قصة مغامرات دوار رويحين الجزء الاول .

المعطي الخريبكي
المؤلف المعطي الخريبكي
تاريخ النشر
آخر تحديث


مغامرات دوار رويحين - المعمورة (1)


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

اول ليلة ابيت في دوار رويحين .

لاول مرة، أقضي ليلتي في براكة من صفيح داخل دوار رويحين، وهو مكان بدا غريبًا بالنسبة لي، إذ تتكوّن المنازل من كوخين أو ثلاثة وأسطبل، محاطين بحاجز مصنوع من جذوع الأشجار على شكل شبكة، يُعرف بـ "النُّبَح"، لأن الكلاب في الليل تكون حرة، تستطيع الدخول والخروج من بين الجذوع إلى جميع المنازل.
أما اسم "رويحين"، فقد أثار تساؤلي: ألم يجدوا اسمًا آخر لهذا الدوار؟ بدأت في السؤال، وكان أول من استفسرت منه أمي عائشة، صاحبة البراكة التي أقيم فيها. فأجابتني قائلة: "كان يُعرف سابقًا بدوار المعمورة، لكنهم أطلقوا عليه اسم رويحين لأنه مكان خطير جدًا!"
استغربت من وصفها، فسألتها: "كيف ذلك يا أمي عائشة؟" فقالت بنبرة غامضة: "سترَ بعينيك ما سيحدث الليلة!" ثم أشارت إلى السور القريب، الذي تتلاصق أغلب المنازل به، وسألتني: "هل ترى هذا السور؟" أجبتها: "نعم، ماذا عنه؟" قالت: "في الليل سيُفتح بابٌ أو بابان، وسيدخل الناس ماشيتهم لترعى داخل المطار حتى الصباح، ثم يُعاد بناء الباب وكأن شيئًا لم يكن!".
شعرت بالدهشة، فكيف يحدث ذلك والحراسة هنا مشددة؟ لكن أمي عائشة ابتسمت وقالت: "انتظر المساء وسترى بنفسك!".
من هي أمي عائشة؟ إنها امرأة مسنة تبلغ من العمر 75 عامًا، تعرّفتُ إلى ابنها البوشتي عندما كنت أعمل لدى الفرنسي Jean Luis في ضيعة تقع عند الكيلومتر السابع من طريق مكناس، قرب مطار الرباط-سلا.
كنت قد غادرت الضيعة بعد أن فضحت جنودًا يعملون في الطيران العسكري، إذ لاحظت أن اثنين منهم كانا يخرجان كل يوم بعد الخامسة مساءً لمراقبة سور المطار من الداخل، ومعهما كلاب بوليسية. وكانا يجبران الأزواج أو المخطوبين على تسلق السور ثم إدخالهم إلى المطار، حيث كانا يأمران الكلاب بحراسة الرجل بينما يغتصبان المرأة أمامه!
لم أكن قادرًا على تمييز وجوههم، فقد كنت أعمل كحارس لحقل الأفوكادو من أعلى برج مرتفع، بينما كانت الجرائم تُرتكب على بُعد مئات الأمتار، قرب منطقة إقلاع الطائرات. بعد أن فضحت الأمر، نصحني Jean Luis بالمغادرة قبل أن يتعرضوا لي، فقررت الرحيل.
والآن، بعد غياب طويل، وجدت نفسي في دوار رويحين.
تعرفتُ إلى أمي عائشة عندما كنت في الضيعة، فهي أم لابنين: البوشتي، الذي عمل عند الفرنسي، وميلود، الذي كان يقود عربة يجرها حصان، ويعيش مع والدته وزوجته في الدوار.
كانت أمي عائشة كريمة معي، منحتني فراشًا وكل ما أحتاجه، ورتّبت لي البراكة. كنت أسمع الأصوات من حولي؛ أحدهم ينادي على ابنه، وآخر ينادي زوجته، كلاب تنبح، أبقار وأغنام... كان المكان يعج بالحياة.
مع غروب الشمس، بدأ القطيع يدخل من الغابة، وعاد العمال بعرباتهم إلى منازلهم. جاء ميلود بعربته، فسلّم عليّ، ثم ذهب ليغسل يديه قبل أن يحضر الطعام، فجلسنا نأكل في البراكة.
خلال حديثنا، سألني: "هل أنت مرتاح هنا؟ إذا احتجتَ شيئًا، أخبرني وسأحضره لك، فأنا بعد قليل سأدخل مع الناس إلى المطار لنرعى ماشيتنا!"
أجبته بحماس: "سأذهب معك الليلة!" فوافق على الفور.
لم يستغرق فتح الباب سوى أربع دقائق، وبدأت الماشية تدخل. كانت هناك حقول صغيرة بجوار سور المطار من الداخل، لكن الحيوانات لم تأكل منها، بل تابعت سيرها إلى الأعماق، حيث الأرض ممتلئة بالعشب، على عكس الغابة التي كانت تربتها حمراء ظاهرة.
دخلتُ أنا وميلود إلى حيث الطائرات المدنية الصغيرة، بعضها مملوك، وبعضها يُستخدم للتدريب. جلسنا هناك، ندخن السجائر تحت إحدى الطائرات، قريبين من باب المطار من الداخل.
روى لي ميلود قصة غريبة، فقال: "في إحدى الليالي، كانت هناك طائرة على وشك الهبوط، وعندما يهم الربان بالهبوط، تضيء أضواء المدرج بالكامل. تصادف حينها أن قطيعًا من الحمير كان قريبًا من تلك الأضواء، فاندفعوا جميعًا إلى المدرج، يلعبون ويجرون وسطه! لم يجد الطيار خيارًا سوى الإقلاع مجددًا والهبوط في مطار آخر!"
بعد أن علم الأمن بالحادثة، جاء الجنود ليلًا وألقوا معظم الحمير أحياءً في بئر داخل المطار! ظل أصحابها يبحثون عنها ثلاثة أيام، حتى وجدها أحد العمال، فتم إنقاذها، لكنها كانت في حالة يُرثى لها، تعاني الجوع والعطش.
عادنا إلى الدوار عند الثانية صباحًا، وأدخلنا القطيع، ثم خلدتُ إلى النوم، متشوقًا لما سيحدث في الليلة القادمة...
ترقبوا الحلقة القادمة من مغامرات دوار رويحين، أعدكم بأنها ستكون أكثر تشويقًا!

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،

تعليقات

عدد التعليقات : 0