سفاح نهر غرين: القاتل الذي خنق العشرات ورمى جثثهم قرب الماء

 غاري ريدجواي… سفاح نهر غرين الذي أرعب أمريكا بـ49 جريمة قتل في الظلال

السلام عليكم.
كانت بداية الثمانينات في مدينة كينت، ولاية واشنطن، فترة مضطربة. الشوارع الخلفية لمدينة سياتل كانت تمتلئ بفتيات الليل، الهاربات، والمهمشات. كثيرات منهن لم يعدن بعد نزولهن ليلًا... ولم يكن أحد يعرف لماذا. لكن النهر كان يعرف.
نهر غرين، ذاك المجرى المائي الهادئ الذي ينساب في الريف، أصبح مقبرة غير معلنة.
في 15 يوليو 1982، عُثر على جثة فتاة مراهقة تطفو في مياهه. بعد أيام، جثة أخرى. ثم ثالثة.
في خلال شهور، تراكمت الجثث: مخنوقات، عاريات، مكدسات أحيانًا، ومشوّهات. معظمهن فتيات صغيرات، بين 15 و25 عامًا، بعضهن فتيات ليل، وبعضهن مجرد فتيات هاربات.
الشرطة أطلقت عليه اسمًا أوليًا: "القاتل المتسلسل لغرين ريفر".
وما لبث الاسم أن التصق به إلى الأبد: The Green River Killer.
لم يكن هناك شهود. لم تكن هناك كاميرات. ولم يكن هناك أي نمط يمكن تتبعه بسهولة سوى شيء واحد:
الضحايا كن يُخنقن عادةً بملابسهن الداخلية أو قطع قماش، وتُرمى جثثهن قرب النهر أو في مناطق غابية معزولة.
بدأت الشرطة تحقيقًا موسعًا، لكن القاتل كان دائمًا يسبقهم بخطوة.
وفي عام 1983، دخل اسم إلى التحقيقات لأول مرة:
غاري لي ريدجواي.
سائق شاحنة صغيرة، يعمل في شركة للدهانات، يعيش حياة هادئة في الضواحي، متزوج، ويُعرف عنه حضور الكنيسة بانتظام.
لكن كان لديه ماضٍ مثير للشك: اعتُقل سابقًا في قضايا تخص الدعارة، وكانت له ميول جنسية غريبة، وكان يتردد على مناطق تواجد العاهرات.
الشرطة استجوبته، وأخذت عينة من حمضه النووي. لكن في ذلك الوقت، في الثمانينات، تقنية الحمض النووي لم تكن متطورة كفاية لربطه بالجرائم.
فأُطلق سراحه...
وعاد القاتل ليكمل ما بدأه.
لسنوات، استمرت الجرائم.
كانت الجثث تظهر في الغابات، تحت الجسور، في الحقول، أحيانًا بعد شهور أو سنوات من القتل.
وكل مرة، كان القاتل يقتل بنفس الأسلوب: الخنق بعد المواقعة، ثم التخلص من الجثة في مكان بعيد ومعزول.
أحيانًا كان يعود لمواقع الجثث ويمارس الفعل الجنسي معها بعد موتها.
كان مريضًا بالمعنى الحرفي.
وبحلول أوائل التسعينات، تجاوز عدد الجثث المؤكدة 40 ضحية، مما جعله أكثر قاتل متسلسل فتكًا في تاريخ الولايات المتحدة حينها.
ثم، جاء عام 2001.
تقنية الحمض النووي تطورت.
وأعادت الشرطة فحص الأدلة القديمة، بما فيها عينات مأخوذة من الضحايا منذ سنوات.
وطابق الحمض النووي المُجمّع من ثلاث ضحايا… مع غاري ريدجواي.
في نوفمبر 2001، تم اعتقاله.
في البداية، أنكر. لكن تحت ضغط الأدلة، بدأ يعترف، لا بل يفيض في الاعترافات.
اعترف بقتل 71 امرأة، رغم أن الشرطة لم تتمكن من تأكيد سوى حوالي 49 جثة.
كان يتحدث عن جرائمه بلا عاطفة، وكأنها مهام يومية.
قال:
"اخترت فتيات الليل لأن لا أحد يهتم إن اختفوا... وكنّ أسهل فريسة. كنت أقتلهم بسرعة لأني لم أكن أريد أن يتوسلن."
في واحدة من أقسى اللحظات، اصطحب الشرطة إلى مواقع دفن نساءٍ لم تُكتشف جثثهن من قبل.
كان يتذكر أين خبأهن… حتى بعد 20 عامًا.
ولأنه قاد الشرطة إلى الضحايا، وافقت السلطات على صفقة تقضي بإعفائه من حكم الإعدام مقابل أن يعترف بكل جرائمه ويوصلهم إلى كل رفات الضحايا.
ففي عام 2003، حُكم عليه بالسجن المؤبد 49 مرة، دون إمكانية للإفراج المشروط.
اليوم، غاري ريدجواي ما يزال حيًا، مسجونًا في زنزانة انفرادية في ولاية واشنطن. رجل بملامح باهتة، لا يصرخ، لا يظهر ندمًا. فقط يذبل في صمت، بعد أن حوّل أنهار الضواحي إلى مقابر جماعية.
لكن نهر غرين ما زال هناك، يمر على الحقول التي شهدت فظاعاته، وكأن صوته يحمل صدى أرواح ضحاياه.

تعليقات