ما هو سر "الرجل الذي اختفى مرتين"
القصة
في أحد أزقة مدينة مراكش القديمة، كان هناك رجل يُدعى "يوسف"، يعيش حياة هادئة يبيع التحف للسياح. لم يكن يلفت الأنظار، ولم يكن لديه أي أعداء، لكنه كان يحمل سرًا لم يبح به لأحد...ذات يوم، دخل إلى دكانه رجل غريب المظهر، كان يرتدي معطفًا طويلاً رغم حرارة الجو، وعينيه كانتا تخفيان نظرة غامضة. وقف أمام يوسف، وأخرج من جيبه ساعة قديمة.
نظر يوسف إلى الساعة بذهول، ثم قال بصوت منخفض:
"من أين حصلت عليها؟" ابتسم الرجل الغامض وقال: "أنت تعلم تمامًا من أين".
في تلك اللحظة، شعر يوسف برعشة تسري في جسده، وكأنه يواجه ماضيًا ظن أنه دفنه منذ سنوات. لم يكن ذلك الرجل مجرد زائر عابر... لقد كان من الماضي الذي حاول يوسف الهروب منه.
قبل عشرين عامًا، كان يوسف معروفًا باسم "إلياس"، وكان أحد أخطر المجرمين الذين احترفوا التخفي والتزوير. لكنه قرر يومًا أن يختفي، أن يمحو هويته، ويبدأ حياة جديدة كشخص آخر. لكنه اليوم، يجد نفسه أمام رجل يعرف حقيقته، رجل جاء ليعيده إلى عالمه القديم.
يوسف لم يكن مستعدًا لمواجهة ماضيه، لكنه أدرك أنه لا يمكنه الهروب هذه المرة. نظر إلى الرجل الغامض وقال بهدوء مصطنع:
"لم أعد ذلك الشخص الذي تبحث عنه."
ابتسم الرجل، وكأنه توقع الإجابة، ثم قال:
"لا أحد يتخلى عن ماضيه بهذه السهولة، إلياس..."
صُدم يوسف حين سمع اسمه القديم، لكن حاول أن يحافظ على هدوئه. خرج من الدكان بسرعة، لكن الرجل تبعه بخطوات بطيئة وثابتة. لم يكن الأمر مجرد صدفة، بل بدا وكأنه كان يراقب يوسف منذ فترة طويلة، ينتظر اللحظة المناسبة للظهور.
يوسف سار في الأزقة القديمة كأنه يبحث عن مهرب، لكن مراكش كانت تعرفه جيدًا، وكان يعرف أن الماضي لديه طريقة غريبة في العثور عليه مهما حاول الاختفاء. في نهاية أحد الأزقة، توقف الرجل الغامض وقال بصوت منخفض لكنه مليء بالتهديد:
"هناك من يريدك أن تعود... هناك من لم ينسك أبداً."
ارتجف يوسف، لكنه لم يُظهر خوفه. نظر إلى الرجل وقال:
"ومن يكون هذا الشخص؟"
ضحك الرجل وقال وهو يدير ظهره:
"ستعرف قريبًا جداً."
ثم اختفى في زحام السوق، تاركًا يوسف وسط دوامة من الأفكار، يحاول فهم ما يحدث، بينما يدرك أن حياته السلمية انتهت عند هذه اللحظة.
يوسف لم يعد يستطيع إنكار الحقيقة، هناك من يبحث عنه، وهناك من لا يزال يعتبره مفتاحًا لأمرٍ أكبر مما تخيله. عاد إلى دكانه، لكنه شعر أنه لم يعد مكانًا آمنًا. بدأ يراقب كل حركة حوله، يبحث عن أي علامة على أن الرجل الغامض قد عاد.
مرّت أيام قليلة، ثم تلقى يوسف رسالة غامضة على باب دكانه، كانت مكتوبة بخط يد يعرفه جيدًا، لكنها تحمل كلمات لم يكن جاهزًا لقراءتها: "الهروب لن ينقذك هذه المرة... لديك ثلاثة أيام لتقرر إن كنت ستعود، أو ستختفي للأبد."
يوسف شعر بدمه يتجمد، من الذي أرسل هذه الرسالة؟ ولماذا الآن؟ كان يعلم أن هذا ليس تهديدًا فارغًا، بل إن هناك شيئًا أكبر قادم نحوه بسرعة لا يمكنه تفاديها.في الليلة التالية، وبينما كان يسير في أحد أزقة المدينة القديمة، سمع صوت خطوات تتبعه. التفت بسرعة، لكنه لم يرَ أحدًا. زاد من سرعته، لكن تلك الخطوات استمرت، وكأنها تتحدى خوفه، تُذكّره بأن الماضي لا يُدفن بسهولة.
وفجأة، ظهر وجه مألوف أمامه، لم يكن الرجل الغامض هذه المرة... بل كان شخصًا من حياته القديمة، شخصًا لم يتوقع رؤيته أبدًا.
"إلياس، كنت أعلم أنك لن تختفي إلى الأبد."
كان الصوت عميقًا، مليئًا بالغموض. يوسف تراجع خطوة، لكنه أدرك أنه أمام لحظة فاصلة... هل سيواجه الحقيقة، أم سيحاول الهروب مجددًا؟
وقف يوسف متجمداً أمام الرجل الذي ناداه باسمه القديم. كانت عيناه تحملان نظرة لم تتغير رغم مرور السنوات... نظرة شخص يعرف كل الأسرار المخفية، نظرة شخص لا ينسى.
"مر وقت طويل، أليس كذلك؟" قال الرجل بصوت بارد.
يوسف شعر أن كل السيناريوهات التي رسمها في عقله تحطمت في هذه اللحظة، لكنه لن يسمح لنفسه بأن يعود إلى الماضي بسهولة. حاول التظاهر بالهدوء وقال:
"لا أعرف من تكون، أخطأت الشخص."
ضحك الرجل بصوت خافت، وأخرج من جيبه شيئًا صغيرًا وألقاه نحو يوسف... كانت شريحة ذاكرة، شديدة القدم، مغبرة، لكن يوسف عرفها جيدًا، كانت تخصه منذ سنوات، كانت تحتوي على كل ما أراد إخفاءه إلى الأبد!
شعر يوسف بأن ضربات قلبه تتسارع، لكنه سأل بهدوء مصطنع:
"ماذا تريد؟"
"ليس أنا من يريدك... بل هناك من يحتاجك، هناك شيء لم يُغلق بعد، وأنت المفتاح الأخير."
يوسف أدرك أن الهروب لم يعد خيارًا، بل عليه أن يواجه الأمر. لكن ماذا لو كان هذا الفخ الأخير؟ ماذا لو كان ما ينتظره أخطر من الماضي نفسه؟
الرجل اقترب أكثر وقال بصوت منخفض:
"إذا كنت عاقلًا، ستأتي معي الآن... وإذا كنت لا تزال تظن أنك قادر على الاختفاء، فتأكد أن هذه ستكون الليلة الأخيرة التي تعيش فيها بهدوء."
لحظة صمت طويلة مرت، كأن العالم كله توقف عند قرار يوسف القادم. هل سيتبع الرجل إلى المجهول؟ أم سيواجه الحقيقة بطريقته الخاصة؟
وقف يوسف أمام الرجل الذي أحضر له ماضيه على طبق من تهديدات، لكنه لم يظهر أي تردد، بل قال ببرود غير متوقع:
"أنا لم أعد ذلك الشخص، ولا شيء سيجبرني على العودة."
ضحك الرجل بخفة، كما لو كان يتوقع هذه الإجابة، ثم قال:
"أنت تعرف أن هذا ليس قرارًا بيدك... هناك من يراقبك، هناك من لن يقبل بالرفض."
لكن يوسف لم يكن مهتماً بالتهديدات. نظر إليه بحدة وقال بصوت ثابت:
"إذا كنتم تبحثون عن إلياس، فأنتم تأخرتم كثيرًا... لقد دفنتموه بأنفسكم قبل سنوات، والآن لن تجدوا سوى يوسف، رجل لا يتبع الأوامر، ولا يخضع للابتزاز."
كانت هذه اللحظة فاصلة، الرجل أدرك أن يوسف لن يعود بإرادته، لكنه أيضًا رأى في عينيه شيئًا لم يكن هناك من قبل... إصرار على قطع كل الروابط، على الاختفاء بطريقة لا رجعة فيها.
في تلك الليلة، يوسف لم يهرب، لكنه نفذ خطة لم تخطر ببال أحد. اختفى من المدينة دون أن يترك أثراً، لم يكن مجرد تغيير للهوية، بل كان محوًا كاملاً لكل ما عرفه الآخرون عنه. دكانه أغلق، هاتفه سُكِت، وحتى أقرب أصدقائه لم يستطيعوا العثور عليه. مرّت الشهور، ثم السنوات... ولم يظهر يوسف مجددًا. أصبح مجرد ذكرى في أذهان من حاولوا استرجاعه، لكن لا أحد استطاع العثور على أثره. كان اختفاؤه مثالياً، كما لو أنه لم يكن موجودًا من الأساس.
و السلام عليكم و رحمة الله .