج ثابت في مارس 1993 بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، تحت رئاسة القاضي لحسن الطلفي. كانت المحاكمة تُعقد خلال شهر رمضان، مما أضاف طابعاً درامياً للأحداث. تابعت وسائل الإعلام المحلية والدولية فصول المحاكمة عن كثب، حيث تحولت إلى قضية رأي عام أثارت نقاشات حول السلطة، الفساد الأخلاقي، وحماية الضحايا.
التهم: وُجهت لثابت تهم متعددة، منها الاغتصاب، التحرش الجنسي، استغلال النفوذ، إتلاف أدلة، وإخفاء جرائم. كما اتُهم بالضغط على إحدى الضحايا للتنازل عن شكواها وإتلاف شريط فيديو يوثق إحدى جرائمه.
الأدلة: رغم اختفاء بعض الأدلة، مثل الشريط رقم 32 الذي أُتلف في ظروف غامضة، اعتمدت المحكمة على تصريحات الضحايا، مذكرات ثابت، وبعض الأشرطة المصورة. اعترافات ثابت نفسه أمام النيابة العامة كانت حاسمة، حيث أقر بأفعاله ولم ينكر معظم التهم.
متابعة الملك الحسن الثاني: يُروى أن الملك الراحل الحسن الثاني كان يتابع المحاكمة مباشرة من خلال بث خاص من المحكمة، مما يعكس مدى حساسية القضية. كانت المرافعات ماراثونية، واستمرت لساعات طويلة خلال رمضان.
في 15 مارس 1993، أصدرت المحكمة حكماً بإعدام الحاج ثابت. الحكم لقي ترحيباً واسعاً من الرأي العام، الذي كان غاضباً من فظاعة الجرائم.
الأيام الأخيرة وتنفيذ حكم الإعدام
بعد الحكم، نُقل الحاج ثابت إلى السجن المركزي بالقنيطرة لتنفيذ حكم الإعدام. وصفت شهادات من عائلته حالته في الأيام الأخيرة بأنها مزرية. صهر ثابت، الذي زاره في السجن، قال إنه رآه "ينتصب وسط صالة استقبال الزوار وقد ارتاع وجهه وعلت موجات من الغضب تقاسيمه". كان ثابت هزيلاً، محبطاً، ومستسلماً لنهايته. لم يكن قادراً على الكلام بشكل متماسك، وكان يكرر كلمات متفرقة بلا معنى، ويرفض الأكل. بدا شاحباً وثقيل الأنفاس، وكان يهز رأسه بحزن عند محاولة الحديث معه.
في فجر يوم الأحد، 5 سبتمبر 1993، نُفذ حكم الإعدام في الحاج ثابت في السجن المركزي بالقنيطرة. كان عمره آنذاك حوالي 40 عاماً. يُعتبر هذا الإعدام آخر حكم إعدام نُفذ فعلياً في المغرب حتى اليوم (مايو 2025). بعد ذلك، توقفت عمليات الإعدام رغم صدور أحكام أخرى مماثلة في قضايا لاحقة.
ألغاز ما بعد الإعدام
رغم تنفيذ الحكم، ظلت هناك ألغاز تحيط بقضية الحاج ثابت:
اختفاء الشريط رقم 32: أحد أهم الأدلة، وهو شريط فيديو يوثق إحدى الجرائم، اختفى في ظروف غامضة. يُعتقد أن أشخاصاً في السلطة ربما تدخلوا لحماية أطراف أخرى قد تكون متورطة.
سرعة المحاكمة: استغربت بعض الأوساط سرعة المحاكمة والتنفيذ، حيث لم تُعطَ الفرصة الكافية للتحقيق في كل جوانب القضية. هناك من يعتقد أن السلطات أرادت إنهاء القضية بسرعة لتجنب فضائح أكبر.
مكان القبر: حتى اليوم، يبقى قبر الحاج ثابت مجهولاً. لم تُعلن السلطات عن مكان دفنه، مما أثار شائعات بأنه ربما لم يُعدم فعلياً، لكن هذه الشائعات تفتقر إلى دليل قاطع.
الأثر على المجتمع المغربي
قضية الحاج ثابت كانت نقطة تحول في المجتمع المغربي:
صدمة الرأي العام: هزت القضية المغاربة، خاصة أن ثابت كان رجل أمن يُفترض أنه يحمي المواطنين، لكنه تحول إلى مجرم. أثارت نقاشات حول الفساد الأخلاقي في أجهزة الدولة.
حماية الضحايا: ساهمت القضية في زيادة الوعي بحقوق النساء والفتيات، ودفعت إلى تحسين القوانين المتعلقة بالعنف الجنسي. لاحقاً، أُقر قانون مكافحة العنف ضد النساء (2018) كجزء من هذا الإرث.
وقف الإعدام: كان إعدام ثابت آخر حكم إعدام يُنفذ في المغرب. بعد ذلك، أصبح هناك تجميد فعلي لعقوبة الإعدام، حيث لم تُنفذ أي أحكام مشابهة منذ 1993، رغم استمرار صدورها في قضايا أخرى.
إرث القضية: حتى اليوم (مايو 2025)، تُعتبر قضية الحاج ثابت رمزاً لسوء استغلال السلطة. تُذكر في النقاشات حول إلغاء عقوبة الإعدام، حيث يرى البعض أن الإعدام كان ضرورياً في مثل هذه القضية، بينما يدعو آخرون إلى إلغائه كعقوبة غير إنسانية.
خلاصة
الحاج ثابت (ثابت محمد مصطفى) كان كوميسير في جهاز الاستعلامات بالدار البيضاء، تحول إلى مجرم بعد كشف جرائمه في 1993. استغل منصبه لاغتصاب وابتزاز حوالي 500 امرأة وفتاة، ووثّق أفعاله بأشرطة فيديو ومذكرات. أُدين في محاكمة علنية وحُكم عليه بالإعدام، نُفذ في 5 سبتمبر 1993 بالقنيطرة، وكان آخر حكم إعدام في المغرب. القضية تركت أثراً عميقاً على المجتمع، وأثارت نقاشات حول السلطة، العنف الجنسي، وعقوبة الإعدام.