قصة التوربيني الكاملة: سفاح مصر الذي اغتصب وقتل 32 طفلا على قضبان السكك الحديدية

 رمضان عبد الرحيم التوربيني: من صدمة الطفولة إلى مذبحة الأطفال في أنفاق القطارات

التوربيني سفاح الاطفال

قصة التوربيني: سفاح السكك الحديدية ومذبحة الاطفال في مصر

رمضان عبد الرحيم منصور المعروف بلقب التوربيني نسبة الى قطار سريع فرنسي دخل الخدمة في مصر عام اثنين وثمانين من القرن الماضي يعد واحدا من اشهر القتلة المتسلسلين في التاريخ المصري والعربي عموما. ولد في مدينة طنطا بمحافظة الغربية في اوائل السبعينيات من القرن العشرين وكان يبلغ من العمر سبعة وعشرين عاما عندما وقعت عليه يد الشرطة في نوفمبر عام ستة وعشرين واربعين للميلاد. لم يكن التوربيني مجرما عاديا يسعى وراء الربح الشخصي او السلطة المؤقتة بل كان وحشا بشريا يتغذى على الالم والرعب مستمدا قوته من صدمات الطفولة التي شوهت نفسه وروحه. جرائمه التي امتدت سبع سنوات كاملة شملت اغتصاب وقتل ما لا يقل عن اثنين وثلاثين طفلا وشابا معظمهم من الذكور الذين لم تتجاوز اعمارهم الرابعة عشرة بالاضافة الى ثلاث فتيات قتلن بعد تعرضهن للاغتصاب والتعذيب. وصف خبراء الجريمة هذه الاعمال بانه اكثر الجرائم بشاعة في تاريخ مصر الحديث حيث صنفت في المرتبة الحادية والعشرين عالميا من حيث الوحشية والتخطيط المنهجي. لم تقتصر جرائمه على القتل والاغتصاب بل امتدت الى استغلال الاطفال في التسول والدعارة مما جعل منه زعيما لعصابة منظمة تعمل في الظلال بين محطات السكك الحديدية والانفاق المظلمة.الخلفية: من الضحية المعذبة الى الوحش المفترسبدات قصة رمضان التوربيني كقصة طفل فقير يعاني من الظروف الاجتماعية القاسية التي سادت مصر في السبعينيات والثمانينيات. نشا في اسرة متواضعة في حي شعبي من طنطا حيث كان الفقر رفيق الطفولة والعمل الشاق ضرورة مبكرة للبقاء. في سن الثانية عشرة اضطر رمضان الى ترك المدرسة والانخراط في العمل لمساعدة والده الذي كان يعاني من مشاكل صحية ومالية. حصل على وظيفة في كافيتريا تابعة للسكك الحديدية في طنطا يديرها رجل يدعى عبده التوربيني الذي اشتهر بقسوته على العمال الصغار. عمل رمضان لشهور طويلة يقوم بنقل المواد الغذائية وتنظيف المكان مقابل اجور زهيدة لم تُدفع له يوما. عندما حاول المطالبة بحقه صاحبه الرجل الى سطح احدى عربات القطار الذي كان متوقفا في المحطة. هناك في ذلك المكان المعزول وقعت الجريمة التي غيرت مسار حياته الى الابد. اغتصبه عبده جنسيا ثم القى به من اعلى السطح الى الارض بينما كان القطار يبدأ في الحركة مما اسفر عن اصابات خطيرة شملت كسورا في الجسم وعاهة دائمة في العين اليمنى جعلته احول العين. قضى رمضان شهرا كاملا في المستشفى يتعذب من الالم الجسدي والنفسي ويخرج منه محطما نفسيا يعاني من الاكتئاب الشديد والانطواء الاجتماعي. لم يحصل على اي دعم من الاسرة او المجتمع ولم يتم التحقيق في الواقعة بشكل جدي مما زاد من حقده العميق تجاه العالم الذي تخلى عنه. قرر رمضان الانتقام ليس من معذبه الشخصي فحسب بل من كل طفل يذكره بطفولته المفقودة مستخدما السكك الحديدية كمسرح لجرائمه رمزا للصدمة الاولى. انضم في سن المراهقة الى عصابات الشوارع في طنطا حيث تعلم فنون الجريمة من السرقة الى التسول المنظم وسرعان ما اصبح زعيما لمجموعة من الاطفال المشردين يستغلهم في جمع الصدقات من المسافرين في محطات القطارات. كانت هذه العصابة الاولى نواة للتنظيم الاجرامي الذي سيتطور لاحقا الى شبكة من الوحوش الصغار تساعده في جرائمه الكبرى.تشكيل العصابة وطريقة العمل: شبكة الاستغلال والرعبمع مرور السنين تحول رمضان من ضحية الى مفترس يجند الاطفال الفقراء والمشردين بوعود كاذبة بالحماية والمال السهل. كانت عصابته تضم اكثر من عشرين عضوا معظمهم مراهقون في سن الرابعة عشرة الى السابعة عشرة مثل بقو البالغ من العمر ستة عشر عاما والسويسي وحناطة الذين اصبحوا مساعديه الرئيسيين. يقسمون المهام بدقة عسكرية حيث يقوم بعضهم بجذب الاطفال الجدد الى المحطات بقصص عن مغامرات القطارات بينما يتولى الاخرون مراقبة الشرطة ونقل الاموال من التسول. كانت الدخل الرئيسي للعصابة من التسول المنظم في محطات مثل رمسيس وشبرا والاسكندرية حيث يجبر الاطفال على الوقوف لساعات طويلة تحت الشمس الحارقة او في البرد القارس يتوسلون المسافرين. لم يتوقف الاستغلال عند هذا الحد بل امتد الى الدعارة حيث يجبر التوربيني بعض الفتيات والفتيان على ممارسة العلاقات الجنسية مع الغرباء مقابل مبالغ زهيدة يحتفظ بها هو وحده. وصف بعض الشهود السابقين للعصابة ان التوربيني كان يعامل اعضاءه كعبيد يعاقبهم بالضرب الشديد بالحبال او الحرمان من الطعام اذا فشلوا في تحقيق الهدف المالي اليومي. كانت هذه الشبكة تعمل في الظلال مستفيدة من ازدحام محطات السكك الحديدية التي كانت في تلك الفترة تعاني من نقص الامن والمراقبة بسبب الازمه الاقتصادية التي اجتاحت مصر بعد اتفاقيات السلام والانفتاح الاقتصادي. يقول خبراء علم النفس ان هذا النمط من الاستغلال يعكس اضطرابا شخصيا عميقا يجمع بين اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع واضطراب ما بعد الصدمة الناتج عن تجربته الطفولية مما جعله يعيد تمثيل الجريمة مرارا وتكرارا كوسيلة لاستعادة السيطرة المفقودة.الجرائم: مذبحة الاطفال على قضبان الموتاستمرت جرائم التوربيني الفعلية من مطلع الالفينيات حتى نوفمبر عام ستة وعشرين واربعين وكانت تتميز بتخطيط منهجي يجمع بين الخداع والعنف المتدرج. كان يستهدف الاطفال الذكور في الغالب الذين يتراوح عمرهم بين العاشرة والرابعة عشرة خاصة المشردين الذين يتجولون في المحطات بحثا عن لقمة عيش. يبدأ الامر بخدعة التسطيح وهي طريقة شائعة بين الفقراء لركوب القطارات دون تذكرة حيث يصعدون الى سطح العربات لتجنب التفتيش. يقترب التوربيني من الضحية مدعيا انه صديق مخضرم يعرف كيفية الركوب الآمن ويعد بنزهة ممتعة الى المدينة المجاورة. بمجرد الصعود يختار مكانا منخفضا قرب عربة التكييف في قطار التوربيني نفسه حيث يبدأ الاغتصاب والتعذيب اثناء اهتزاز القطار البطيء بعد خروجه من المحطة. يصف الاعترافات اللاحقة تفاصيل مرعبة حيث يعذب الضحية بالضرب بالحبال الخشنة او الاكراه على اعمال مهينة جنسية ثم يرميها احيانا وهي حية امام القضبان لتُسحق تحت عجلات القطار الثقيلة. عثر على معظم الجثث في سراديب وانفاق السكك الحديدية بمحطات شبرا بالقاهرة والاسكندرية وطنطا وبعضها كانت مجزأة بسبب الاصطدام مما صعب التعرف عليها في البداية. لم يقتصر الاستهداف على الذكور فقد اغراء التوربيني بفتاة تدعى عزة بربش تبيع الصحف في القطارات وادعى الزواج العرفي منها ثم اجبرها على تجنيد فتيات اخريات للدعارة. اعترف لاحقا بقتل ثلاث فتيات بعد اغتصابهن الاولى في محافظة البحيرة حيث القت بها من نافذة قطار متحرك والثانية قرب موقف عبود بالقاهرة بعد تعذيبها بالسكاكين والثالثة في بني سويف حيث دفن جثتها في حفرة قريبة من الخط الحديدي. بعض المصادر الاخبارية رفعت عدد الضحايا الى ثمانية وثلاثين بما في ذلك طفلة واحدة ووصفت الجرائم بانه اعمال اكثر قسوة من تلك التي ارتكبها قتلة عالميون مثل تيد بندي او جون واين غيسي. كانت العصابة تشارك في الجرائم حيث يساعد بقو والسويسي في جذب الضحايا بينما يتولى حناطة نقل الجثث الى الاماكن المخفية لتجنب الاكتشاف. هذه الاعمال لم تكن عشوائية بل كانت تعكس نمطا نفسيا يسعى الى تكرار الصدمة الشخصية مع كل ضحية جديدة مما يعزز من شعوره بالقوة والسيطرة.اكتشاف الجرائم: الرعب الذي هز مصرانكشفت جرائم التوربيني في السابع والعشرين من نوفمبر عام ستة وعشرين واربعين عندما عثر عمال صيانة على اشلاء طفل في سرداب اسفل محطة شبرا بالقاهرة. كانت الجثة مجزأة ومجهولة الهوية مما دفع الشرطة الى فتح تحقيق روتيني. لكن في الايام التالية عثر على جثتين اخريين في الاسكندرية وطنطا بنفس الطريقة مما اثار الشكوك حول وجود نمط جرائم متسلسلة. ابدأت الشرطة حملة مكبرة في انفاق القطارات الممتدة تحت العواصم الكبرى حيث عثرت على اثني عشر جثة اضافية معظمهن اطفال مشردين ماتوا بنفس الاسلوب. هذه الاكتشافات حولت القضية الى فضيحة وطنية اهزت الرأي العام وادت الى احتجاجات شعبية مطالبة بحماية اطفال الشوارع. غطت الصحف المصرية مثل الاهرام والمصور القضية يوميا وصفاء الجرائم بانه مذبحة جماعية في مقبرة تحت الارض مما زاد من حالة الرعب العامة خاصة في الاسر الفقيرة التي كانت تخشى اختفاء ابنائها في المحطات.الاعتقال والتحقيق: اعترافات الوحششنت الشرطة مداهمات واسعة على اماكن تجمع اطفال الشوارع في القاهرة وطنطا واعتقلت بقو اثناء فراره من التوربيني في قسم شبرا الخيمة ثم السويسي في طنطا. تحت الضغط اعترف الاثنان بانضمامهما للعصابة وكشفا تفاصيل الجرائم بما في ذلك مواقع الجثث المخفية. بناء على اعترافاتهما نصب الضباط كمائن في محطة رمسيس واعتقلوا التوربيني بعد مطاردة قصيرة في احد الانفاق. لم يقاوم الاعتقال بل اعترف بكل الجرائم بفخر غريب وساعد في تحديد مواقع الجثث المتبقية واعادة تمثيل الجريمة امام محققي النيابة دون اي ندم او تردد. قال في اعترافاته انه كان يشعر بالرضا بعد كل عملية لانه ينتقم من المجتمع الذي ظلمه. امتد التحقيق لشهور شمل تشريح الجثث واستجواب اكثر من خمسين شاهدا وكشف عن تورط اكثر من عشرين شخصا في العصابة.المحاكمة والحكم: العدالة امام الوحشيةواجه التوربيني اتهامات بالقتل العمد والاغتصاب والاختطاف والتشكيل على عصابة مسلحة. في الخامس عشر من ديسمبر عام عشرة واربعين حكمت محكمة جنايات القاهرة بالاعدام شنقا عليه وعلى مساعده حناطة بينما حُكم على السويسي وبقو بالسجن خمسة عشر عاما وائل بعض الاعضاء الاخرين الى محكمة القاصرين. ادعى محامي الدفاع ان الاعترافات جاءت تحت التعذيب ووصف التوربيني بضحية الدولة التي فشلت في حماية اطفال الشوارع مشيرا الى اضطرابه النفسي الناتج عن الصدمة الطفولية. نفت والدته وشقيقه الاتهامات واصفين اياه بالهادئ المسالم بينما ذكرت بعض الصحف انه لم يرتكب كل الجرائم بسبب مرض عقلي. ادت محكمة النقض بحكم الاعدام في الخامس عشر من ديسمبر عام عشرة واربعين.التنفيذ والتأثير: نهاية عصر الرعبنُفذ الحكم في السادس عشر من ديسمبر عام عشرة واربعين شنقا في سجن الوادي الجديد مما انهى فترة من الرعب دامت سبع سنوات. اثارت القضية نقاشات واسعة حول حماية الاطفال واصلاح نظام السكك الحديدية وادت الى قوانين جديدة لمكافحة استغلال اطفال الشوارع. اصبح اسم التوربيني مرادفا للشر المطلق في الثقافة الشعبية وتم اقتباس قصته في مسلسلات وافلام درامية لتوعية المجتمع. رغم الوحشية تظل قصته تذكيرا بانه الفقر والصدمات غير المعالجة يمكن ان تنجب الوحوش وان العدالة واجب لمنع تكرار المأساة.
تعليقات