قصة جحا والكنز المخفي

المعطي الخريبكي
المؤلف المعطي الخريبكي
تاريخ النشر
آخر تحديث

قصة جحا والكنز المخفي


في قديم الزمان، في إحدى القرى المغربية الساحرة بجبال الأطلس، عاش رجل يدعى جحا. لم يكن جحا كأي رجل آخر في القرية؛ فقد كان معروفاً بذكائه الحاد الذي يخالطه شيء من السذاجة الظاهرية، وبلسانه اللاذع الذي يلفظ الحكم في قالب من الفكاهة. كان الناس يحتارون فيه، فمنهم من يراه أحمقاً، ومنهم من يراه أذكى أهل زمانه.

ذات يوم، انتشر خبر في القرية عن كنز عظيم مدفون في مكان مجهول، وقد توارثت الأجيال قصة هذا الكنز دون أن يتمكن أحد من العثور عليه. كانت الأسطورة تقول إن الكنز يعود لملك قديم خبأه قبل سقوط مملكته، وإن مفتاح العثور عليه يكمن في لغز صعب للغاية، وقد أجمع حكماء القرية على أن الكنز موجود في مكان ما بين ثلاث شجرات زيتون معمرة، لكن الأراضي الفلاحية في المنطقة كانت مليئة بآلاف أشجار الزيتون.

أثار الخبر فضول أهل القرية، وبدأ الجميع يبحثون ويحفرون حول أشجار الزيتون دون جدوى. ولكن جحا، الذي كان يراقبهم بصمت، لم ينخرط في هذا الجنون الجماعي على الفور. بل ذهب وجلس في مقهاه المعتاد، يشرب الشاي ويتأمل.

بعد أيام، بينما كان أهل القرية قد أصابهم اليأس والإرهاق من الحفر بلا نتيجة، قام جحا بحركة غريبة. ذهب إلى شيخ القرية، وهو رجل وقور يحظى باحترام الجميع، وقال له بجدية لم يعتادها منه الناس: "يا سيدي الشيخ، لقد توصلت إلى حل لغز الكنز، ولكني أحتاج إلى مساعدة أهل القرية لنجاح خطتي."

استغرب الشيخ، فقد كان يرى جحا مشغولاً بأموره الخاصة ولم يشارك في البحث. سأله: "وما هي خطتك يا جحا؟"

أجاب جحا: "يا سيدي الشيخ، الكنز مدفون في أرض زراعية كبيرة، وعلينا أن نحرث هذه الأرض بأكملها ونقلب تربتها حتى يظهر الكنز. والأفضل أن نحرثها بعمق، فربما كان الكنز مدفوناً عميقاً جداً."

ضحك الشيخ في سره، معتقداً أن جحا يريد استغلال أهل القرية لحرث أرضه (فقد كان يمتلك قطعة أرض كبيرة وغير مزروعة بالقرب من المنطقة المذكورة في اللغز). ومع ذلك، وبسبب يأس الناس من البحث العشوائي، وبما أن جحا لم يطلب منهم الحفر في مكان معين، بل حرث الأرض بشكل عام، وافق الشيخ على الفكرة، وأعلن لأهل القرية أن جحا لديه خطة للعثور على الكنز وأن عليهم التعاون معه في حرث الأرض.

فرح الفلاحون المتعاونون، فكانوا سيتعاونون في حرث أرض شاسعة، وكانت مجانيّة تماماً، بينما كانت تكاليف حرث هذه الأرض باهظة.

بدأ أهل القرية، بمساعدة جحا، في حرث الأرض الشاسعة التي أشار إليها جحا. عملوا بجد ونشاط، يقلبون التربة شبراً شبراً، وهم يتخيلون العثور على الكنز. كانوا يتوقعون أن يجدوا صندوقاً مليئاً بالذهب والفضة في أي لحظة. مرت الأيام، والجحا يراقبهم، يشجعهم، ويقدم لهم الشاي والخبز أحياناً.

بعد أسابيع من العمل الشاق، كانت الأرض كلها قد حُرثت وقلبت تربتها بعمق. لم يجدوا أي كنز من الذهب والفضة. أصابهم الإحباط الشديد، وذهبوا إلى جحا وهم غاضبون: "يا جحا! أين الكنز الذي وعدتنا به؟ لقد حرثنا الأرض كلها وتعبنا، ولم نجد شيئاً!"

ابتسم جحا بابتسامته المعهودة، وقال لهم: "الكنز موجود يا أهل قريتي، وقد عثرتم عليه بأيديكم!"

نظر إليه الجميع بدهشة واستغراب. سأل شيخ القرية: "ماذا تقصد يا جحا؟ لا يوجد هنا سوى التربة المحروثة!"

قال جحا: "اسمعوا يا أهل القرية. هذه الأرض لم تُحرث منذ سنوات طويلة، وكانت تربتها فقيرة. الآن وقد حرثتموها بعمق، وأخرجتم الأحجار، وقلبتم التراب، أصبحت الأرض خصبة وجاهزة للزراعة. الكنز الحقيقي ليس في الذهب والفضة، بل في الأرض التي تعطينا قوت يومنا."

ثم أضاف جحا: "الآن، بما أن الأرض قد تم تحضيرها بشكل ممتاز، فلنقم بزراعة الزيتون فيها. هذه الأشجار ستعطينا زيت الزيتون، وستوفر الظل والمأوى. وهذا هو الكنز الحقيقي الذي سيورث للأجيال القادمة."

أدرك أهل القرية حكمة جحا. لقد كان صحيحاً، الأرض التي تعبوا في حرثها أصبحت جاهزة للزراعة، ويمكن أن تنتج محصولاً غنياً. زرعوا الزيتون في تلك الأرض، وبعد سنوات، أصبحت هذه الأرض مزرعة زيتون ضخمة، تُنتج أجود أنواع الزيت، وتوفر الرزق لأهل القرية.

منذ ذلك اليوم، تعلم أهل القرية درساً مهماً من جحا: أن العمل الجاد، والعرق الذي يُسقى به التراب، هو الكنز الحقيقي الذي يدوم ويُفيد الأجيال. ولم يعودوا يبحثون عن الكنوز المدفونة، بل عملوا على استثمار الأرض وتحويلها إلى كنز دائم.

و السلام عليكم و رحمة الله .

تعليقات

عدد التعليقات : 0