التطبيع قسرًا : خيانة تُمرّر فوق كرامة الشعوب.

التطبيع المفروض: عندما يُغتال الوجدان الشعبي باسم المصالح

مقدمة

منذ توقيع عدد من الدول العربية، ومنها المغرب، على اتفاقيات تطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، تَعالت أصوات الغضب الشعبي في الشوارع، وعلى المنصات، وفي وجدان المواطن البسيط، الذي وجد نفسه بين مطرقة الإذعان السياسي وسندان الهوية الوطنية والقومية والدينية. التطبيع لم يكن فقط إجراءً سياسيًا فوقيًا، بل أصبح جرحًا نفسيًا غائرًا في روح شعوب لم تنسَ مجازر النكبة، ولم تغفر دماء أطفال غزة، ولم تتصالح مع فكرة الجلوس على طاولة واحدة مع قاتل يُفرغ رصاصه كل يوم في جسد شعب أعزل.

بين القرار الرسمي والوجدان الشعبي

في المغرب، كما في غيره من الأقطار العربية، لم يكن قرار التطبيع نتاج حوار وطني أو استفتاء شعبي، بل فُرض من الأعلى، في مشهد يعكس فجوةً هائلة بين ما تريده الأنظمة وما يريده الشارع. الشعب المغربي، المعروف تاريخيًا بمساندته الثابتة للقضية الفلسطينية، فوجئ بإعلان استئناف العلاقات مع إسرائيل، دون مراعاة لمشاعره، ولا لتاريخه الحافل بالمواقف المشرّفة تجاه فلسطين. هذا الانفصال بين السلطة والوجدان الشعبي أدّى إلى تشوش نفسي عميق، تَجلّى في شكل غضب، حيرة، خيبة، وإحساس بالخيانة.

الآثار النفسية للتطبيع المفروض

الشعور بالاغتراب السياسي: المواطن يشعر وكأن صوته لم يعد يُحسب، وكأن قرارات الدولة تتجه عكس نبضه، ما يولّد فقدانًا للثقة في الدولة والمؤسسات.

القهر الرمزي: حين يُرغم الفرد على التعايش مع مشاهد رفع الأعلام الإسرائيلية أو استقبال مجرمي الحرب في أرضه، يشعر بانتهاك وجداني وقيمي.

الازدواجية القيمية: يُطلب من المواطن أن يمارس النفاق الاجتماعي والسياسي؛ أن يُدرّس لأبنائه عن القدس، ثم يشاهد التطبيع في الأخبار.

الإرهاق الأخلاقي: التطبيع يفرض حالة من الإنهاك النفسي الناتج عن الصراع بين الضمير الحي وبين الواقع المفروض، مما يؤدي إلى الإحباط والشعور بالعجز.

تفكك الانتماء القومي: حين تُخرق الثوابت، يبدأ الانتماء إلى الهوية العربية بالتآكل، ويحل محله شعور باللاجدوى من "العروبة" كمنظومة قيمية.

من الشارع إلى المنصات: رفض لا يلين

رغم محاولات تلميع التطبيع إعلاميًا وثقافيًا، لم تهدأ حملات المقاطعة الشعبية، ولم تنطفئ شعلة الرفض. من رفض الفنانين المشاركة في مهرجانات تضم ممثلين إسرائيليين، إلى الطلاب الذين يرفضون أي تبادل أكاديمي مع جامعات الاحتلال، إلى النشطاء الذين يواجهون التضييق والسجن... الشعوب لا تصالح. في المغرب، خرجت مظاهرات متعددة، وتم إطلاق عرائض إلكترونية وبيانات غاضبة من المثقفين والهيئات، ترفض "مقايضة القضية الفلسطينية بأي مصلحة ظرفية".

التطبيع لا يمر بلا ثمن

من يعتقد أن التطبيع مجرد قرار سياسي عابر، يخطئ التقدير. فكل خطوة في هذا المسار تترك أثرًا عميقًا على النسيج المجتمعي وعلى ذاكرة الشعوب. كل صورة لعلم الاحتلال في شارع عربي، تقطع أوصال التضامن العربي، وتبث رسائل قاسية في وجدان الأجيال: "الحق لا قيمة له"، "القاتل يُكافأ"، "الصمود لا يُجدي". لكن الشعوب، رغم الجراح، لا تُسلّم بسهولة. قد تتألم، لكنها لا تنكسر.

خاتمة

إن فرض التطبيع على الشعوب العربية، وخاصة في المغرب، لم يُنتج سلامًا حقيقيًا، بل خلّف جروحًا نفسية، وانقسامًا داخليًا، وغضبًا مكبوتًا قد ينفجر في أي لحظة. فالقضايا الكبرى لا تُحل بالقفز على الضمير الجمعي، ولا بالمقايضات السطحية، بل تُعالج بالحوار، بالعدالة، وباحترام صوت الإنسان العربي الذي ما زال يرى في القدس عاصمة القلوب، لا موطئًا للصفقات.

والسلام عليكم و رحمة الله.

تعليقات