حين يطيب التريد، يدير الله ما يريد
المقدمة:
في أحلك اللحظات، عندما تضيق الدنيا بأهلها ويظن المرء أن الأبواب قد أُغلقت في وجهه، يأتي القدر ليقلب الأمور
رأسًا على عقب، ليذكّرنا بأن رزق الإنسان ليس في يده، بل في يد الله. هذه القصة المغربية القديمة تحمل في
طياتها درسًا خالدًا عن الرزق والبخل والتدبير الإلهي.
القصة:
في إحدى القرى المغربية القديمة، عاش رجل يُدعى سالم، اشتهر ببخله الشديد. كان يملك ثروة كبيرة من المال والطعام،
لكنه لم يكن يشارك أحدًا، حتى أهل بيته كانوا يعانون من شحّه في الإنفاق، وكأن اللقمة التي تخرج من بيته تنقص
من رزقه.
في يوم من الأيام، وبينما كان سالم جالسًا يتأمل أكياس القمح والتمر التي خزّنها منذ شهور، دخل عليه شقيقه
الأصغر يطلب منه بعض الطعام لإطعام أبنائه الجياع.
تنهد سالم وقال بصوت بارد: "الزمن صعب، ولا أحد يعرف ماذا تخبئ الأيام. لا أستطيع أن أعطيك شيئًا،
يجب أن أحافظ على ما لدي!"
خرج شقيقه حزينًا، بينما جلس سالم يفكر في خطة لتأمين رزقه أكثر، فقرر أن يصنع وجبة كبيرة من التريد
(نوع من الطعام المغربي الذي يُحضر من الكسكس أو الخبز والمرق)، ليأكل منها أيامًا طويلة دون الحاجة إلى
شراء شيء جديد.
وضع سالم قدرًا ضخمًا على النار، وأحضر أفضل ما لديه من لحم وبهارات وخضروات، ثم تركه يطبخ لساعات،
حتى انتشر في البيت رائحة الذّات الذكية.
نظر سالم إلى القدر بابتسامة وقال: "حين يطيب التريد، يدير الله ما يريد!"
ولكن القدر كان يخبئ لسالم مفاجأة لم يتوقعها...
فجأة، وبعد أن أصبح الطعام جاهزًا، جاء رجل فقير إلى باب بيته، وطلب منه بعض الطعام لأن أطفاله
جائعون منذ أيام.نظر سالم إليه باستغراب وقال بحدّة: "لو أعطيت كل من يطلب، لن يبقى لي شيء! اذهب وابحث
عن رزقك في مكان آخر."
حزن الرجل وغادر، لكنه تمتم قائلًا: "الله هو المدبر، وليس أنت!"
وبعد لحظات فقط، بدأ القدر يشتعل فجأة! ارتفعت النيران والتهمت الطعام بالكامل، وفي غمضة عين،
احترق كل التريد الذي كان سالم يظن أنه سيكفيه أيامًا طويلة!
صرخ سالم مذهولًا، لم يستوعب كيف حدث ذلك! كان يراقب النار وهي تلتهم كل شيء، ودموعه تنهمر على وجهه...
عندها فقط، أدرك أن رزقه ليس في تخزين الطعام، ولا في منع الآخرين من الأكل، بل في الخير الذي يقدمه للناس.
وفي ذلك اليوم، خرج سالم إلى السوق، واشترى أكياسًا من الطعام، وذهب بنفسه ليبحث عن ذلك الرجل الفقير الذي
طرده سابقًا، وأعطاه كل ما يحتاج إليه، وهو يقول في نفسه:
"حين يطيب التريد، يدير الله ما يريد، لكني الآن فهمت ما يريد!"
ومنذ ذلك اليوم، تغيّرت حياة سالم، وأصبح يُعرف بكرمه بدلًا من بخله، وتعلّم أن الرزق الحقيقي ليس فيما نخزنه،
بل فيما نعطيه.
الخاتمة:
هذه القصة ليست مجرد حكاية، بل درس في الحياة:
الخير الذي تقدمه، يعود إليك بطرق لا تتوقعها.
البخل لا يجلب الرزق، بل يمنعه.
التدبير الإلهي أقوى من كل حسابات الإنسان.
في النهاية، لا أحد يستطيع أن يتحكم في مصيره، فالأقدار تدور كما يشاء الله، وليس كما يحسب البشر.
و السلام عليكم و رحمة الله .