الساقي والملك – حكاية عن الصدق والمكر
المقدمة:
الساقي والملك
في قديم الزمان، في مدينة بعيدة، كان هناك ساقٍ فقير يدعى عفيف، يمضي نهاره متنقلًا بين الأزقة والأسواق،
حاملاً جرته الطينية، يسقي الناس بالماء العذب مقابل دراهم معدودة. كان معروفًا بصدقه وطيبة قلبه، وكانت
ابتسامته لا تفارق وجهه رغم بساطة حاله.
وذات يوم، وصل خبر طيبته وأمانته إلى ملك البلاد، الذي كان يحب التقرب من أهل مدينته وسماع قصصهم.
فأمر بإحضاره إلى القصر ليكون ساقي الملك، مسؤولًا عن سقاية الضيوف وكبار القوم.
حين دخل عفيف القصر لأول مرة، وقف مبهورًا بجماله واتساعه، لكنه بقي متواضعًا كما كان، يؤدي عمله بإخلاص.
لم يكن مجرد ساقٍ، بل كان رجلًا ذا حكمة وقلبٍ صادق، حتى صار الملك يحب الاستماع إليه،
ويجلسه إلى جواره في المجالس.لكن هذا القرب لم يعجب الوزير الأكبر، الذي كان يرى في عفيف تهديدًا لمكانته.
فبدأ يحيك له مؤامرة خبيثة ليبعده عن الملك.في يوم من الأيام، اقترب الوزير من عفيف وهمس له قائلًا:
"مولاي الملك يشتكي من رائحة فمك الكريهة، وينصحك بوضع لثام حتى لا تؤذيه."
أحس الساقي بالخجل، فوضع لثامًا على فمه عند دخوله مجلس الملك، احترامًا له. لاحظ الملك ذلك لكنه
لم يسأل عن السبب، وظل يراقب بصمت.
ومع مرور الأيام، اقترب الوزير من الملك وقال له بمكر: "مولاي، الساقي يشكو في السر من رائحة فمك،
ولذلك يضع اللثام عند الجلوس أمامك."
أصيب الملك بالدهشة والغضب، لكنه أخفى مشاعره، وقرر معاقبة الساقي بأسلوبه الخاص. فأصدر أمرًا للجلاد:
"غدًا، من رأيته يخرج من القصر حاملًا باقة ورد، فاقطع رأسه فورًا."
وفي الصباح، استدعى الملك الساقي ومنحه باقة ورد كهدية. وفي طريقه للخروج، قابله الوزير وسأله:
"من أعطاك هذه الورود؟" فأجاب الساقي: "مولاي الملك."
فقال الوزير بابتسامة ماكرة: "أنا أحق بها منك، أعطني إياها."
أخذ الوزير الورود ومضى خارج القصر، لكنه لم يكن يعلم أن هذه الورود ستكون نهايته.
فما إن رآه الجلاد حاملاً باقة الورد، حتى نفذ أمر الملك وقطع رأسه.
وفي اليوم التالي، دخل الساقي القصر كعادته، فاستغرب الملك رؤيته، وسأله: "لِمَ كنت تضع اللثام يا عفيف؟"
فأجابه الساقي بكل صدق: "لقد قال لي الوزير إنك تشتكي من رائحة فمي، وأمرني بوضع اللثام احترامًا لك."
سأله الملك مجددًا: "وأين باقة الورود التي أعطيتك إياها؟"
فقال الساقي: "أخذها الوزير، وقال إنه أحق بها مني."
ابتسم الملك وقال: "حقًا، لقد كان أحق بها منك!"
وهكذا نال الوزير جزاء خداعه وحقده، بينما بقي الساقي في القصر، يعمل بصدق وإخلاص،
محاطًا بمحبة الملك وأهل البلاط.
العبرة من القصة:
الصادق لا يسقط مهما كثر الحساد.
المكر والدهاء يرتد دائمًا على صاحبه.
الحاسد يظن أنه الأذكى، لكنه في النهاية يكون أحق بالهلاك.
والسلام عليكم و رحمة الله .