قضية قصر الـ16 مليار في بوسكورة: من الحلم السياحي إلى الأنقاض في يوم واحد
قضية قصر 16 مليار في المغرب: بين الفخامة المعمارية والصراع القانوني
في أحياء الدار البيضاء النابضة بالحياة، حيث تتلاقى الطموحات الاقتصادية مع التحديات الإدارية، أصبحت منطقة بوسكورة محوراً لأحد أبرز الجدل الذي هز الرأي العام المغربي في نوفمبر 2025. هناك، في ضواحي المدينة الاقتصادية، يقع ما كان يُعرف بـ"قصر الضيافة"، أو كما أطلق عليه السكان المحليون "الكريملين"، نسبة إلى فخامته الرومانسية التي تذكر بقصور موسكو. هذا المشروع السياحي الضخم، الذي بلغت تكلفته الاستثمارية نحو 16 مليار سنتيم مغربي (أي ما يعادل حوالي 1.6 مليون دولار أمريكي)، لم يكن مجرد بناء معماري، بل رمزاً للطموح الاستثماري الذي تحول إلى قضية قانونية معقدة، تكشف عن ثغرات في نظام التعمير والرخص البنائية بالمملكة. في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل هذه القضية، من بداياتها إلى تطوراتها الأخيرة، مروراً بتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، مع التركيز على الجوانب القانونية والسياسية التي جعلتها حديث الساعة.خلفية المشروع: حلم سياحي يتحول إلى واقع فاخربدأت قصة "قصر الضيافة" في عام 2020، عندما حصل المستثمر حسن الأطلس، رجل أعمال مغربي معروف في قطاع السياحة والخيول، على رخصة بناء أولية من جماعة بوسكورة. كانت الرخصة الأصلية مخصصة لبناء فيلا صغيرة على قطعة أرض فلاحية مساحتها حوالي 50 متراً مربعاً، لكن الطموح كان أكبر. مع مرور الوقت، طلب الأطلس تعديلات على التصميم، محولاً المشروع إلى قصر ضيافة فاخر يشمل قاعات حفلات واسعة، مركزاً لعرض الخيول، ومناطق مخصصة للأعراس التقليدية المغربية مثل "التبوريدة" بالخيول. استغرق البناء خمس سنوات كاملة، وشهد مراحل متعددة من التراخيص الإضافية، بما في ذلك رخصة للسور الخارجي وأخرى للأنشطة السياحية.وفقاً لتصريحات الأطلس نفسه في مقابلات إعلامية، بلغت التكلفة الإجمالية 16 مليار سنتيم، تمويلها من خلال استثمارات شخصية وشراكات مع مستثمرين محليين. كان القصر مصمماً بأسلوب معماري مستوحى من القصور الرومانية والروسية، مع أعمدة رخامية شاهقة، حدائق داخلية خضراء، ومرافق تتسع لمئات الزوار. كان المشروع يُعد فرصة لتعزيز السياحة المحلية في بوسكورة، منطقة تُعاني من نقص في البنى التحتية الترفيهية رغم قربها من الدار البيضاء. ومع ذلك، أثار البناء تساؤلات منذ البداية؛ فالأرض المعنية جزء من عقار مشاع يعود ملكيته جزئياً إلى برلماني محلي يُدعى محمد مبديع، القيادي السابق في حزب الحركة الشعبية، الذي يُحاكم حالياً في قضايا أخرى بالسجن المحلي بعين السبع. هذا الارتباط أضاف طبقة من الغموض، حيث نفت جهات الدفاع أي تورط مباشر، لكن الشائعات انتشرت بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي.في سياق أوسع، يأتي هذا المشروع ضمن موجة الاستثمارات السياحية في المغرب، الذي يسعى لتحقيق هدف 26 مليون سائح بحلول 2030 وفقاً لاستراتيجية "مغرب السياحة 2020-2030". بوسكورة، كجزء من إقليم النواصر، كانت مرشحة لتكون مركزاً للسياحة الفاخرة، مع مشاريع مشابهة مثل فنادق الخمس نجوم والمنتجعات. ومع ذلك، كشفت القضية عن تناقضات في تطبيق قوانين التعمير، خاصة في المناطق ذات الطابع الفلاحي التي تحولت تدريجياً إلى حضرية دون تخطيط كافٍ.
التطورات القانونية: من الرخص إلى قرار الهدم المفاجئالنقطة الحاسمة في القضية جاءت في 13 نوفمبر 2025، عندما شرعت السلطات المحلية، بقيادة عامل إقليم النواصر جلال بنحيون، في عملية هدم واسعة النطاق للقصر. كانت الجرافات قد وصلت صباح ذلك اليوم، محولةً التحفة المعمارية إلى أنقاض في غضون ساعات. السبب الرسمي: مخالفات جسيمة في التعمير، بما في ذلك عدم مطابقة الرخص الأصلية للواقع المبني، تجاوزات على الأرض المشاع، واستخدام أرض فلاحية لأغراض سياحية دون تصريح استثنائي. وفقاً لتقارير لجنة التفتيش التابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية، تم سحب رخصة البناء في عام 2022، لكن الأشغال استمرت سراً، مما يشير إلى تقصير في المراقبة من قبل السلطات المحلية.ما أثار الجدل أكثر هو طريقة الإخطار: أبلغ قائد منطقة مكناسة التابعة لجماعة بوسكورة المستثمر عبر تطبيق "واتساب"، بدلاً من الإجراءات الرسمية التي تتطلب إشعاراً مكتوباً وتعليقاً على الباب وفقاً للقانون التنظيمي للتعمير (القانون 12-90). رد الأطلس بغضب، مؤكداً أنه حصل على حكم ابتدائي من المحكمة الإدارية بالدار البيضاء يوقف سحب الرخصة، وأن الملف لا يزال قيد التقاضي. في ندوة صحفية عقدها محاميه محمد كفيل يوم 16 نوفمبر، وصف الدفاع العملية بـ"الشطط في استعمال السلطة"، مشدداً على أن القصر شُيِّد برخص قانونية سليمة، وأن الهدم تم "بدون تبليغ قانوني"، مما يجعله باطلاً. كما نفى الدفاع أي علاقة بالبرلماني مبديع، معتبراً الشائعات محاولة لتشويه السمعة.من الناحية القانونية، يعتمد قرار الهدم على المادة 37 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، التي تسمح بالهدم الفوري في حال التجاوزات الجسيمة. ومع ذلك، يرى خبراء في التعمير، مثل الخبير المستقل الذي تحدث لـ"هسبريس"، أن العملية تفتقر إلى الشفافية، وتتطلب تحقيقاً إدارياً لتحديد مسؤوليات الجهات التي سمحت بالبناء لسنوات. في 17 نوفمبر، استكملت السلطات هدم ما تبقى من البناية الثانية، مما يعني خسارة كاملة للاستثمار، وفتح الباب لدعاوى قضائية محتملة قد تمتد لأشهر.التداعيات الإدارية والسياسية: سقوط رؤوس وتحقيقات مفتوحةلم تقتصر التداعيات على المستثمر وحده؛ فقد أدت القضية إلى زلزال إداري هز إقليم النواصر. في 14 نوفمبر، أصدر العامل بنحيون قراراً بتوقيف باشا بوسكورة عن مهامه، وإلحاقه بالعمالة دون مهمة، مع تكليف إبراهيم العنتري بالنيابة. السبب: شبهات في "اختلالات" في تنفيذ القانون، وتقصير في زجر المخالفات. هذا القرار يأتي في سياق حملة مكثفة لهدم البنايات العشوائية في بوسكورة منذ عام، والتي أسقطت سابقاً رئيس الجماعة السابق بوشعيب طه وثلاثة من نوابه عبر أحكام قضائية.التحقيقات الآن تشمل منتخبين محليين، أقارب مستشارين، ومسؤولين ترابيين، مع تسريبات تشير إلى تورط في صفقات أراضي مشبوهة. وزير الداخلية، في تصريح حديث، شدد على متابعة "المتطاولين على أراضي الجماعات"، مما يربط القضية بجهود مكافحة الفساد العقاري. على وسائل التواصل، انقسم الرأي: بعضهم يرى في الهدم انتصاراً للقانون، بينما يتعاطف آخرون مع الأطلس، متسائلين "أين كانت السلطات أثناء السنوات الست؟"، ومتهمين بـ"الازدواجية" في تطبيق القانون، حيث تبقى مبانٍ أخرى غير مهدومة رغم مخالفاتها.الآثار الاقتصادية والاجتماعية: خسارة فرص ودروس للمستقبلاقتصادياً، تمثل القضية ضربة لقطاع السياحة في بوسكورة، الذي كان يعول على مثل هذه المشاريع لخلق عشرات الوظائف وجذب السياح. الـ16 مليار سنتيم تبخرت، مع تقارير عن نهب للمواد أثناء الهدم، مما يفاقم الخسائر. على المستوى الوطني، تكشف عن مخاطر الاستثمار في غياب ضمانات قانونية، مما قد يردع المستثمرين الأجانب في ظل تصنيف المغرب كوجهة استثمارية ناجحة (رتبة 53 عالمياً في سهولة الأعمال حسب البنك الدولي 2024).اجتماعياً، أثارت القضية نقاشاً حول العدالة؛ فالسكان يرون فيها دليلاً على فساد النفوذ، بينما يدعو الخبراء إلى تعزيز الشفافية في منح الرخص عبر منصات إلكترونية، وتدريب الإدارات المحلية. كما أنها تسلط الضوء على مشكلة التحضر غير المنظم في ضواحي الدار البيضاء، حيث ينتشر البناء العشوائي منذ التسعينيات.الخاتمة: نحو إصلاحات تعميرية أكثر عدلاًقضية قصر 16 مليار ليست مجرد هدم لبناية؛ إنها مرآة لتحديات المغرب في التوفيق بين التنمية الاقتصادية والالتزام بالقانون. مع استمرار التقاضي، يأمل الرأي العام في حكم نهائي يعيد الثقة في النظام القضائي. في النهاية، قد تكون هذه القضية دافعاً لإصلاحات جذرية، تضمن أن يصبح الاستثمار في المغرب آمناً وشفافاً، بعيداً عن الشطط والفساد. فالقانون فوق الجميع، لكن تطبيقه يجب أن يكون عادلاً للجميع.
التطورات القانونية: من الرخص إلى قرار الهدم المفاجئالنقطة الحاسمة في القضية جاءت في 13 نوفمبر 2025، عندما شرعت السلطات المحلية، بقيادة عامل إقليم النواصر جلال بنحيون، في عملية هدم واسعة النطاق للقصر. كانت الجرافات قد وصلت صباح ذلك اليوم، محولةً التحفة المعمارية إلى أنقاض في غضون ساعات. السبب الرسمي: مخالفات جسيمة في التعمير، بما في ذلك عدم مطابقة الرخص الأصلية للواقع المبني، تجاوزات على الأرض المشاع، واستخدام أرض فلاحية لأغراض سياحية دون تصريح استثنائي. وفقاً لتقارير لجنة التفتيش التابعة للمفتشية العامة للإدارة الترابية، تم سحب رخصة البناء في عام 2022، لكن الأشغال استمرت سراً، مما يشير إلى تقصير في المراقبة من قبل السلطات المحلية.ما أثار الجدل أكثر هو طريقة الإخطار: أبلغ قائد منطقة مكناسة التابعة لجماعة بوسكورة المستثمر عبر تطبيق "واتساب"، بدلاً من الإجراءات الرسمية التي تتطلب إشعاراً مكتوباً وتعليقاً على الباب وفقاً للقانون التنظيمي للتعمير (القانون 12-90). رد الأطلس بغضب، مؤكداً أنه حصل على حكم ابتدائي من المحكمة الإدارية بالدار البيضاء يوقف سحب الرخصة، وأن الملف لا يزال قيد التقاضي. في ندوة صحفية عقدها محاميه محمد كفيل يوم 16 نوفمبر، وصف الدفاع العملية بـ"الشطط في استعمال السلطة"، مشدداً على أن القصر شُيِّد برخص قانونية سليمة، وأن الهدم تم "بدون تبليغ قانوني"، مما يجعله باطلاً. كما نفى الدفاع أي علاقة بالبرلماني مبديع، معتبراً الشائعات محاولة لتشويه السمعة.من الناحية القانونية، يعتمد قرار الهدم على المادة 37 من القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، التي تسمح بالهدم الفوري في حال التجاوزات الجسيمة. ومع ذلك، يرى خبراء في التعمير، مثل الخبير المستقل الذي تحدث لـ"هسبريس"، أن العملية تفتقر إلى الشفافية، وتتطلب تحقيقاً إدارياً لتحديد مسؤوليات الجهات التي سمحت بالبناء لسنوات. في 17 نوفمبر، استكملت السلطات هدم ما تبقى من البناية الثانية، مما يعني خسارة كاملة للاستثمار، وفتح الباب لدعاوى قضائية محتملة قد تمتد لأشهر.التداعيات الإدارية والسياسية: سقوط رؤوس وتحقيقات مفتوحةلم تقتصر التداعيات على المستثمر وحده؛ فقد أدت القضية إلى زلزال إداري هز إقليم النواصر. في 14 نوفمبر، أصدر العامل بنحيون قراراً بتوقيف باشا بوسكورة عن مهامه، وإلحاقه بالعمالة دون مهمة، مع تكليف إبراهيم العنتري بالنيابة. السبب: شبهات في "اختلالات" في تنفيذ القانون، وتقصير في زجر المخالفات. هذا القرار يأتي في سياق حملة مكثفة لهدم البنايات العشوائية في بوسكورة منذ عام، والتي أسقطت سابقاً رئيس الجماعة السابق بوشعيب طه وثلاثة من نوابه عبر أحكام قضائية.التحقيقات الآن تشمل منتخبين محليين، أقارب مستشارين، ومسؤولين ترابيين، مع تسريبات تشير إلى تورط في صفقات أراضي مشبوهة. وزير الداخلية، في تصريح حديث، شدد على متابعة "المتطاولين على أراضي الجماعات"، مما يربط القضية بجهود مكافحة الفساد العقاري. على وسائل التواصل، انقسم الرأي: بعضهم يرى في الهدم انتصاراً للقانون، بينما يتعاطف آخرون مع الأطلس، متسائلين "أين كانت السلطات أثناء السنوات الست؟"، ومتهمين بـ"الازدواجية" في تطبيق القانون، حيث تبقى مبانٍ أخرى غير مهدومة رغم مخالفاتها.الآثار الاقتصادية والاجتماعية: خسارة فرص ودروس للمستقبلاقتصادياً، تمثل القضية ضربة لقطاع السياحة في بوسكورة، الذي كان يعول على مثل هذه المشاريع لخلق عشرات الوظائف وجذب السياح. الـ16 مليار سنتيم تبخرت، مع تقارير عن نهب للمواد أثناء الهدم، مما يفاقم الخسائر. على المستوى الوطني، تكشف عن مخاطر الاستثمار في غياب ضمانات قانونية، مما قد يردع المستثمرين الأجانب في ظل تصنيف المغرب كوجهة استثمارية ناجحة (رتبة 53 عالمياً في سهولة الأعمال حسب البنك الدولي 2024).اجتماعياً، أثارت القضية نقاشاً حول العدالة؛ فالسكان يرون فيها دليلاً على فساد النفوذ، بينما يدعو الخبراء إلى تعزيز الشفافية في منح الرخص عبر منصات إلكترونية، وتدريب الإدارات المحلية. كما أنها تسلط الضوء على مشكلة التحضر غير المنظم في ضواحي الدار البيضاء، حيث ينتشر البناء العشوائي منذ التسعينيات.الخاتمة: نحو إصلاحات تعميرية أكثر عدلاًقضية قصر 16 مليار ليست مجرد هدم لبناية؛ إنها مرآة لتحديات المغرب في التوفيق بين التنمية الاقتصادية والالتزام بالقانون. مع استمرار التقاضي، يأمل الرأي العام في حكم نهائي يعيد الثقة في النظام القضائي. في النهاية، قد تكون هذه القضية دافعاً لإصلاحات جذرية، تضمن أن يصبح الاستثمار في المغرب آمناً وشفافاً، بعيداً عن الشطط والفساد. فالقانون فوق الجميع، لكن تطبيقه يجب أن يكون عادلاً للجميع.