مأساة براق المهنا: حين تُطفأ أنوار الطفولة بنيران القربى

قصة الفنان العراقي براق المهنا: من شهرة الطفولة إلى نهاية مأساوية بسبب خلاف عائلي

 براق ياسين المهنا هو فنان عراقي نشأ في بغداد، وتحديداً في منطقة الزعفرانية جنوبي العاصمة، وقد برز منذ طفولته حين ظهر في مقطع فيديو وهو يؤدي أغنية "يا حريمة" للمطرب حسين نعمة، بصوت مميز أبهر جمهوره الصغير في ذلك الوقت وحقق انتشاراً واسعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيث تابعوه على نطاق واسع، وبعد ذلك بدأ يشارك في مسابقات اكتشاف المواهب في العراق وظهر في برنامج "مواهب العراق" وعدة برامج تلفزيونية أخرى مما أكسبه شهرة تدريجية بين الجمهور واعتُبر نجم الطفولة الذي يعاني من الغياب بعد تراجع الشهرة في شبابه، لكن صوته الجميل وعاطفته في الغناء بقيت محفورة في ذاكرة الجمهور واعتبره الكثيرون مشروع فنان عظيم (وُصف كانه نجم الطفولة المنسي)—وفوجئ الجميع صيف عام 2024 بخبر مقتله الذي صدم العراقيين والعرب، ففي أوائل ظهيرة 22 أغسطس 2024 كان براق في طريقه لرؤية أطفاله في الزعفرانية، وبينما كان يتوجه إلى منزل زوجته حدث خلاف حاد مع أشقاء زوجته، وفق ما نقلته عدة مصادر أمنية عراقية أبرزها السومرية نيوز، السومرية نيوز قالت إن خلافاً عائلياً نشب بينهم وبلغ حد الاعتداء الجسدي عليه حيث قاموا بضربه وضربوا عليه أسنانه وكسر جوفها، ثم استدعوه تحت ذريعة الجلوس لحل الخلاف، لكنه فوجئ بعد مغادرته بأن شقيق زوجته نصب له كميناً عبر شخص مسلح يستقل دراجة نارية، وفتح النار عليه من سلاح رشاش من نوع كلاشنكوف مطلقاً عدة طلقات على سيارته، فأرداه قتيلاً فوراً داخل مركبته (وذلك بحسب التحقيقات الأمنية) 
أقرباؤه المصدومون سردوا فيما بعد أن براق خرج من المنزل بعد المشاجرة وهو يحاول الابتعاد، لكن أشقاء زوجته ضربوه بوحشية وكسروا أسنانه، ثم عند خروجه من الحي كان القاتل قد أعده كميناً، فأطلق النار حين مرّت سيارته بجانبه، وقد أصابته رصاصة في القلب ومات في الحال تاركاً وراءه حزناً عميقاً في قلوب أهله وجمهوره 
السلطات الأمنية العراقية تحركت سريعاً ونقلت الجثة إلى دائرة الطب العدلي لإجراء الفحوصات اللازمة وتحديد هوية الضحية رسمياً، وبعد التحريات تم القبض على القاتل وهو شقيق زوجته أثناء مداهمة في حي الجهاد غربي بغداد، وتم ضبط مواد مخدرة بحوزته مثل مادة الكريستال وميزان إلكتروني وقاصبت لتعاطي المخدرات، كما تم اعتقال والد القاتل وزوجته الفنانة ويُعتقد بأنهم هما من حرضوا عليه واتصلا به ودعوه للحضور إلى المنزل بينما كانت هناك نية سابقة لتصفيته، وتمت إحالتهما للتحقيق لدى الأجهزة الأمنية 
الخبر انتشر كالنار في الهشيم، وتصدر اسم براق المهنا منصات التواصل الاجتماعي في العراق والعالم العربي بأكمله، وغرّد الناس عبر منصة إكس ومنصات أخرى معبرين عن صدمتهم وحزنهم، فقد كتب أحدهم "رحم الله الفنان براق المهنا، الذي كافح من أجل تحقيق حلمه بالفن ولكن كان أجله أسرع بطلقات من شقيق زوجته" وهو ما أعاد الفيديو القديم لبراق وهو بالغ صغير يغني "يا حريمة" وعلق الكثيرون مع وصفه بأنه مشروع فنان كبير رحل قبل أن يبدأ حقاً في تحقيق حلمه، وعبرت تعليق أخرى قائلة "التهاون بأرواح الناس صار شيء عادي.. ألف رحمة على قبرك براق المهنا" بينما كتب آخرون "يقتلون كل حلم جميل ويغتصبون الطفولة ويحكمهم المترفون الفاسقون" في إشارة إلى وفاة براق في وقت بدا فيه العراق يغرق في فوضى مجتمعية سياسية وأمنية، وتكرر هذا النوع من النعي العاطفي "حبيب الطفولة" و"مشروع فنان عظيم لكن فوضى المجتمع أخذته منا وهو في بداية تحقيق أحلامه" 
بالنسبة لمسيرة براق المهنا فإنه لم يُصدر ألبومات رسمية أو أغاني مدفوعة الإنتاج كمحترفين كبار، لكنه كان يعتمد على نجاح المقاطع المصوّرة والظهور على التلفاز لجذب الجمهور، وقد خاض مراحل عدة في مسابقات موهوبين وفي مشاهد غنائية على الهواء مباشرة، وكانت طريقته في الغناء مرهفة ومؤثرة رغم صغر سنه، أما عن حياته الشخصية فكان متزوجاً ولديه أطفال، ويقطن في الزعفرانية جنوبي بغداد، ويتحرك بين أهله وزوجته بقدر ما تسمح به الظروف المعيشية في العاصمة، وكان يحب الفن ويطمح إلى تكوين مسيرة موسيقية محترفة يوماً ما، لكن تلك الأحلام تقاطعت مع واقع أليم انعكس بإرهاب داخلي من أقرب الناس إليه. أما التحقيقات فقد أكدت أن القاتل نفذ العملية بعد تحريض من والد القاتل وزوجة الضحية، إذ تواصلا مع القاتل ودعوه للقدوم إلى المنزل أثناء وجود مشاجرة، وهو ما يدل على تخطيط متعمد وليس حادثاً عشوائياً، وهذا ما جعل السلطات توقفهم وتباشر التحقيق معهم، وعثروا خلال المداهمة على مسرح الجريمة وفي مكان اختبائه على أدوات تعاطٍ تجعل الجريمة أكثر تعقيداً وارتباطاً بمحيط اجتماعي مشحون بالمشاكل الشخصية والخلافات العائلية 
وقد أثارت وفاة براق المهنا طفولية ببراءة بدا أنه يحملها دائماً معه، مشاعر الغضب والأسى على مواقع التواصل، ما دفع متابعين إلى مطالبة الدولة العراقية بعدالة، والتذكير مرة تلو أخرى بأن حياة الناس لا تستحق أن تُختم بالرصاص بسبب خلافات عائلية، وكتب أحدهم "يكسر القلب، قتلوه وكسروا أسنانه وطلع لشارع يركض، تلقاه أخوه وشبع طلقات"، متسائلين هل سيخرج هؤلاء بالعفو؟! وهو تعليق أظهرت فيه الحيرة والغضب من تهاون بعض الجهات أو احتمالية العفو القانوني، ثم كرر آخرون "حبيب الطفولة" بقلوب مثقلة، وهكذا انتهت حياة صوت جميل بمأساة العائلة المتوترة، قضى وهو في الطريق لرؤية أطفاله، وجسد حالة فقدان فني مبكر لمواهب عربية كانت تنتظر أن تكتب قصة جديدة لكنها خُتمت بصفحة دامية لا تُنسى 
في المجمل فإن قصة الفنان العراقي براق المهنا هي قصة طفولة صاغتها موهبة بسيطة وانتشار على السوشال ميديا ثم تصعيد إعلامي ضمن مسابقات المواهب، لتصل إلى الجمهور الأكبر، قبل أن تسلبه خلافات عائلية وأحقاد داخلية الحياة برصاصة جاءت من أقرب الناس إليه، ولا يزال اسمه رمزاً للألم الذي يسببه التوتر الأسري في مجتمعات يُفترض أن تكون عائلية، وبذكراه ترك براق فراغاً صوتياً لم يُستكمل مشروعه الفني وسيرة حب شديد بدأت بأغنية واحدة شهيرة ودُفن قبل أن تتحول إلى سجل فني كامل.

تعليقات