بيري بويغ بونتي: من عامل بناء إلى قاتلا
القصة الكاملة:
مأساة أولوتفي صباح بارد من 15 ديسمبر 2010، استيقظت مدينة أولوت الهادئة في إقليم كتالونيا، إسبانيا، على أصوات طلقات نارية غيرت مجرى حياة سكانها إلى الأبد. المدينة الصغيرة، المعروفة بمناظرها الطبيعية الخلابة وهدوئها، تحولت إلى مسرح لجريمة مروعة نفذها بيري بويغ بونتي، عامل بناء يبلغ من العمر 57 عامًا، كان يعاني من ضغوط مالية وشخصية دفعت به إلى ارتكاب واحدة من أبشع المجازر في تاريخ المنطقة.بداية اليوم المشؤومخرج بيري بويغ من منزله في بلدة سان إستيبي دي إن باس القريبة من أولوت، وهو يحمل بندقية صيد نصف أوتوماتيكية من طراز Verney-Carron اشتراها مؤخرًا بألف يورو. بدا هادئًا ظاهريًا، لكن في داخله كانت مشاعر الغضب والإحباط تتأجج. كان بيري، وهو ألباينيل (عامل بناء) عمل لأكثر من 20 عامًا مع شركة كونستروكسيونس توبيرت، قد تلقى إشعارًا بأنه سيُفصل من عمله بعد عيد الميلاد بسبب الصعوبات المالية التي تمر بها الشركة. كما كان يعاني من ديون شخصية، بما في ذلك مشكلة مالية مع بنك "كايشا دي أوروس ديل ميديتيرانيو" (CAM) تتعلق بدين بقيمة 4500 يورو على بطاقة ائتمان، وهو ما اعتبره ظلمًا.
الجريمة الأولى:
مقتل رؤسائهقاد بيري سيارته، وهي جيب سوزوكي أزرق، إلى بار لا كوينا دي لانا في بلدة لا كانيا القريبة، حيث كان رئيساه في العمل، جوان توبيرت (61 عامًا) وابنه أنجيل توبيرت (35 عامًا)، يتناولان الإفطار. كان بيري معروفًا بين الزبائن كصياد هاوٍ، لذا لم يثر ظهوره ببندقية الصيد أي شكوك في البداية. لكن ما إن اقترب من جوان حتى صوّب بندقيته نحوه وأطلق النار على صدره مباشرة. ثم استدار بسرعة إلى أنجيل، الذي صرخ قائلًا: "ماذا يفعل هذا المجنون؟"، قبل أن يُصاب برصاصة قاتلة. اختبأ الزبائن تحت الطاولات وسط حالة من الذعر، بينما غادر بيري المكان بهدوء.
الجريمة الثانية:
البنكلم يكتفِ بيري بقتل رئيسيه. استقل سيارته وتوقف على بعد كيلومترين في وسط أولوت أمام فرع بنك CAM. ترك السيارة في منتصف الشارع مع تشغيل أضواء الطوارئ، ودخل البنك حاملًا بندقيته. هناك، أطلق النار على نائب المدير رافاييل تورو (46 عامًا) والصرافة آنا بوجول (52 عامًا)، فأرداهما قتيلين على الفور. لم يُبدِ أي تردد، وخرج من البنك بنفس الهدوء الذي دخل به.
الاعتقال والاعتراف
لم يدم هروب بيري طويلًا. فقد لاحظت دورية من الشرطة المحلية سيارته المركونة بشكل غير قانوني أمام البنك، وعندما اقتربوا، خرج بيري حاملًا بندقيته موجهة إلى الأرض. لم يُقاوم، بل قال للشرطة بهدوء: "لقد قتلت أربعة أشخاص". كما أشار لاحقًا أثناء التحقيق إلى أنه كان ينوي قتل شخص خامس، لكن توقيفه حال دون ذلك. كان بيري، الملقب بـ"الشريف" بسبب عادته الغريبة في ارتداء نجمة شريف مزيفة ومسدسات بلاستيكية أثناء تجواله ليلًا في الجبال، شخصية معروفة في بلدته لكنه لم يُظهر سابقًا أي علامات عنف.
المحاكمة والعواقب
خلال المحاكمة في محكمة جيرونا عام 2011، أُدين بيري بويغ بارتكاب أربع جرائم قتل. أكدت تقارير الطب النفسي أنه كان في كامل قواه العقلية أثناء الجريمة، وأن دوافعه كانت مزيجًا من الغضب بسبب خسارة وظيفته والضغوط المالية. حُكم عليه بالسجن 60 عامًا (15 عامًا لكل جريمة قتل)، لكن القانون الإسباني يحدد الحد الأقصى للسجن بـ25 عامًا. لم يقضِ بيري سوى ست سنوات في السجن، حيث توفي في يونيو 2017 في مستشفى سجن تيراسا بسبب إصابته بالسرطان. قبل وفاته، كتب رسالة اعتذار إلى عائلات الضحايا، معبرًا عن ندمه على "حماقته".
تأثير الجريمة
هزت هذه الجريمة أولوت وكتالونيا، حيث كان بيري شخصية محبوبة نسبيًا بين زملائه، ووصفته ابنة إحدى الضحايا، ميريتكسيل، بأنه "أفضل العمال" لدى والدها وشقيقها. أثارت القضية نقاشات حول تأثير الأزمات الاقتصادية والصحة النفسية، حيث ربط البعض بين أفعال بيري والضغوط الناتجة عن البطالة وسوء الأوضاع المالية. كما سلطت الضوء على سهولة حيازة الأسلحة في إسبانيا، حيث كان بيري يمتلك ترخيصًا قانونيًا لبندقيته منذ عام 1993.