خدعة فيسبوك وانتقام زوجيّ: كيف حوّلت امرأة شاباً بريئاً قاتلاً في ليلة دامية؟
الفصل الأول: جذور الغضب... حياة زوجية تتحول إلى جحيم
في أحياء الإسكندرية الساحلية الهادئة، حيث يلتقي البحر بالأحلام المكسورة، عاشت زوجة في الثلاثينيات من عمرها – سنسميها "أميرة" هنا للدلالة على التناقض الساخر مع لقبها اللاحق – حياة تبدو مثالية من الخارج. كانت ربة منزل مخلصة، متزوجة من محمد م. س.، رجل في الخامسة والثلاثين، الذي بدأ حياتهما كعامل بسيط في محل بطاريات صغير. ساعدته "أميرة" في كل خطوة: تركت أحلامها الشخصية، ربت أطفالهما الصغار، ودعمت عمله حتى أصبح مقاولاً ناجحاً يمتلك محلات متعددة وثروة متراكمة. كانت شريكة حقيقية، تضحي بنفسها لترى عائلتها تزدهر.لكن النجاح أفسد التوازن. مع نمو ثروة محمد، بدأ يفكر في "الزواج الثاني"، كما يُسمى في بعض الثقافات، معتبراً أن زوجته الأولى "مسؤولة عن المنزل"، بينما يستحق هو "شيئاً جديداً" ليُكمل به شبابه. أخبرها برغبته في ليلة عادية، كأنها أمر روتيني، لكن الكلمات سقطت كالسم في قلبها. شعرت بالخيانة العميقة: "أنا التي بنيت هذه الثروة معك، أنا التي تركت حياتي لأجلك، وأنت تكافئني بهذا؟" صاحت في وجهه، لكنه رد ببرود: "هذا حقي، وأنتِ ستظلين في مكانك." لم تكن "أميرة" من النوع الذي يقبل الهزيمة بهدوء؛ كانت ذكية، مثابرة، لكن الغضب أشعل فيها ناراً تتغذى على اليأس. فكرت في الطلاق، لكنها رأت فيه ضعفاً: سيأخذ الثروة، وستبقى هي مع الأطفال في الفقر. هنا، ولدت فكرة الانتقام الشيطاني، كما وصفه اللواء الشرقاوي: "المرأة تلك لم تكن مجرمة بالفطرة، بل تحولها الظلم إلى وحش يخطط بدقة جراح."الفصل الثاني: نسج الشبكة الافتراضية... ميلاد "ملكة الجمال"في أوائل عام 2021م، مع انتشار جائحة كورونا التي حبست الناس في منازلهم، لجأت "أميرة" إلى عالم الإنترنت، ذلك الملاذ الذي يسمح بالتخفي والخداع. اشترت هاتفاً جديداً رخيصاً من سوق محلي، وأدخلت بطاقة SIM مسروقة أو جديدة تماماً، لتفصل هذا الجهاز عن حياتها اليومية. ثم، في جلسة ليلية سرية، أنشأت حساباً على فيسبوك باسم "سارة الجميلة" أو شيء مشابه يوحي بالأنوثة والغموض. الصور التي اختارتها لم تكن لها؛ سرقتها من صفحات عارضات أزياء على الإنترنت: فتاة في العشرينيات، شعر أسود طويل يتمايل كأمواج البحر، عيون واسعة كالنجوم، ابتسامة تخطف القلوب، وجسم متناسق يشبه ملكات الجمال في المسابقات العالمية. أطلقت على هذا الشخصية الافتراضية لقب "ملكة الجمال" داخلياً، رمزاً للجمال الزائف الذي سيكون سلاحها.بدأت "سارة" تنشر منشورات يومية: قصص عن الوحدة، أحلام الزواج، صور في شواطئ الإسكندرية مع تعليقات رومانسية: "أبحث عن قلب يحميني من برد الليالي." كانت تختار الشباب الذين يبدون بريئين، من خلفيات بسيطة، لتجنب الشبهات. وقع الاختيار على مصطفى، شاب في العشرين من عمره، كهربائي من الجيزة، يعمل في ورشة صغيرة ويعيش مع أهله في شقة متواضعة. كان مصطفى رومانسياً، يقرأ الشعر على الإنترنت، ويحلم بزوجة تجمعه بين الجمال والروح. بدأت الدردشة بتعليق بسيط على منشور لها، ثم تحولت إلى ساعات يومية: "أنتِ الوحيدة التي فهمت ألمي"، يقول هو؛ "أنا أحتاج إلى فارس ينقذني"، ترد هي. أرسل هدايا افتراضية، كتب قصائد، وعرض الزواج بعد أسابيع قليلة، مقتنعاً أنها "الحب الحقيقي". وافقت "سارة"، لكنها اختفت فجأة لأيام، لتعيد الاتصال بقصة درامية تجيب الدموع: "أنا آسفة، لكنني أعاني. قريبي اغتصبني بالقوة منذ سنوات، أخذ عذريتي، والآن يحاربني لأتركه. أريد الانتقام منه لأعيش معك بحرية." كان مصطفى، الذي لم يرَ وجهها أبداً، مصدوماً، لكنه وقع في الفخ: "سأحميكِ، مهما كلف الأمر."الفصل الثالث: رسم الخطة... التحريض والفخ المحكملم تكن "أميرة" عشوائية؛ كانت تحضّر كل تفصيل كأنها كاتبة رواية إجرامية. أعطت مصطفى عنوان الشقة في كامب شيزار بعزبة علي، وصفاً دقيقاً للزوج (محمد، 35 عاماً، نائماً مبكراً كل ليلة)، وحتى خطة الدخول: "سأذهب إلى بيت أبي تلك الليلة، وأترك المفتاح تحت الحصيرة. ادخل في الثانية صباحاً، وانهِ الأمر سريعاً بالسكين الذي سأشتريه لك." رتّبت مع قريب لها (ابن عم أو صديق عائلي) أن يفتح الباب إن لزم الأمر، لكن الخطة اعتمدت على السرية. اشترت السكين من سوق قريب، وسلّمته إياه في لقاء سري خارج المدينة – أول مرة يلتقيان فيها، لكنه لم يرَ وجهها الحقيقي، فقط ارتدت غطاءً ونظارات.سافر مصطفى من الجيزة بالقطار ليلاً، قلبه يخفق بين الغرامة والخوف. جلس في مقهى قريب من الشقة، يراقب الساعة، يفكر في "سارة" كملكة ينقذها من التنين. كان متوتراً، يدخن سيجارة تلو الأخرى، يتخيل حياة سعيدة معها بعيداً عن الجيزة. في تلك الليلة، 21 أكتوبر 2021م، كان الجو بارداً، والبحر يهمس بأسراره، بينما كان محمد نائماً مطمئناً بجانب سريره، غافلاً عن الخطر الذي يقترب.الفصل الرابع: ليلة الدماء... الجريمة البشعةفي الساعة الثانية بعد منتصف الليل، انزلق المفتاح تحت الحصيرة، ودخل مصطفى الشقة كالظل. كان المنزل هادئاً، ضوء خافت من غرفة النوم. اقترب من السرير، حيث كان محمد نائماً على جانبه، ورفع السكين بيد مرتجفة. الطعنة الأولى في الظهر أيقظت الضحية فجأة؛ صاح محمد: "من أنت؟!" واندفع للدفاع. تحولت الغرفة إلى ساحة معركة: تحاربا، جرى محمد نحو المطبخ يبحث عن سلاح، لكن مصطفى، مدفوعاً بالغضب والغرامة المزيفة، لحق به. هناك، في ضوء المصباح الخافت، قطع الرقبة بضربة حاسمة، ثم طعن 20 مرة في الصدر، البطن، الذراعين – جروح دفاعية تروي قصة الصراع اليائس. سال الدم كالنهر على الأرضية، وانهار محمد ميتاً، عيناه مفتوحتان في ذهول أبدي.غادر مصطفى الشقة مذعوراً، يركض في الشوارع المظلمة، يعود إلى المقهى ليستعيد أنفاسه. أما "أميرة"، فقد عادت في الصباح الباكر، كأنها كانت عند أبيها حقاً. رتّبت المشهد بعناية شيطانية: ربطت الجثة بحبال من الخزانة لتبدو كسرقة، ضربت نفسها ضربة قوية في الرأس بمطرقة صغيرة لتجريح الجلد وتسيل الدم، ثم اتصلت بالطوارئ بصوت مرتجف: "تعالوا سريعاً! لصوص دخلوا الشقة، قتلوا زوجي وهاجموني! أنا مصابة، الأطفال خائفون!" وصل الإسعاف والشرطة، نقلت إلى المستشفى للعلاج السطحي، بينما بكت الجيران معها، مقتنعين بأنها ضحية عائلية بريئة.الفصل الخامس: خيوط الشك... التحقيق الذي لا يناموصلت الشرطة من قسم عزبة علي سريعاً، بقيادة ضباط متمرسين، لكنهم واجهوا لغزاً. فحصوا المكان: لا شيء مسروق – لا نقود من الدرج، لا مجوهرات من الصندوق، لا هواتف. الجثة مليئة بجروح دفاعية، لكن الملابس سليمة، غير ممزقة كما في حالات السرقة العنيفة. رواية "أميرة" الأولى: "كان زوجي متورطاً في تهريب آثار، ربما أعداؤه القدماء." ثم غيّرتها في التحقيق الثاني: "لا، كان خلافاً على أرض زراعية مع جيران." يقول اللواء الشرقاوي: "هنا بدأ الشك؛ الكذبة الأولى هي الأقوى، بعدها تنهار كالبيت على الرمال. الرواية المتغيرة كانت توقيعها الإجرامي."في الإدارة العامة للمباحث الجنائية، أمر اللواء بفحص شامل. أولاً، الكاميرات الأمنية في الشوارع المجاورة: ظهر شاب غريب يتجول متوتراً قبل الجريمة بساعة، يدخل الشقة ويخرج مذعوراً. حدّدوا ملامحه بتقنية التعرف على الوجوه، ورسلوا الصورة إلى أمن الجيزة. الجيران أكدوا: "لم نرَ أحداً غريباً، لكن الزوجة كانت غريبة الأطوار في الأيام الأخيرة." ثم، فحص الاتصالات: تتبّعوا رقم الهاتف الجديد، فوجدوا الحساب المزيف، الدردشات الكاملة (رسائل الحب، التخطيط للقتل، حتى تعليمات السكين)، والمكالمات مع القريب. في يومين، قبضوا على مصطفى في ورشته بالجيزة. واجهوه بالأدلة، فاعترف: "فعلتُ ذلك لأنقذ حبيبتي سارة، قالت إنه اغتصبها! كنتُ أظنها ملكة جمال، لكن..." جمعوهما، فانهار: رأى "أميرة" الحقيقية – امرأة عادية، متعبة، متزوجة ولها أطفال – لا علاقة لها بالصور الساحرة. صاح: "خُدِعتُ، كنتُ أحارب شبحاً!"الفصل السادس: الاعتراف والمحاكمة... نهاية الوهماعترفت "أميرة" تحت الضغط: "نعم، أنا من خططتُ كل شيء. اشتريتُ الهاتف، صنعتُ الحساب، حرّضتُه لأنتقم من خيانته." كشفت عن القريب الذي ساعد، فاعتُقل أيضاً. النيابة العامة بالفرعية الثانية بكامب شيزار حوّلت القضية إلى جنايات، مع تشريح الجثة يؤكد الطعنات الـ20 كقتل متعمد. استمرت المحاكمة أشهراً، مليئة بشهادات الجيران، تحليل الدردشات، وفحص السكين (الذي وُجد فاتورة شرائه باسمها). حُكِمَ على "أميرة" بالإعدام أولاً لدورها في التحريض، وعلى مصطفى بالإعدام كقاتل مباشر، لكن الاستئناف خفّف إلى السجن المؤبد لها والـ15 عاماً له، مع تعويض لأسرة الضحية وغرامات.الفصل السابع: الدروس المُستفادة... عبرة للعالم الافتراضييختم اللواء الشرقاوي روايته بحكمة: "لا جريمة كاملة في هذا العالم؛ التقنية – الكاميرات، الهواتف، قواعد البيانات – تكشف الخيوط الخفية. 'ملكة الجمال المزيفة' حوّلت شاباً بريئاً إلى قاتل، ودمّرت عائلة بأكملها. الإنترنت سلاح ذو حدّين: يبني الجسور، لكنه يحفر قبوراً إن أُسيء استخدامه. من يعاني في زواجه، فليَلْجَأ إلى القانون أو الاستشارة، لا إلى الثأر الشخصي الذي يعود بالدمار." أصبحت القضية عبرة في الإعلام المصري، تُروى في البودكاست والبرامج لتحذير الشباب من "الحب الافتراضي"، وتذكير الزوجين بأن الغضب يُعمي، لكن العدالة تبصر دائماً.