الرواية مبنية على أحداث حقيقية من سجن تازمامرت، وهي شهادة على الصمود البشري في ظروف قاسية.
الجزء الأول: الثورة والخيانة (1971 - البداية الدامية)
في صيف عام 1971، كان المغرب تحت حكم الراحل الحسن الثاني، في فترة انتقالية بعد الاستقلال من الاستعمار الفرنسي والإسباني، مليئة بالتحديات السياسية والاجتماعية. سالم، شاب مغربي في العشرينيات من عمره، ابن لموظف قصري ذكي لكنه فاسد ومهمل، كان يعيش في طنجة، مدينة مليئة بالأحلام المفقودة والرياح الباردة من البحر المتوسط. أبوه، الذي كان يدور حول الوظيفة الرسمية كالدودة حول الفاكهة، ترك العائلة ليتبع حياة التقرب من المناصب، وهذا خلق في سالم كرهًا عميقًا تجاه النظام الاجتماعي. أمه، التي كانت رمز القوة والدفء في حياته، أصبحت الوحيدة التي يتعلق بها، لكن علاقته بها كانت مليئة بتوتر غامض، مزيج من الحنان والرغبة الممنوعة التي ستكشف نفسها لاحقًا.
سالم، الذي كان ضابطًا شابًا في الجيش، انضم إلى مجموعة ثورية سرية بسبب مزيج من الأفكار السياسية والانتقام الشخصي. كان يحلم بتغيير المغرب، لكنه في قرارة نفسه، كان يتخيل إطلاق النار على أبوه، الذي رمى العائلة في الفقر. في 10 يوليو 1971، يوم عيد ميلاد الملك الـ42، وقع الحدث الذي غير حياته إلى الأبد: محاولة انقلاب الصخيرات. ألف جندي، بما فيهم سالم، ركبوا شاحنات في منتصف الليل، ووصلوا إلى قصر الصخيرات قرب الرباط. الضباط الأكبر قالوا لهم: "ابحثوا عن الملك واقتلوه!" تلك الليالي كانت مليئة بالفوضى والدماء. حمل سالم سلاحه، لكنه لم يطلق رصاصة واحدة. رأى الجثث تتراكم: ضيوف الملك، حراس، ومدنيين بريئين، حوالي 100 قتيل في مذبحة دامت ساعات. نجا الملك بأعجوبة، وهذا جعل الاستجابة الرسمية شديدة الصرامة.
ما حدث بعد ذلك كان أسوأ: الجنود الذين شاركوا، حتى الذين لم يطلقوا رصاصة مثل سالم، اتهموا بالخيانة. تم اعتقالهم فورًا ونقلهم إلى سجن كنيطرة، سجن عادي لكنه مليء بالتحقيقات الشاقة. سالم، الذي كان يحلم بالحرية، أصبح يرى الجدران كأنها قبور مبكرة. في التحقيقات، اعترف بكل شيء، لكنه لم يعترف بالكره الشخصي لأبوه، الذي كان جزءًا من الدافع. أبوه، الذي سمع بالأمر، رفضه علنًا وقال: "أنت لست ابني!" هذا الرفض كسر سالم، لكنه جعله أقوى داخليًا. قضى شهورًا في قنيطرة، يسمع صرخات التعذيب ويحاول الحفاظ على عقله بالذكريات: ضحك أمه، ريح طنجة، وحتى أحلام الثورة التي فشلت.
الجزء الثاني: الجحيم تحت الأرض (1973 - وصول تازمامرت)
بعد سنتين، في ليلة من ليالي غشت الحارة كالفرن، في عام 1973، نقل 58 سجينًا من القنيطرة إلى مكان سري: سجن تازمامرت في قلب الصحراء المغربية، قرب زاكورة. هذا المكان كان سرًا مطلقًا، حتى العائلات لم يكن يعرفن أين ذهب أبناؤهن. الشاحنات رمَت السجناء في الرمال، ودخلوا زنازن تحت الأرض: غرف طولها 3 أمتار وعرضها 1.5 متر، لكن ارتفاعها 1.5 متر فقط، مما يعني أنهم لا يستطيعون الوقوف مستقيمين. كل زنزانة فيها فتحة هواء صغيرة وثقب في الأرض للقاذورات، ومليئة بالعقارب والقوارض. الظلام كامل، ليس غياب الضوء فحسب، بل غياب كل شيء بشري. الطعام كان قطعة خبز قديمة وكوباية ماء قهوة كل يوم، كافية ليعيشوا اليوم التالي فحسب، لا أكثر.
سالم، الذي لم يكن متدينًا قبل ذلك، أصبح يبحث عن معنى في الإسلام الصوفي. الزنزانة أصبحت قبرًا حيًا، والسجن كله كان كالجحيم الذي وصفه المتصوفة: اختبار للروح. الروتين كان يوميًا: صلاة في الظلام، حديث مع الجار في الزنزانة المجاورة (كريم، الذي كان يعمل "ساعة كلام" لتحديد الوقت)، ومحاولات للحفاظ على الجنون. كانوا يروون قصصًا: أحدهم يروي أفلام سينما كاملة من الذاكرة، وآخر يلعب ورقًا خياليًا، وثالث يقرأ القرآن من الذاكرة. سالم، الذي كان قوي الذاكرة، أصبح يروي قصصًا من طفولته، لكنه داخليًا، كان يحارب شياطينه: "الرجل الحكيم والمجنون" بذاخله، يتنازعان ليبعدا به عن نفسه.
الأيام أصبحت سنين، والسنين أصبحت عقودًا. الجوع لم يكن جسديًا فحسب، بل نفسيًا. وصف سالم الجوع كوحش يأكل الروح: "لفترة طويلة بحثت عن الحجر الأسود الذي يطهر الروح من الموت. لما أقول فترة طويلة، أقصد حفرة بلا قاع، نفقًا أحفره بأصابعي وأسناني، في أمل عنيد أن أرى، لو دقيقة واحدة فحسب، شعاع ضوء، شرارة تترسخ في عيني، تحميها في أحشائي كسر." لكن ذلك الضوء كان غائبًا، والظلام كان يأكل الجلد والعظام. فقدوا الوزن، والطول، وحتى الشعر. الليالي كانت أبدية، والأصوات الوحيدة: صراخ الذين يموتون، أو همس الصلاة.
الجزء الثالث: الموت والصمود (السنوات الوسطى - الانهيارات)
مع الوقت، بدأ الموت يزورهم كضيف دائم. 58 دخلوا، لكن 28 فحسب نجوا بعد 18 سنة. أحدهم مات وهو يحاول التخلص من الإمساك، فانفجر جسمه من الجهد. آخر قتل نفسه في قبر جير سريع، يحرق جسمه حيًا. ثالث أكلته الصراصير من الداخل، ورابع من الخارج. رأى سالم كل ذلك، لكنه نجا بفضل استراتيجياته: رفض الكره، لأن "الكره يأكل الإنسان من ذاخله، يهاجم المناعة، ويحطمه." كان يقول: "الكره لن يغير ما فعلوه، لكنه سيغيرني أنا." بدلًا من الكره، لجأ إلى الصوفية: تخيل رحلات في عقله، يسافر إلى القدس أو مكة، يرى أمه في أحلامه، لكن تلك الأحلام أصبحت مزيجًا من الحنان والرغبة المريضة، التي جعلت علاقته بها تبدو شبه محارمة.
كان السجن يلعب لعبة نفسية: الحراس، الذين كانوا بشرًا مثلهم، يعاملونهم كالحيوانات. "الكوماندار"، الذي كان رئيس السجن، أصبح رمزًا للشر، لكن السجناء اتحدوا ضده بالهمس والدعاء. كانوا يعزون الحكمة إلى الحيوانات: حمامة جاءت مرة، فأصبحوا يقولون إنها رسولة الله؛ كلب ينبح في الليل، أصبح ساعة الوقت؛ بومة تصرخ، علامة على الموت القادم. كان الجنون يقترب، لكن سالم يدفعه بعيدًا بالقصص. روى عن طفولته في طنجة، عن أبيه الذي باع العائلة للمناصب، وعن أمه التي كانت تغني له أغاني بربرية. لكن مع السنين، أصبحت الذكريات مشوشة: هل كان يحب أمه حقًا، أم أن الكره لأبيه هو الذي جعله يراها كإلهة؟
في الفصل 11، الذي هو قمة الرواية، يواجه سالم غياب الضوء بشكل فلسفي: الضوء ليس الشمس فحسب، بل الإيمان، والذاكرة، والحرية. يصف الظلام كقبر يدور فيه الزمن في حلقة، والحياة خارج كحلم بعيد. ينتهي الفصل بصورة مرعبة: جثة سجين يأكلها الديدان، رمز للانهيار الكامل. لكن سالم يقاوم، ويقول: "الروح لا تموت في الظلام، بل تنير نفسها."
الجزء الرابع: الخلاص والندوب (1991 - النهاية المرة)
بعد 13 سنة، اكتشف العالم تازمامرت بفضل حملات حقوقية دولية. صحفيون وناشطون ضغطوا على الحكومة المغربية، وفي عام 1991، أُغلق السجن. خرج 28 سجينًا، معظمهم فقدوا سنتيمترات من طولهم، وأجسامهم منحنية كالأشجار في الصحراء. سالم، بعد 18 سنة، خرج إلى العالم الذي تغير: كان المغرب يشهد تطورات في السياسة الداخلية، والضغط الدولي ساهم في بعض الإصلاحات. حذرتهم الحكومة: "لا تتكلموا مع الصحافة الغربية." لكن سالم، الذي أصبح كاتبًا داخليًا، روى قصته للعالم من خلال طاهر بن جلون.
لم يكن الخروج فرحًا: دخل سالم غرفة فسيحة بسرير ناعم، لكن الضوء الأبيض أعمى عينيه. كانت الندوب أعمق: فقدان الأسرة (أمه ماتت في الانتظار)، والشك في نفسه (هل كان ثوريًا حقيقيًا، أم مجرمًا ينتقم؟). تنتهي الرواية بتأمل: كان المغرب يواجه تحديات، لكن الصمود البشري هو الضوء الوحيد في ذلك الغياب.
الخاتمة: الرسالة والتأثير
"غياب الضوء الأعمى" ليست قصة بطولة، بل شهادة على الشر الذي يصنعه الإنسان لأخيه. الطاهر بن جلون، الذي فاز بجائزة غونكور Le prix Goncourt، استخدم اللغة العربية الغنية مع لمسات فرنسية ليوصلها إلى العالم. القصة الحقيقية مبنية على شهادة عزيز بنبين Aziz Binebine ، الذي عاش ذلك الجحيم، وهذا جعلها مشهورة عند العامة في المغرب والعالم العربي، خاصة بعد الثورات العربية التي ذكرت تازمامرت كرمز للقمع والصمود. الليالي التي قضاها سالم في الظلام علمته أن "الضوء ليس في الشمس، بل في الروح التي ترفض الاستسلام." القصة مشوقة لأنها مزيج من الرعب والأمل، والحقيقة التي تكشف جراح المغرب العميقة، مع التركيز على القوة الإنسانية.