لعنة الوادي: قصة من الثرات المغربي

 لعنة الوادي الخفي


مذينة خريبكة

في قلب جبال الأطلس المتوسط، قرب مدينة خريبكة، كان هناك وادٍ غامض يُعرف بـ"وادي الضباب". لم يجرؤ أحد من سكان القرى المجاورة على الاقتراب منه، إذ كانت الأساطير تحكي عن لعنة قديمة تحيط بالمكان. يُقال إن الوادي كان موطنًا لروح امرأة تُدعى ثورية، كاهنة قديمة من زمن المرينيين، كانت تملك قوى خارقة للسيطرة على الرياح والمياه. لكنها، بسبب خيانة أحد أحبائها، لعنت الوادي قبل موتها، فتحول إلى مكان يبتلع كل من يتجرأ على دخوله.

في صيف عام 1985، قرر شاب يُدعى رشيد، وهو مهندس شاب من خريبكة، تحدي الأسطورة. كان رشيد يعمل في شركة الفوسفاط، وكان شغوفًا بالجيولوجيا. سمع عن الوادي من جده، الذي حذره مرارًا قائلاً: "الوادي ليس مجرد مكان، إنه بوابة بين عالمين". لكن رشيد، بطبعه العقلاني، اعتقد أن الأسطورة مجرد خرافة لإخافة الناس عن كنز مدفون في الوادي، ربما رواسب فوسفاط نادرة أو حتى ذهب.

في ليلة مقمرة، حمل رشيد معداته – بوصلة، خريطة قديمة سرقها من مكتبة المدينة، ومصباح يدوي – وتوجه إلى الوادي برفقة صديقه يونس، وهو مغامر معروف بحبه للتحديات. عندما وصلا إلى مدخل الوادي، لاحظا أن الضباب كان كثيفًا بشكل غير طبيعي، كأنما يتحرك بحياة خاصة. لكن رشيد أصر على التقدم، متجاهلاً شعوره بالقلق.

اللقاء الأول

بعد ساعة من السير، بدأت الأمور تأخذ منعطفًا غريبًا. سمعا صوت همهمة خافتة، كأنها ترنيمة قديمة تأتي من بعيد. توقف يونس وقال: "رشيد، هذا ليس طبيعيًا، دعنا نعود!" لكن رشيد، الذي كان يرى في الأمر تحديًا شخصيًا، أصر على المتابعة. فجأة، ظهرت أمامهما امرأة ترتدي ثوبًا أبيض طويلًا، شعرها الأسود يتطاير كأنه يرقص مع الريح. كانت عيناها تلمعان بنور أخضر مخيف. "من أنتم؟ ولماذا تزعجون راحتي؟" قالت بصوت عميق يشبه صدى الجبال. رشيد، على الرغم من خوفه، رد: "نحن هنا فقط لاستكشاف الوادي، لا نريد إيذاء أحد!" ضحكت المرأة ضحكة ساخرة وقالت: "لا أحد يدخل وادي ثورية ويخرج سالماً. لكن إذا أردتما الحياة، أجيبا على سؤالي: ما الذي يربط العالم الحي بالعالم الميت؟"

اللغز والاختبار

يونس، الذي كان يرتجف، همس: "رشيد، هذه ثورية! إنها الكاهنة!" لكن رشيد حاول التفكير بعقلانية. تذكر قصص جده عن الأرواح التي تحرس الأماكن المقدسة، وقال: "الذكرى. الذكرى هي التي تربط الأحياء بالأموات، لأننا نحمل أحباءنا في قلوبنا." سكتت ثورية للحظة، ثم ابتسمت ابتسامة غامضة. "إجابة ذكية، لكنها ليست كافية." فجأة، اختفت، وتحول الضباب إلى عاصفة رملية صغيرة أعمتهما. عندما استقر الغبار، وجدا نفسيهما أمام كهف لم يكن موجودًا من قبل. داخل الكهف، وجدا تابوتًا حجريًا محفورًا بنقوش غريبة تشبه الكتابة التيفيناغ. بجانب التابوت، كان هناك صندوق صغير يحتوي على جوهرة خضراء تلمع بنفس لون عيني ثورية. رشيد، مدفوعًا بالفضول، لمس الجوهرة، وفي تلك اللحظة، شعر بصوت داخل رأسه يقول: "أنت الآن جزء من اللعنة. إذا أردت النجاة، أعد الجوهرة إلى مكانها الحقيقي قبل شروق الشمس."

السباق مع الزمن

بدأت الأرض تهتز، وصوت ثورية يتردد: "لديكم حتى الفجر!" خرج رشيد ويونس من الكهف مسرعين، لكن الوادي بدا وكأنه يتغير من حولهما. الطرق التي سلكاها اختفت، والأشجار بدت وكأنها تتحرك لتعيق طريقهما. يونس، الذي بدأ يفقد أعصابه، قال: "كان يجب أن نستمع إلى التحذيرات!" لكن رشيد، مصممًا، قرأ النقوش على الجوهرة التي حملها. كانت تشير إلى معبد قديم في أعلى الوادي، مكان كان يُستخدم لعبادة الماء في زمن ثورية.

بعد ساعات من التجوال، وجدوا المعبد، وهو عبارة عن بناء متداعٍ محاط بأحجار منحوتة. في وسطه، كان هناك حوض ماء جاف. وضع رشيد الجوهرة في وسط الحوض، وفجأة، بدأ الماء يتدفق من الأرض، كأن الوادي عاد إلى الحياة. توقفت العاصفة، واختفى الضباب، وظهرت ثورية مرة أخيرة. "لقد أثبتّما شجاعتكما واحترامكما للماضي. لكن تذكرا: بعض الأسرار يجب أن تبقى مدفونة." ثم اختفت، تاركة وراءها نسمة هواء باردة.

النهاية

عاد رشيد ويونس إلى خريبكة مع شروق الشمس، منهكين لكنهما سالمين. لم يخبرا أحدًا بما حدث، لكن رشيد لاحظ أن الخريطة التي استخدمها اختفت من حقيبته، كأنها لم تكن موجودة أبدًا. منذ ذلك اليوم، توقف رشيد عن السخرية من الأساطير، وصار يحكي لأطفال القرية عن أهمية احترام الماضي والطبيعة.أما الوادي، فظل كما هو: غامض، مغطى بالضباب، ينتظر المغامر التالي الذي قد يجرؤ على كشف أسراره.

و السلام عليكم و رحمة الله

تعليقات