قصة واقعية مشوقة : الهروب المستحيل.

المعطي الخريبكي
المؤلف المعطي الخريبكي
تاريخ النشر
آخر تحديث


الهروب عبر القضبان: ليلة لن تُنسى

 ابطال القصة اربعة شباب من حي السلام خريبكة لازالوا على قيد الحياة .

في 19 يناير 1984 اندلعت أخطر انتفاضة عرفها المغرب، انطلقت من المدارس والإعداديات ولهذا سُمِّيت "انتفاضة التلاميذ". كانت شبه عامة في التراب الوطني، وبلغت ذروتها في مدن الشمال مثل تطوان، الحسيمة، الناظور، والقصر الكبير، دون أن ننسى مراكش.ساهمت في هذه الانتفاضة عدة عوامل، منها ارتفاع الأسعار، تراكم الديون الخارجية، والجفاف الذي أدى إلى نقص المواد الغذائية، إضافةً إلى فقدان الثقة بين الحكومة والشعب. كما لعبت بعض الأحزاب دورًا في القمع، فشُرِعت الاعتقالات، وانتشر الضرب والقتل في أجواء متوترة.

في خضم هذه الأحداث، قررنا مغادرة مدينة خريبكة أنا وثلاثة أصدقاء آخرين، متجهين نحو الدار البيضاء عبر قطار الفوسفاط.أتذكر جيدًا أننا قضينا تلك الليلة في حي المسيرة، نحتفل مع فرقة "عبيدات الرمى"، حيث جلب لنا أحدهم طبق الكسكس، فالتهمناه بشراهة. كنا نرقص مع أبناء الحي؛ بعضهم كان ثملًا، وآخرون محششون. ومع نهاية السهرة، اجتمعنا نحن الأربعة واتجهنا نحو المحطة.حين وصلنا أمام بائعي الدجاج، رأينا أمامنا سورًا يحتوي على بابين، أحدهما يؤدي إلى دور العمال السككيين، والآخر يفتح مباشرة على السكة والمحطة. دخلنا عبر الباب الأول ثم تسللنا إلى السور الداخلي، حيث كان القطار يمر. جلسنا قرب الحائط وبدأنا نشعر بالبرد القارس، فأشعلنا نارًا للتدفئة، وكلما انطفأت أشعلنا أخرى.بعد مرور بعض الوقت، جاء القطار وكان بعض العمال يفصلون العربات ويربطونها ببعضها. حين لاحظونا ونحن نشعل النار، أبلغوا الشرطة. ابتعد العمال عن المكان، وانطفأت النار. فقلت لأصدقائي: "هيا بنا نتمشى قليلًا، فقد بدأت أرجلنا تتجمد من البرد." تحركنا داخل السكك نحو السور الخارجي، قرب بائعي الدجاج، لكننا بقينا داخل الحائط. كانت الساعة الثالثة صباحًا. فجأة، سمعنا وقع خطوات على البلاط. طلبت من أصدقائي أن يحملوني لأراقب الوضع من فوق السور، وعندما رفعوني رأيت شرطيًّا ومعه عون سلطة (مخزني) يتجهان نحونا. صرخت: "اهربوا!"جرينا نحو الباب الأمامي، لكننا وجدنا شرطيين آخرين قادمين نحونا بسرعة. حاولنا تسلق السور الذي يفصل دور العمال السككيين عن دوار المحطة، لكننا رأينا اثنين آخرين يصعدان نحونا. بقي أمامنا باب واحد، لكنه كان مغلقًا بكومة من السكك الحديدية القديمة، متراكمة كجبل. صعدنا فوقها، نسقط وننهض حتى نجحنا في تجاوزها.الشرطة وأعوان السلطة كانوا أكثر من عشرة خلفنا، وستة آخرين قادمين من داخل المحطة. عندها، دخل قطار الفوسفاط القادم من وادي زم إلى المحطة. كان يسحب أكثر من 60 عربة ولن يتوقف في خريبكة. قلت لأصدقائي: "هذه مغامرة العمر… إما أن نسبق القطار، أو يبعثوننا إلى ما وراء الشمس!"كنا أشبه بالقرود، نقفز كل خطوة بمترين تقريبًا، حتى نجحنا في تجاوز القطار، تاركين الجميع على الجهة الأخرى، يفصل بيننا وبينهم قطار طويل جدًا. تابعنا الجري حتى مررنا قرب حارس ليلي كان يملك كلبة شرسة، لكن سبحان الله، لم تعترض طريقنا، وكانت السبيل الوحيد لنجاتنا. ظلَلنا نركض حتى وصلنا إلى حي المسيرة، حيث انتشرنا بين المنازل. بقيت مع أحد أصدقائي، الذي أصيب بسعال حاد لكثرة الجري، فانتظرت حتى استعاد وعيه. بعدها، سرنا بسرعة نحو حي السلام، حيث ذهب كل واحد منا إلى منزله.

أنا، دخلت إلى براكة بوجمعة، ونمت فيها فوق كومة من الرمل. عند الفجر، استيقظت لأجد دجاجة ميتة قرب رأسي، وسط أكوام من القمامة، فذهبت إلى المنزل، متأكدًا أن أبي خرج إلى المسجد. تسللت إلى الداخل، وخلدت إلى النوم حتى الساعة الخامسة مساءً.لقد نجَّانا الله من مصيبة حقيقية، فلو قبضوا علينا تلك الليلة، لتحملنا جميع التهم التي كانت تُلَفَّق آنذاك، إضافةً إلى المشاركة في الانتفاضة.

القاكم في القصة القادمة انشاء الله

والسلام عليكم و رحمة الله 

تعليقات

عدد التعليقات : 0