من يملك الذهب يكتب الشريعة


سنجعلهم يسرقون أموال شعوبهم، ليودعوها في بنوكنا، ثم نقرضها لشعوبهم بفوائد تُثقلهم إلى الأبد

الموضوع: "من يملك الذهب يكتب الشريعة"

المقدمة:

لطالما شكّل المال أداةً للسلطة لا تقل خطرًا عن السلاح أو الإعلام، بل يتفوق عليهما أحيانًا. وفي هذا السياق، تتردّد العبارة: "من يملك الذهب يكتب الشريعة"، كتشخيص صارخ لحقيقة مؤلمة يعيشها العالم منذ قرون، حيث تتحوّل القوانين من ميزان عدالة إلى أداة لحماية مصالح الأقوياء. هذه المقولة لا تعني فقط أن الثروة تمنح النفوذ، بل تعني أن من يملك المال يمكنه أن يُعيد تعريف الصواب والخطأ، القانون والجريمة، الشرعية والفساد.

العرض:

1. المال محرّك القوانين:

عبر التاريخ، لم تكن القوانين دائمًا خادمة للعدالة، بل كثيرًا ما خضعت لإرادة من يملك المال. من طبقات الإقطاعيين في أوروبا، إلى النخب الاقتصادية في العالم الحديث، كان المال دائمًا هو الذي يُملي شكل "الشريعة" أو القانون. يتم تعديل القوانين لتناسب المصالح الاقتصادية، ويُعاد تعريف الفساد بما يضمن الإفلات من العقاب لمن يدفع الثمن.

2. مقولة آل روتشيلد: تشريح للواقع المالي العالمي:

 عائلة روتشيلد هي واحدة من أشهر العائلات في التاريخ المالي العالمي. تأسست هذه العائلة اليهودية الثرية في فرانكفورت في القرن الثامن عشر على يد ماير أمشيل روتشيلد، الذي أسس إمبراطورية مصرفية امتدت إلى لندن وباريس وفرانكفورت وفيينا ونابولي.خلال القرن التاسع عشر، كانت عائلة روتشيلد تمتلك واحدة من أكبر الثروات الخاصة في العالم، ولعبت دورًا مهمًا في تطوير النظام المالي العالمي، حيث قدمت التمويل للعديد من الحكومات والأحداث التاريخية المهمة . في أحد أشهر الأقوال المنسوبة إلى آل روتشيلد، العائلة المصرفية الأكثر شهرة وتأثيرًا في التاريخ الحديث، جاء ما يلي:

"سنجعلهم يسرقون أموال شعوبهم، ليودعوها في بنوكنا، ثم نقرضها لشعوبهم بفوائد تُثقلهم إلى الأبد."

هذه المقولة، وإن لم تُوثق نصًا في سجل تاريخي دقيق، فإنها طبقت تعاليمها في المغرب خاصة اثناء ولاية حكومة اخنوش التكنوقراطية و اصبحت تُعبّر عن واقع مرير يُمكن ملاحظته بوضوح في كثير من الدول العربية . تُنهب ثروات الشعوب، وتُهرّب إلى الخارج باسم الاستثمار أو الأمان المالي، لتودع في مصارف دولية كبرى. ثم حين تحتاج تلك الشعوب إلى التمويل، تُقرضها نفس البنوك أموالها المسروقة، مع فوائد تُكبّل اقتصادها وتزيد من تبعيتها.

3. القانون في خدمة الثروة:

تُسَن القوانين أحيانًا لتسهيل هذا التلاعب المالي. تُشرّع الخصخصة بلا رقابة، وتُبيَض الأموال تحت غطاء "الاستثمار الأجنبي"، وتُقنن الضرائب بحيث لا تمس الثروات الكبرى. هكذا يصبح القانون ذاته شريكًا في الجريمة، ومجرد واجهة لشرعنة النهب.

4. عندما ينتفض الوعي:

ورغم هذه الهيمنة، فإن التاريخ يشهد أيضًا لحظات تَفوّق فيها الضمير الجمعي على المال، وفرضت الشعوب إرادتها لتعيد صياغة الشريعة بما يخدم العدالة لا الجشع. فالثورات، وحركات مناهضة الفساد، والإصلاحات الدستورية، هي جميعها محاولات لتجريد المال من احتكاره لتشريع القوانين.

الخاتمة:

"من يملك الذهب يكتب الشريعة" ليست مجرد عبارة صادمة، بل تحذير مرير من خطر هيمنة المال على القرار والتشريع. وإذا كان آل روتشيلد قد قالوا إنهم سيجعلوننا نسرق شعوبنا ونودع ثرواتها في بنوكهم، فإن الرد لا يكون بالاستسلام، بل ببناء نظم قانونية محصّنة، ومؤسسات تراقب، وشعوب تعي وتواجه. المال قد يكتب الشريعة مؤقتًا، لكن الوعي هو من يكتب التاريخ.

والسلام عليكم و رحمة الله 

تعليقات