الحلقة (14): اليد الخفية
السماء فوق "كليفلاند" كانت تمطر ثلجاً خفيفاً في ليلةٍ رمادية من ليالي فبراير، والرياح تعصف من بين البنايات الشاهقة كأنها تبحث عن شيء... أو شخص. في أحد الأزقة المنسية، خلف مستودع مهجور، ووسط المدينة التي تُخفي في زواياها أكثر مما تُظهر، كان الطبيب احمد يعمل متخفيًا تحت اسم جديد: علي .
اشتغل احمد ليلاً في عيادة خيرية تموّلها كنيسة محلية، تقدم العلاج المجاني للمهاجرين غير الشرعيين. كثيرون لا يسألون عن أوراق الطبيب إذا كان يملك ضميرًا وإبرة نظيفة. وكان احمد يجيد الاثنتين.
في مساء تلك الليلة، دخل إلى العيادة رجل في الستينات من عمره، ذو عينين حادتين كأنهما تنظران إلى ماضٍ ملطخ. كان جرحه في يده اليسرى، عميقًا، كأنه ناتج عن سلاح حاد. لكن ما أثار انتباه احمد لم يكن الجرح، بل الوشم: نجمة سوداء يتوسطها رقم 924، محفور بحبر باهت كذكرى لا تموت.
بينما كان يعالج الجرح، دخلت امرأة أخرى، ترتدي معطفاً طويلاً بلون الفحم ونظارة سوداء عكست ضوء المصباح العلوي. جلست بصمت في الزاوية، وعيناها لا تفارقان الطبيب.
انتهى احمد من خياطة الجرح، ثم سأل بخفوت:
– "ما قصة هذا الوشم؟"
الرجل سحب يده بسرعة، وقال بصوت غاضب:
– "لا شأن لك بذلك يا دكتور!"
واندفع خارج العيادة بخطى سريعة، فيما تبعته المرأة دون أن تنطق بكلمة.
لكن احمد لم يكن من النوع الذي يتجاهل علامات كهذه، خاصة حين تتكرر أمامه. في تلك الليلة، بقي مستيقظًا، قلبه مشدود كالوتر. كان رقم 924 مألوفًا. بحث في أرشيف الجرائم على الإنترنت، وحفر في ذاكرته حتى وجد ما يشبه المفتاح: الرقم كان ضمن ملف قديم مرتبط بشبكة غامضة تعمل في الخفاء، قيل إنها تورطت في تهريب أدوية تجريبية محظورة، وإخفاء شهود، وعمليات تصفية على مستوى عالٍ.
في اليوم التالي، قرر مراقبة محيط العيادة، فتتبع الرجل الغامض حتى أحد الأحياء الصناعية. وهناك، رأى مشهداً لن ينساه: الرجل يدخل إلى مستودع، وتليه في الداخل سيارة سوداء بداخلها رجال بملابس رسمية دون شعارات… نفس الوجوه التي ظهرت له سابقًا في أكثر من مكان، والتي أصبحت تربطه بقضية مقتل زوجته.
قبل أن يرحل من الموقع، ظهر ظل المرأة أمامه مجددًا. اقتربت منه هذه المرة وقالت بصوت منخفض لا يخلو من التحذير:
– "توقف يا دكتور احمد هذا الباب... إن دخلته، لن تخرج منه. ما تبحث عنه مدفون في أماكن أخطر مما تتخيل."
ردّ بثقة:
– "رأيتُ القاتل. ولم يصدّقني أحد. الآن أنا أبحث عنهم كلهم."
نظرت إليه مطولًا، ثم قالت:
– "اليد الخفية التي قتلت زوجتك... لم تكن تبحث عن انتقام. كانت تُسكت صوتًا شاهداً على شيء أكبر بكثير."
وابتعدت كأنها لم تكن.
في تلك الليلة، لم ينم احمد. جلس في غرفته يحدّق إلى الخريطة المعلقة على الجدار، حيث رسم خط سيره منذ هروبه. أدرك أنه اقترب من قلب شبكة معقدة، وأن الأعداء الحقيقيين ما زالوا أحرارًا... مثله تمامًا، لكنهم يحملون السلطة، والسلاح، والقدرة على طمس الأدلة.
ومع ذلك، لم يكن ينوي التراجع.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله …
والسلام عليكم و رحمة الله.
اشتغل احمد ليلاً في عيادة خيرية تموّلها كنيسة محلية، تقدم العلاج المجاني للمهاجرين غير الشرعيين. كثيرون لا يسألون عن أوراق الطبيب إذا كان يملك ضميرًا وإبرة نظيفة. وكان احمد يجيد الاثنتين.
في مساء تلك الليلة، دخل إلى العيادة رجل في الستينات من عمره، ذو عينين حادتين كأنهما تنظران إلى ماضٍ ملطخ. كان جرحه في يده اليسرى، عميقًا، كأنه ناتج عن سلاح حاد. لكن ما أثار انتباه احمد لم يكن الجرح، بل الوشم: نجمة سوداء يتوسطها رقم 924، محفور بحبر باهت كذكرى لا تموت.
بينما كان يعالج الجرح، دخلت امرأة أخرى، ترتدي معطفاً طويلاً بلون الفحم ونظارة سوداء عكست ضوء المصباح العلوي. جلست بصمت في الزاوية، وعيناها لا تفارقان الطبيب.
انتهى احمد من خياطة الجرح، ثم سأل بخفوت:
– "ما قصة هذا الوشم؟"
الرجل سحب يده بسرعة، وقال بصوت غاضب:
– "لا شأن لك بذلك يا دكتور!"
واندفع خارج العيادة بخطى سريعة، فيما تبعته المرأة دون أن تنطق بكلمة.
لكن احمد لم يكن من النوع الذي يتجاهل علامات كهذه، خاصة حين تتكرر أمامه. في تلك الليلة، بقي مستيقظًا، قلبه مشدود كالوتر. كان رقم 924 مألوفًا. بحث في أرشيف الجرائم على الإنترنت، وحفر في ذاكرته حتى وجد ما يشبه المفتاح: الرقم كان ضمن ملف قديم مرتبط بشبكة غامضة تعمل في الخفاء، قيل إنها تورطت في تهريب أدوية تجريبية محظورة، وإخفاء شهود، وعمليات تصفية على مستوى عالٍ.
في اليوم التالي، قرر مراقبة محيط العيادة، فتتبع الرجل الغامض حتى أحد الأحياء الصناعية. وهناك، رأى مشهداً لن ينساه: الرجل يدخل إلى مستودع، وتليه في الداخل سيارة سوداء بداخلها رجال بملابس رسمية دون شعارات… نفس الوجوه التي ظهرت له سابقًا في أكثر من مكان، والتي أصبحت تربطه بقضية مقتل زوجته.
قبل أن يرحل من الموقع، ظهر ظل المرأة أمامه مجددًا. اقتربت منه هذه المرة وقالت بصوت منخفض لا يخلو من التحذير:
– "توقف يا دكتور احمد هذا الباب... إن دخلته، لن تخرج منه. ما تبحث عنه مدفون في أماكن أخطر مما تتخيل."
ردّ بثقة:
– "رأيتُ القاتل. ولم يصدّقني أحد. الآن أنا أبحث عنهم كلهم."
نظرت إليه مطولًا، ثم قالت:
– "اليد الخفية التي قتلت زوجتك... لم تكن تبحث عن انتقام. كانت تُسكت صوتًا شاهداً على شيء أكبر بكثير."
وابتعدت كأنها لم تكن.
في تلك الليلة، لم ينم احمد. جلس في غرفته يحدّق إلى الخريطة المعلقة على الجدار، حيث رسم خط سيره منذ هروبه. أدرك أنه اقترب من قلب شبكة معقدة، وأن الأعداء الحقيقيين ما زالوا أحرارًا... مثله تمامًا، لكنهم يحملون السلطة، والسلاح، والقدرة على طمس الأدلة.
ومع ذلك، لم يكن ينوي التراجع.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله …
والسلام عليكم و رحمة الله.