"قتلتهم ودفنتهم في الإسمنت... عصابة عائلية بقيادة امرأة"
في عام 2024، سُجلت واحدة من أبشع الجرائم التي عرفها المجتمع الجزائري، خاصة في ولاية معسكر غرب البلاد. بطل(ة) هذه المأساة لم يكن مجرمًا تقليديًا، بل امرأة تدعى خيرة عمار، كانت تمتهن البناء، وتعيش بين الناس كأنها فردٌ عادي من المجتمع، تخفي وراء هدوئها أسرارًا تقشعرّ لها الأبدان.
البداية المشؤومة
خيرة عمار، في الأربعينيات من عمرها، كانت معروفة في محيطها بأنها امرأة عاملة في مجال البناء، وهو عمل غير مألوف للنساء، لكنها أثبتت جدارتها في الميدان، واكتسبت ثقة أصحاب المشاريع. لم يكن أحد يعلم أن هذه المرأة تُخطط في الظل لجرائم بشعة بالتعاون مع شقيقها وشخص آخر يُرجح أنه زوجها أو شريكها العاطفي.
في قرية الخروبة القريبة من مدينة المحمدية، بدأت سلسلة الجرائم. كان الشباب يختفون تباعًا، وخاصة أولئك المعروفين بالثراء أو الذين يمتلكون سيارات فاخرة. في البداية، اعتُقد أن بعضهم ربما هاجر بطريقة غير شرعية أو تعرضوا لحوادث. لكن الحقيقة كانت أفظع بكثير.
الاختطاف والقتل
بحسب اعترافات خيرة خلال التحقيق، تم اختطاف أربعة شباب، واقتيادهم إلى أماكن مختلفة حيث جرت عمليات القتل. كان القتل يتم بعد استدراج الضحايا إلى مواقع بناء أو مساكن تحت التشييد. وهناك، تُخدّر الضحية أو تُضرب حتى تفقد وعيها، ثم تُقتل بطريقة مباشرة.
الجريمة لم تتوقف عند القتل فقط، بل تم تقطيع الجثث إلى أجزاء. وفي حالة شاب واحد على الأقل، تم دفنه حيًّا داخل أساسات خرسانية لمبنى في طور الإنجاز.
التستر الأسري
المُروع في القصة، أن خيرة لم تكن وحدها:
شقيقها ساعدها في دفن إحدى الجثث داخل المنزل العائلي.
والدتها كانت على علم بالجريمة، لكنها فضّلت الصمت ولم تُبلّغ.
أحد أفراد العصابة (الذي يقال إنه شريكها العاطفي) توفي لاحقًا في حادث مرور غامض، مما سرّع فتح التحقيق.
كل فرد من العائلة كان يعرف جزءًا من الحقيقة، وبعضهم شارك فيها، لكن أحدًا لم يتحرك لوقف هذه السلسلة من الجرائم.
اكتشاف الكارثة
تم تفجير القضية عندما تقدّمت عائلات الضحايا بعدة بلاغات حول اختفاء أبنائهم. بعد جمع الأدلة وتتبع آخر الاتصالات، بدأ الاشتباه في خيرة ومحيطها.
في واحدة من المداهمات، تم العثور على بقايا بشرية داخل الخرسانة في منزل خيرة. كما تم انتشال رفات أخرى من وادٍ قرب قرية الخروبة، حيث كان الكلب الخاص بإحدى الضحايا يُحوم باستمرار في المكان الذي دُفنت فيه الجثة، وكأنه يدلّ على قبر صاحبه.
المحاكمة
تم تقديم خيرة وعدد من المتورطين للعدالة، ووجهت إليهم التهم التالية:
القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد
تشويه جثث
إخفاء جثث في أماكن غير مشروعة
تكوين جمعية أشرار
التستر على جرائم قتل
السرقة والاحتيال المترافق مع القتل
وطالبت النيابة العامة بتنفيذ أقصى العقوبات، على رأسها الإعدام لخيرة وشقيقها.
حتى كتابة آخر تقارير القضية، كانت خيرة في السجن في انتظار استئناف الحكم أو تثبيته، بينما لا يزال ثلاثة من المتورطين في حالة فرار.
المجتمع يترنح من الصدمة
الرأي العام الجزائري صُدم من فظاعة التفاصيل. كيف يمكن لامرأة "عادية"، أم وزوجة، أن تتحول إلى قاتلة بلا رحمة؟ كثيرون اعتبروا القضية دليلًا على خطورة ما يمكن أن تسببه البيئة الاجتماعية المتدهورة، والأزمات النفسية، وتفشي الطمع المادي.
تداول الناس القصة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان "سفاحة الخرسانة"، وانهالت التعليقات والمطالبات بتفعيل عقوبة الإعدام ضد من يرتكب جرائم بهذا الحجم.
النهاية المفتوحة
قصة خيرة عمار ليست مجرد جريمة قتل، بل هي مرآة لعوامل اجتماعية ونفسية مركبة، ومؤشر على مدى ما يمكن أن يفعله الطمع، حين يتحول الإنسان إلى وحش.
العدالة تحركت، لكن الندبة الاجتماعية ستبقى لوقت طويل. وقد أصبحت القصة مرجعًا في علم الجريمة بالجزائر، تُدرّس كمثال على القتل المركب المتخفي داخل الحياة اليومية.