أسرار مغسل الاموات : حياة في حضرة الموت والأحداث الغريبة التي لا تُروى

 حياة المغسل: المهنة الإسلامية بين الطهارة الشرعية والروايات النادرة من التاريخ والعصر الحديث


حياة المغسل ومهنته في العالم الاسلامي

مقدمةفي عالم يتسارع فيه الزمن وتتسارع معه خطى الحياة نحو غايتها النهائية، يقف الغسال صامتاً كشاهد على الرحيل الذي لا يرحم. الغسال او مغسل الموتى، هو ذلك الرجل الذي يحمل على كتفيه عبء الوداع الاخير، يغسل الجسد الذي كان ينبض بالحياة، ويعدّه للعودة الى التراب. مهنة تبدو بعيدة عن عيون الجماهير، لكنها في جوهرها امتداد للرحمة الالهية، وتجسيد للعدل الذي يعامل الجميع على حد سواء، غني وفقير، عظيم وهين. في الاسلام، ليست هذه المهنة مجرد حرفة، بل هي عبادة تكسب صاحبها الاجر العظيم، وتذكر الاحياء بفناء الدنيا واستقرار الاخرة. يقول تعالى في كتابه العزيز: ونقول للنفس المطمئنة ارجعي الى ربك رضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي. ومن هناك، يبدأ الغسال دوره في تسهيل هذا الدخول، بطهارة الجسد وستر العورة، وكل ذلك في صمت يعكس حكمة القدر.عرضتاريخ هذه المهنة يعود الى بدايات الدعوة الاسلامية، حيث كان الصحابة رضي الله عنهم يقومون بغسل امواتهم بأيديهم الطاهرة. كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يغسل اموات المسلمين بنفسه، كما في غسل السيدة عائشة رضي الله عنها عند وفاتها، او غسل الامام الحسين رضي الله عنه بعد واقعة كربلاء، حيث تولى الصحابة هذا الشرف رغم الدماء والالام. في العصور اللاحقة، مع توسع الدولة الاسلامية، اصبحت المهنة منظمة اكثر، وفي المدن الكبرى كالبصرة والكوفة والقاهرة، كان يوجد مغاسل مخصصة تدار بواسطة الاحبار والعلماء. يروي المؤرخون في كتب السير ان الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يشرف شخصياً على غسل الفقراء، ليؤكد ان الموتى كلهم سواسية. وفي العصر العباسي، برزت شخصيات مثل ابي حنيفة النعمان الذي كان يغسل الاموات مجاناً، معتبراً ذلك صدقة جارية. هكذا، تحولت المهنة من عمل فردي الى نظام اجتماعي يعكس قيم الاسلام في الكرامة والمساواة.بشكل عام، تتطلب مهنة الغسال شروطاً شرعية دقيقة تجعلها ليست لكل ايد. يجب ان يكون الغسال مسلماً، عاقلاً، بالغاً، ذكراً للرجال وانثى للنساء، ويستثنى الزوج عن زوجته والعكس للحفاظ على الحياء. كما يشترط الطهارة الجسدية والروحية، فالغسال يتوضأ قبل كل عملية غسل، ويلبس ملابس نظيفة. الادوات البسيطة: ماء طاهر، صابون، سدر، كفن ابيض، وكافور للتطييب. الغسل نفسه يتم ثلاث مرات على الاقل، يبدأ بالراس والجهتان، ثم الجانب الايمن فالايسر، مع التلاوة من القرآن والدعاء للميت. في حالات الشهداء، يُكتفى بالوضوء، كما ورد في الحديث الشريف: اغسلوا ميتكم بالماء والسدر ثلاثاً. ومع ذلك، تواجه المهنة تحديات عصرية، مثل انتشار الامراض المعدية كالكوليرا والايدز، مما يتطلب ارتداء قفازات وكمامات، دون التخلي عن الاحكام الشرعية. في بعض الدول كالسعودية ومصر، اصبحت المغاسل مجهزة بغرف مبردة ومعدات طبية، لكن الجوهر يبقى الرحمة والخشوع.

حياة الغسال اليومية مليئة بالتناقضات التي تجعلها درساً في الصبر والايمان. يبدأ اليوم بايذان الفجر، حيث يتوجه الى المغسلة في المسجد او المقبرة، يستقبل الجثمان الذي يصل في نعش خشبي، محاطاً بالبكاء والحزن. هناك، يبدأ الغسال عمله في هدوء، يخلع الملابس بلطف، يغطي العورة، يغسل الجسد كما لو كان يوقظ طفلاً نائماً. الروائح، البرودة، والصمت الثقيل، كلها جزء من الروتين الذي يصبح مع الوقت عادة. يروي احد الغسالين في السعودية، في حلقة تلفزيونية شهيرة، انه قضى ثلاثين عاماً في هذه المهنة، ولم يفقد يوماً شعوره بالمسؤولية: كل ميت قصة حياة انتهت، وانا الذي اودعه الى ربه. لكن الحياة الشخصية لا تخلو من التأثيرات. العائلة غالباً ما تتأثر بالريحة الدائمة، او بالكوابيس التي يحملها الغسال من عمله. في قصة شخصية من العراق، يحكي مغسل ان زوجته طلبت الطلاق بعد ان رأت كيف يعود كل ليلة متعباً نفسياً، لكنه استمر لأجل البركة التي وعد بها الرسول صلى الله عليه وسلم: من غسل ميتاً فله اجر غسله. ومع ذلك، يجد الغسالون تعويضاً في الاحترام الاجتماعي؛ فهم يُدعون للصلوات الجماعية، ويُعاملون كأولياء، خاصة في المناسبات كرمضان حيث يزداد العمل.اما الروايات الشخصية، فهي كنهر يجري تحت سطح المهنة، تحمل في طياتها دروساً عميقة. في مصر، يروي عم محمد، مغسل في مقبرة الإمام الشافعي، قصته مع رجل ثري مات فجأة: وصل الجثمان مزيناً بالمجوهرات، لكن عند الغسل، اكتشفت وشم سحري تحت الجلد، دليل على حياة مليئة بالخطايا. لم يحكِ عم محمد لأحد، لكنه دعا للميت بالمغفرة، مدركاً ان الله وحده يحاسب. في الاردن، تروي ام عبدالله، مغسلة نساء، في بودكاست حديث، كيف فقدت زوجها في حادث، وكيف ساعدها عملها في الغسل على تقبل الموت: غسلت زوجي بنفسي، وكأنني اغسل جراحي. هذه الروايات ليست مجرد قصص، بل شهادات على قوة الايمان، حيث يصبح الغسال معلماً للاحياء، يذكرهم بأن الدنيا دار ممر، والاخرة دار قرار.وفي قلب هذه الحياة، تبرز الاحداث النادرة التي تتحدى المنطق وتذكر بالغيبيات. هذه الحوادث، الغريبة والمرعبة، هي ما يجعل المهنة أسطورية في عيون الكثيرين، وتدفع الغسالين الى اللجوء الى الدعاء والرقية. احدى هذه القصص الشهيرة وقعت في مغسلة سعودية، حيث يروي الشيخ ابو محمد القريني، في لقاء تلفزيوني عام 2025، حادثة ميت بكى اثناء غسله: كان الجثمان بارداً كالحجر، لكن عند صب الماء على الوجه، سالت دموع من عينيه المغلقتين، وسمعت اصوات همس غريبة. اعتقد الغسالون انها علامة توبة متأخرة، فزادوا في الدعاء، وانتهت الحادثة بسلام، لكنها خلقت رعباً دفع احدهم الى المستشفى بسبب الارق. قصة اخرى من العراق، في عام 2024، حيث واجه مغسلون جثة امرأة مجهولة الهوية، اكتشفوا فيها تمثالاً صغيراً من الطين مدفوناً في الملابس، يُعتقد انه تعويذة سحرية. عند محاولة الغسل، تحرك التمثال كأنه حي، مما اضطر الغسالين الى استدعاء شيخ للرقية، ودفن الجثمان بعد تطهيرها شرعياً. هذه الحوادث تذكر بتحذير الرسول صلى الله عليه وسلم من الاعمال السفلية، وكيف يحاول الشيطان التدخل حتى في اللحظات الاخيرة.

من الاحداث النادرة ايضاً، حالات الجثث التي ترفض الغسل، كما في قصة مصرية قديمة رواها الدكتورة هالة سمير في محاضرة عام 2024: جثة شاب في الاربعينيات، عند غسلها، سال دم احمر كالورد من فمه رغم مرور يومين على الوفاة، وكأن الجسد يبكي خطاياه. اعتقدت المغسلة انها علامة على شهادة، فدعوا عليه بالرحمة، واصبحت القصة درساً في الندم. في السعودية، يحكي مغسل مشهور في فيديو يوتيوب عام 2017، عن جثة اكتشف فيها قلباً ينبض ضعيفاً بعد ساعات من الوفاة الرسمية، مما دفع الطبيب الى اعادة الفحص، واكتشاف ان الميت كان في غيبوبة. هذه الحادثة، رغم ندرتها، تبرز الفرق بين الموت الطبي والموت الشرعي، وتذكر بالحكمة الالهية في التوقيت. ولا ننسى قصص الجن، التي يرويها الغسالون في المناطق الريفية، كحادثة في اليمن حيث سمعوا اصوات ضحك من داخل المغسلة ليلاً، ووجدوا آثار يدين على الارض، لكنهم اتموا الغسل بالاذكار، مدركين ان الشيطان يحسد المتوفى.في سياق اخر، تبرز حوادث الوفيات الجماعية، كتلك الناتجة عن الكوارث الطبيعية، حيث يضطر الغسالون الى العمل ليالٍ طويلة. في زلزال تركيا عام 2023، روى مغسل تركي انه غسل مئة جثة في يوم واحد، واكتشف في احداها رسالة مكتوبة بدماء: سامحوني، كانت اعترافاً متأخراً من ضحية جريمة. هذه اللحظات النادرة تحول الغسال الى حارس اسرار، يحملها في صدره دون كشف، كما امر الشرع: لا تكشفوا عورات الموتى. ومع ذلك، ليست كل الاحداث مرعبة؛ فبعضها يحمل بركة، كقصة الفقير الذي غسل اموات المدينة مجاناً، فزاده الله رزقاً حتى بنى قصراً، كما في رواية فولكلورية من فلسطين.تتجاوز هذه المهنة حدود الجسد الى النفس، فالغسال يتعلم من كل ميت درساً في الزهد. يرى الثري يُدفن بكفن بسيط، والجميلة تفقد رونقها، مما يقربه من الله ويبعد عن زخارف الدنيا. في رواية شخصية من مغسلة اموات في الاردن، عام 2025، يحكي الضيف في بودكاست حكايات، كيف غيرت المهنة حياته: كنت مدمناً على المال، لكن بعد غسل الاول، فهمت ان كل شيء فان. هكذا، يصبح الغسال معلماً غير مباشر، ينقل رسالة الرحيل الى المجتمع عبر قصصه الهامسة.خاتمةفي الختام، حياة الغسال هي مزيج من الالم والسكينة، الرعب والايمان، والمهنة التي يمارسها ليست مجرد غسل، بل طهارة للنفوس الحية. الاحداث النادرة، سواء كانت دموع ميت او همس غريب، تذكرنا بغيب الغيب، وبأن الموت باب لا يُغلق. لقد امتلأت صفحات التاريخ الاسلامي بأمثال هؤلاء الرجال والنساء الذين حملوا الامانة بصمت، وكسبوا الجنة بغسلهم. فمن يتأمل في عملهم، يجد فيه دعوة للتوبة والعمل الصالح، قبل ان يصبح هو المغسول. وكما قال الشاعر: الموت حق وكل نفس بما كسبت رهينة، فاستعدوا للغد قبل فوات الاوان. هكذا، يبقى الغسال شاهداً حياً على حكمة الخالق، ودرساً ابدياً في فناء الدنيا.
تعليقات