قصة مولاي عبد السلام بن مشيش .

 مولاي عبد السلام بن مشيش – القطب الشهيد


المقدمة:

في أعماق التاريخ المغربي، بين جبال الريف الشامخة، عاش رجلٌ لم يكن كغيره من الناس، بل كان نورًا يهدي السالكين، وعالمًا يجمع بين الشريعة والحقيقة. إنه مولاي عبد السلام بن مشيش، القطب الشهيد، الذي ترك أثرًا خالدًا في التصوف الإسلامي، وأصبح اسمه مقرونًا بالعلم والزهد والولاية.

النشأة والتكوين العلمي:

وُلد مولاي عبد السلام بن مشيش في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، في منطقة جبل العلم بالقرب من مدينة تطوان بالمغرب. ينحدر من الأشراف الأدارسة، إذ يعود نسبه إلى إدريس الأول، مؤسس الدولة الإدريسية بالمغرب.منذ صغره، ظهرت عليه بوادر الصلاح والتقوى، فحفظ القرآن الكريم وهو في الثانية عشرة من عمره، وتتلمذ على يد كبار العلماء، مثل سيدي سليم دفين قبيلة بني يوسف، والعلامة الحاج أحمد أقطران، الذي علمه الفقه المالكي.لكن العلم وحده لم يكن كافيًا، فقد كان يسعى إلى التعمق في الروحانية، فالتقى بالعارف بالله سيدي عبد الرحمن بن الحسن الشريف العطار المدني الحسني، الذي كان له أثر كبير في تكوينه الروحي.

السياحة الروحية والزهد:

لم يكن مولاي عبد السلام يسعى إلى الشهرة أو الزعامة، بل كان قلبه متعلقًا بالله وحده. قضى 16 عامًا في السياحة الروحية، متنقلًا بين المدن والجبال، متعبدًا في الخلاء، بعيدًا عن الناس، حتى أصبح رمزًا للزهد والتصوف. كان يقول في دعائه: "اللهم إن أقوامًا سألوك أن تسخّر لهم قلوب خلقك، اللهم إني أسألك إعراضهم عني، حتى لا يكون لي ملجأ إلا إليك." وهكذا، عاش في عزلة اختيارية، لا يريد شيئًا من الدنيا، بل كان يسعى إلى الصفاء الروحي، حتى أصبح مرجعًا للصوفية في المغرب والمشرق.

لقاؤه بأبي الحسن الشاذلي:

من أهم المحطات في حياة مولاي عبد السلام، لقاؤه بتلميذه أبي الحسن الشاذلي، الذي أصبح فيما بعد مؤسس الطريقة الشاذلية.عندما جاء الشاذلي إليه طالبًا العلم، قال له مولاي عبد السلام: "يا علي، ارتحل إلى إفريقية، واسكن بها بلاد تسمى بشاذلة، فإن الله عز وجل يسميك الشاذلي، وبعد ذلك تنتقل إلى أرض المشرق، وبها ترث القطابة." وبالفعل، تحقق كلامه حرفيًا، وأصبح الشاذلي أحد أعظم أقطاب التصوف الإسلامي، ناقلًا تعاليم مولاي عبد السلام إلى العالم.

وفاته وإرثه الروحي:

قضى مولاي عبد السلام حياته في العبادة والتدريس، حتى جاء يوم استشهاده، حيث قُتل غدرًا على يد أحد أعداء التصوف، ليصبح القطب الشهيد، الذي لم يمت ذكره رغم مرور القرون. واليوم، لا يزال ضريحه في جبل العلم مقصدًا للزوار، الذين يأتون للتبرك به، والتعرف على كراماته وتعاليمه، التي لا تزال حية في قلوب الصوفية والمريدين.

الخاتمة:

مولاي عبد السلام بن مشيش لم يكن مجرد عالم أو صوفي، بل كان نورًا يهدي السالكين، ورمزًا للزهد والتقوى. علمنا أن الحكمة ليست في كثرة الكلام، بل في عمق الفهم، وأن الروحانية الحقيقية هي تلك التي تقرب الإنسان من الله، بعيدًا عن زخارف الدنيا. واليوم، لا تزال تعاليمه تلهم الباحثين عن الصفاء الروحي، وتذكرنا بأن الصدق والإخلاص هما مفتاح القلوب.

و السلام عليكم و رحمة الله.

تعليقات