يوسف مراد: من السياسة الجهوية إلى شبكات الظلال.. قصة توقيف هز أركان فاس-مكناس
المقدمة: صدمة في مطار فاس.. بداية فصل جديد من الفضائح السياسيةفي ليلة من ليالي نوفمبر الباردة، حيث يتدفق مسافرون من أوروبا إلى قلب المغرب الشرقي، هبطت طائرة قادمة من ملقا الإسبانية على مدرج مطار فاس-سايس الدولي. كان اليوم 8 نوفمبر 2025، والساعة تشير إلى المساء المتأخر. بين الركاب، كان يوسف مراد، الرجل الذي يُعرف في أروقة السياسة الجهوية بـ"الكاتب النشيط"، يتجه نحو بوابة الخروج، غير مدرك أن خطواته الأخيرة على الأرض الأوروبية قد تكون الأخيرة قبل أن يواجه شبح الماضي. فجأة، أمسكت يد شرطة الحدود بكتفه، وأصبح توقيفه خبراً يهز الجهة بأكملها، ويفتح باباً على فضيحة تكشف عن تعقيدات الاتجار في المخدرات والفساد السياسي في المغرب.يوسف مراد، كاتب مجلس جهة فاس-مكناس عن حزب التجمع الوطني للأحرار (الأحرار)، لم يكن مجرد منتخب محلي. كان رمزاً للطموح الجهوي، يدير ملفات التنمية والثقافة بثقة، ويُنظر إليه كوجه شاب يمثل جيلاً جديداً من السياسيين. لكن هذا التوقيف لم يكن مجرد حادث عرضي؛ إنه جزء من سلسلة أوسع من الفضائح السياسية التي ألقت بظلالها على المغرب في 2024-2025، حيث يتقاطع السلطة الرسمية مع شبكات الجريمة المنظمة. في هذا المقال المطول، سنغوص في سيرة مراد، تفاصيل توقيفه، وارتباطه المشتبه به بشبكة دولية للمخدرات، قبل أن نستعرض فضائح سياسية أخرى أثارت غضب الشعب المغربي. سيرة يوسف مراد: من النشاط الثقافي إلى الكرسي الجهويولد يوسف مراد في أوائل التسعينيات في مدينة فاس، المدينة العريقة التي تُلقب بـ"ميكونة العلماء"، حيث امتزجت في طفولته رائحة الكتب القديمة مع أصوات الأسواق الشعبية. نشأ في عائلة متواضعة، أبوه تاجر صغير وأمه معلمة في مدرسة ابتدائية، مما غرس فيه قيماً من العمل الجاد والالتزام الاجتماعي. درس مراد في جامعة الحسن الثاني بفاس، حيث تخصص في العلوم الإنسانية والتاريخ، وكان نشطاً في الجمعيات الثقافية الطلابية. هناك، بدأت بوادر مسيرته السياسية، حيث انخرط في حملات حزب التجمع الوطني للأحرار، الحزب الذي يُعتبر واحداً من أقوى الأحزاب الليبرالية في المغرب، ويُدير شبكة واسعة من المنتخبين المحليين.في عام 2015، شارك مراد في الانتخابات الجماعية كمرشح شاب، وفاز بمقعد في مجلس جماعة الظليطة التراثية، حيث أشرف على مشاريع ترميم التراث الثقافي. كان يُعرف بـ"النابغة الثقافي"، ينظم مهرجانات وفعاليات تجمع بين التراث المغربي والحداثة الأوروبية، مستفيداً من علاقاته الواسعة في إسبانيا، حيث قضى فترات دراسية في ملقا. بحلول 2021، وصل إلى كرسي مجلس جهة فاس-مكناس، حيث تولى مسؤوليات في لجان التنمية الاقتصادية والشراكات الدولية. كان مراد يُروج لنفسه كـ"جسر بين المغرب وأوروبا"، يسعى لجذب الاستثمارات الإسبانية في الزراعة والسياحة. لكن خلف هذا الواجهة البراقة، بدأت تتسلل الشكوك: مصادر إعلامية كانت تتحدث عن "ثروات مشبوهة" مرتبطة بأنشطته في الخارج، وإن كانت هذه الشائعات كانت مجرد همسات في البداية.مسيرته السياسية لم تكن خالية من الجدل. في 2023، واجه انتقادات من معارضين في الحزب بسبب دعمه لمشاريع بناء فنادق فاخرة في المناطق الريفية، مما أثار تساؤلات حول مصادر التمويل. لكنه دائماً ما نفى ذلك، مشدداً على أن "التنمية لا تأتي إلا بالشراكات الدولية". ومع ذلك، كان مراد يقضي وقتاً طويلاً في إسبانيا، يدعي أنه لأغراض عملية، لكن التحقيقات الأخيرة كشفت أن هذه الرحلات كانت تغطية لأنشطة أخرى.تفاصيل التوقيف: لحظة الحقيقة في المطارمساء 8 نوفمبر 2025، هبطت الرحلة IB-3175 من ملقا، محملة بـ180 مسافراً. كان مراد واحداً منهم، يحمل جواز سفر مغربياً عادياً، ويبدو هادئاً كأي رجل أعمال عائد من اجتماع. لكن شرطة الحدود كانت تنتظره. بناءً على مذكرة بحث صادرة عن الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بفاس، ألقت القبض عليه فور الإنزال، وسط دهشة الركاب الآخرين. نقل إلى غرفة التحقيق في المطار، حيث استمر الاستجواب لساعات، قبل أن يُفرج عنه ليلة السبت 9 نوفمبر بعد تحقيق أولي، مع إغلاق الحدود عليه ومنعه من السفر.التهم الرئيسية: الاشتباه في "الاتجار الدولي في المخدرات" و"غسل الأموال". وفقاً لمصادر أمنية، كان مراد متوارياً عن الأنظار في إسبانيا لأشهر، بعد أن أبلغت السلطات المغربية عن تورطه في شبكة واسعة. التحقيقات الأولية كشفت عن تحويلات مالية مشبوهة إلى حسابات في بنوك أوروبية، واتصالات هاتفية مع أشخاص مرتبطين بتجار المخدرات في الريف المغربي. الحزب الأحرار أصدر بياناً ينفي أي تورط رسمي، لكنه أعلن تعليقه من المناصب حتى إثبات البراءة.هذا التوقيف لم يكن مفاجئاً تماماً للدائرة السياسية في فاس. كانت هناك شائعات عن علاقات مراد مع رجال أعمال إسبان، وفي السنوات الأخيرة، شهدت الجهة زيادة في عمليات ضبط المخدرات عبر الحدود. يُقال إن المدعي العام أمر بتوسيع التحقيق ليشمل شركاء آخرين، مما يجعل القضية قنبلة موقوتة في الانتخابات الجهوية المقبلة.تفاصيل شبكة المخدرات الدولية: خيوط الظلال تربط فاس بأوروباالشبكة التي يُشتبه في تورط مراد بها ليست مجرد عصابة محلية؛ إنها جزء من نظام دولي معقد يربط حقول الحشيش في الريف المغربي بأسواق أوروبا، خاصة إسبانيا وهولندا. وفقاً لتقارير الشرطة الجنائية، تعتمد هذه الشبكات على "الخلايا النائمة"، حيث يقوم سياسيون وتجار أعمال بدور الوسيط، مستغلين مناصبهم لتسهيل الشحنات عبر الموانئ والمطارات. في حالة مراد، يُعتقد أنه كان يدير "خط الإمداد" من ملقا، حيث يُخزن المخدرات في شاحنات زراعية قبل نقلها إلى المغرب أو العكس.التفاصيل المكشوفة حتى الآن تشير إلى أن الشبكة تضم عشرات الأفراد، بما في ذلك شرطيين فاسدين وتجار إسبان. في أكتوبر 2025، أفادت المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGSN) بضبط شحنة هيروين بقيمة 50 مليون يورو في ميناء الناظور، مرتبطة بنفس الشبكة. مراد، بحسب المحققين، كان يستخدم علاقاته الثقافية كغطاء للقاءات مع "الشركاء"، ويغسل الأموال عبر مشاريع وهمية في السياحة. هذه الشبكة ليست جديدة؛ منذ 2020، سجل المغرب أكثر من 200 عملية دولية، معظمها يتجاوز الـ10 كيلوغرامات من الكوكايين أو الحشيش.الارتباط السياسي يجعل الأمر أكثر خطورة. يُشاع أن مراد كان جزءاً من "شبكة الظليطة"، مجموعة تجمع بين المنتخبين والتجار، مستفيدة من ضعف الرقابة الجهوية. التحقيقات مستمرة، وقد تكشف عن تورط أكبر، خاصة مع تعاون الإنتربول. السياق الأوسع: تأثير التوقيف على السياسة الجهويةفي فاس-مكناس، الجهة التي تعاني من بطالة تصل إلى 15% وتدهور اقتصادي، يُنظر إلى مراد كرمز للفشل السياسي. الحزب الأحرار، الذي يسيطر على معظم المجالس، يواجه الآن موجة انتقادات، مع مطالب بإصلاحات داخلية. الرأي العام، الذي يتابع القضية عبر وسائل التواصل، يرى فيها دليلاً على "الفساد المؤسسي"، مما يعزز من حركات الاحتجاج مثل "جيل Z" التي اندلعت في 2024.فضائح سياسية أخرى في المغرب: سلسلة لا تنتهيليس توقيف مراد حدثاً معزولاً؛ إنه حلقة في سلسلة فضائح هزت المغرب في 2024-2025. أبرزها "فضيحة صفقة المياه"، حيث كشفت تحقيقات عن رشاوى بلغت 2 مليار درهم في عقود الري، تورط فيها مسؤولون في وزارة الداخلية وشركات أجنبية. أدت إلى اعتقال 12 شخصاً، وأثارت احتجاجات في الريف.ثم "تسريبات إلكترونية" في 2024، حيث سربت رسائل تكشف عن صفقات سرية بين برلمانيين ومستثمرين أتراك، مما أدى إلى استقالة وزيرين. كما شهدت هيئة النزاهة إصدار تقريرها الأول في أكتوبر 2024، يكشف عن تراجع المغرب في مؤشر الفساد إلى المرتبة 99 عالمياً، مع خسائر تصل إلى 25 مليار درهم سنوياً.في الصحة، انفجرت فضيحة "إهمال اللقاحات"، حيث توفي مئات الأطفال بسبب توزيع أدوية فاسدة، تورط فيها مسؤولون جهويون. وفي السياسة الخارجية، أثارت "حرب المخابرات" مع الجزائر جدلاً، مع تسريبات عن صفقات أسلحة مشبوهة. هذه الفضائح جميعها، من الرشوة إلى الجريمة المنظمة، تعكس نظاماً يحتاج إلى إصلاح جذري، حيث يطالب الشعب بمحاسبة حقيقية. الخاتمة: نحو مستقبل أنظف؟قضية يوسف مراد ليست نهاية، بل بداية لمواجهة الظلال في السياسة المغربية. مع تزايد الوعي الشعبي ودور الإعلام، قد تكون هذه الفضائح دافعاً لتغيير. لكن الطريق طويل، ويتطلب شجاعة سياسية لقطع الخيوط المتشابكة بين السلطة والجريمة. في النهاية، يبقى السؤال: هل سيتحول الغضب إلى إصلاح، أم سيظل المغرب أسيراً لدورة الفساد؟