فضيحة "الألعاب الإلكترونية": كيف حوّل وزير الثقافة منصبه إلى أداة لمصالح خاصة؟في أروقة السياسة المغربية، حيث تتداخل السلطة مع المصالح الخاصة، تبرز فضيحة جديدة تهز أركان وزارة الشباب والثقافة والتواصل. هذه المرة، يقف في قلب العاصفة محمد المهدي بنسعيد، الوزير الذي تولى منصبه في حكومة عزيز أخنوش منذ عام 2021، ويُتهم اليوم بتحويل اختصاصات الوزارة إلى أداة لتفصيل السياسات العامة على مقاس شركات وأطراف مرتبطة به شخصيًا، تحت غطاء براق يُدعى "تطوير صناعة الألعاب الإلكترونية". ما بدأ كمبادرة حكومية واعدة لدعم الاقتصاد الرقمي، تحول إلى ملف فساد يثير تساؤلات حول نزاهة الإدارة العمومية، خاصة في ظل الزوبعات السابقة التي طالت الوزير، مثل اتهامه بخصخصة 50 مليار سنتيم من أموال الدولة في صفقات أخرى. في هذا المقال، نغوص في تفاصيل هذه الفضيحة، مستعرضين الخلفية، الاتهامات، الجوانب المالية، والردود السياسية، لنكشف كيف أصبحت "الألعاب" لعبةً سياسية خطيرة.خلفية الصناعة: من الترفيه إلى الاقتصاد الرقمي... أم غطاء للفساد؟صناعة الألعاب الإلكترونية ليست جديدة على العالم، حيث بلغ حجمها العالمي أكثر من 180 مليار دولار في 2024، وفقًا لتقارير منظمة "نيو زو" المتخصصة. في المغرب، كانت هذه الصناعة نائمة نسبيًا، مع وجود شركتين فقط مسجلتين رسميًا، قبل أن يأتي بنسعيد ليعلن عن "استراتيجية وطنية" لتطويرها في إطار رؤية المغرب الرقمي 2030. الهدف المعلن: خلق آلاف الوظائف، تدريب الشباب، وجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة في مجالات مثل "كلود غيمينغ" (الألعاب السحابية) والواقع الافتراضي.لكن الواقع يختلف. وفقًا لتقارير إعلامية، لا توجد بنية تحتية حقيقية تدعم هذه الصناعة في المغرب، ومع ذلك، أطلقت الوزارة سلسلة من الاتفاقيات والمشاريع التي تبدو مصممة لصالح أطراف محددة. هنا يبرز الدور الرئيسي لبني سعيد، الذي يُعتبر من الوجوه الشابة في الحكومة، لكنه يواجه اتهامات متكررة بالفساد منذ توليه المنصب. في السابق، أثارت صفقاته في قطاع الثقافة والرياضة شبهات، مثل منح عقود لشركات غير مؤهلة، وهذه الفضيحة الجديدة تأتي لتكمل السلسلة، محولةً الوزارة إلى "بنك استثماري" خاص.قلب الفضيحة: المرسوم "الغامض" وتعديل الاختصاصاتالشرارة الأولى للفضيحة اندلعت في أبريل 2025، عندما قدم بنسعيد وثيقةً إلى مجلس الحكومة بعنوان مرسوم رقم 11-24-02، يقضي بتعديل المادة الأولى من مرسوم سابق لإضافة اختصاص جديد لوزارته: "إعداد مخططات لتطوير مجال صناعة الألعاب الإلكترونية، والرياضات والأنشطة المرتبطة بها". مر التعديل مرور الكرام، دون نقاش عام أو دراسة تأثيرية، مما أثار تساؤلات حول سرعة الإجراءات. في غضون أيام قليلة، في 16 أبريل 2025، سافر الوزير إلى مراكش لتوقيع اتفاقية شراكة مع شركة "وان كلود" (OneCloud)، على هامش معرض "جيتكس إفريقيا"، مستفيدًا من الاختصاص الجديد مباشرة.الأطراف المعنية تشمل:
- شركة وان كلود: شريك رئيسي في المشروع، مرتبطة بتطوير حلول "كلود غيمينغ".
- شركتان مغربيتان: إحداهما ملكًا لشخص له "علاقة خاصة" بالوزير، مما يشير إلى تضارب مصالح واضح.
- شركة الرباط للتهيئة: المستفيدة الرئيسية من التمويل الحكومي لإنشاء قطب تكنولوجي في منطقة يعقوب المنصور بالرباط، وهي الدائرة الانتخابية لبني سعيد نفسه.
- قطاعات أخرى: التعليم العالي والتكوين المهني، اللواتي وقعتا اتفاقيات لتدريب "جيل من التقنيين"، بالإضافة إلى جماعات ترابية في الرباط والبيضاء لتوفير موارد إضافية.
- تضارب المصالح: تداول معلومات داخلية حول مزايا الاستثمار في الصناعة، مما سمح لشركات مرتبطة بالوزير بالتقدم على المنافسين.
- استغلال النفوذ: تغيير المرسوم لنقل اختصاصات من وزارة الصناعة إلى وزارة الثقافة، مما يتيح صفقات حصرية دون مناقصة عامة.
- عدم الشفافية: تنظيم تظاهرات وورشات تكوينية بسخاء من المال العام، دون إدراجها في برنامج حكومي رسمي أو سياسة عمومية.