زكرياء بلقاضي السكوادرا قائد المدرج الجنوبي وروح الرجاء البيضاوي
زكرياء بلقاضي السكوادرا قائد الكورفا سود
في عالم كرة القدم حيث تتحول المباريات الى ملاحم شعبية تجمع بين الشغف والعواطف الجياشة يبرز دور الجماهير كعامل حاسم في صنع النجاحات وتشكيل الهوية الرياضية. وفي المغرب لا يمثل ذلك الدور اكثر وضوحا منه في مدرجات نادي الرجاء الرياضي البيضاوي الذي يُعرف بـالنسور ويُعتبر رمزا للانتماء الشعبي العميق. هناك في قلب مركب محمد الخامس يقع المدرج الجنوبي المعروف باسم الكورفاسود او الماغانا حيث ينبض قلب التشجيع الرجاوي بإيقاع يفوق حدود الملعب. وفي هذا المدرج برز اسم زكرياء بلقاضي الملقب بالسكوادرا كقائد روحي يُشبه المايسترو الذي يوجه الجوقة بيد من حديد وقلب من نار. قصة اختفائه المؤقت عن هذه المدرجات ثم عودته في احداث 2025 ليست مجرد حكاية شخصية بل هي مرآة تعكس تعقيدات ثقافة التشجيع المغربي وتحدياته وامكانياته في التوحيد والتجدد.لنبدأ بالعودة الى جذور هذه الظاهرة. نشأت ثقافة الألتراس في المغرب في اواخر التسعينيات كاستجابة لتأثيرات أوروبية خاصة من إيطاليا وفرنسا حيث تحولت الجماهير من مجرد متفرجين الى فصائل منظمة تمتلك هويتها الخاصة وأساليبها في التعبير عن الولاء. في حالة الرجاء البيضاوي كانت البداية مع مجموعة غرين بويز التي تأسست رسميا في 21 يونيو 2005 على يد مجموعة من الشباب المتحمسين الذين اجتمعوا في الملعب وخارجه ليضعوا أسسا لتشجيع يعتمد على الهتافات المنسقة والأنيماسيونات البصرية والأغاني الجماعية. كانت غرين بويز امتدادا طبيعيا لروح الرجاء التي تجسدت في السبعينيات والثمانينيات مع جماهير تُدعى الماكانا وهي كلمة مغربية تعني الماكرين او الذين يخدعون الخصوم بذكائهم. سرعان ما سيطرت غرين بويز على المدرج الجنوبي خاصة باب 13 الذي أصبح مركز الطاقة الرجاوية حيث يتردد صدى الهتافات الى أبعد الحدود.لم تكن غرين بويز وحدها في الساحة ففي 6 يونيو 2006 ظهرت مجموعة ألتراس إيغلز كفصيلة منافسة داخل الجماهير الرجاوية نفسها. كانت إيغلز أكثر تركيزا على الجوانب البصرية والأنيماسيونات الكبرى مستوحاة من نماذج أوروبية مثل كورفا سود في روما وهي أول مجموعة ألتراس في إيطاليا. تأسست إيغلز على يد شباب يسعون لإضافة لمسة احترافية للتشجيع وسرعان ما أحدثت أول أنيماسيون في الملعب المغربي في 24 يونيو 2006 مما جعل الرجاء يلفت الانظار عالميا. كانت هذه المجموعتان تكملان بعضهما في البداية حيث ساهمتا في تعزيز حضور الرجاء في البطولات القارية مثل كأس الاتحاد الأفريقي للأندية الأبطال الذي فازه به الفريق في 2011. ومع ذلك سرعان ما تحول التنافس الى خلافات داخلية حول السيطرة على المقاعد والقيادة مما أدى الى توترات متكررة خاصة في 2016 مع حدث يُعرف بالسبت الأسود في 19 مارس حيث اندلعت مواجهات بين الفصيلتين أدت الى إصابات وتدخل الشرطة. هذه الخلافات ليست نادرة في عالم الألتراس حيث يُعتبر التنظيم الداخلي أمرا حاسما للحفاظ على الروح الجماعية لكنها في حالة الرجاء أثرت على جودة التشجيع وأدت الى فترات من الفراغ.في وسط هذا السياق برز زكرياء بلقاضي كشخصية محورية تجمع بين الولاء والقيادة. ولد بلقاضي حوالي عام 1980 في حي شعبي بالدار البيضاء وكان منذ الصغر معجبا بالرجاء الذي يُعتبر نادي الشعب بامتياز. نشأ في بيئة تعج بالقصص عن إنجازات النسور في السبعينيات حيث فازوا ببطولات محلية وقارية وكان الملعب مكانا للترفيه والتعبير عن الهوية المغربية. التحق بلقاضي بالجماهير الرجاوية في أواخر التسعينيات وكان أحد الأعضاء الأوائل في كليك سيلتيك الذي سبق غرين بويز وكان نواة لها. بفضل حماسته وحضوره الدائم في المباريات أصبح في 2012 قائدا لفصيلة غرين بويز حيث تولى لقب الكابو وهو مصطلح إيطالي يعني القائد ويُشير الى الشخص الذي يقود الإيقاع بالطبل والرقصة الجماعية. لقبه السكوادرا مستمد من كلمة إيطالية تعني الفريق أو التشكيلة وجاء ذلك بعد فيديو شهير له يرقص بأسلوب يذكر بقادة الألتراس الأوروبيين مما جعله ينتشر عالميا ويُقارن بكوريا سود.كانت إنجازات السكوادرا متعددة ومؤثرة. في موسم 2012-2013 قاد هتافات ألهبت الجماهير خلال مواجهات قارية ضد أندية أفريقية كبيرة مما ساهم في فوز الرجاء بكأس الاتحاد. وفي 2013 خلال مباراة الديربي ضد الوداد الرياضي أدى رقصة جماعية مع الجماهير أدت الى إيقاف المباراة لدقائق بسبب الحماس الزائد مما أصبح حديث الإعلام المغربي والعربي. انتقل تأثيره الى المستوى العالمي عندما تمت دعوته لمهرجانات ألتراس في أوروبا حيث تعلم تقنيات جديدة في الإنارة والأعلام العملاقة وأدخلها الى المدرج الجنوبي. كما ساهم في حملات اجتماعية مثل جمع التبرعات لأسر الشهداء الرياضيين ومكافحة الشغب داخل الجماهير مما جعله ليس مجرد قائد بل رمزا أخلاقيا. في مقابلة له عام 2014 قال السكوادرا "الجماهير هي اللاعب الحادي عشر لكنها أيضا اللاعب الأول فبدونها يفقد الفريق روحه" وهذا التصريح يلخص فلسفته في التشجيع كعمل جماعي يتجاوز الرياضة.ومع ذلك لم تكن مسيرة السكوادرا خالية من التحديات. في 2013 وقع اعتقاله بتهمة الشغب خلال مباراة ضد الجيش الملكي حيث اتهم بإثارة التوتر رغم أنه كان يحاول تهدئة الجماهير. قضى شهورا في السجن مما أثار حملة تضامنية كبيرة من الرجاويين الذين رفعوا لافتات "الحرية للسكوادرا" في كل مباراة. خرج في 2014 لكنه عاد الى السجن في 2016 بتهمة مشابهة بعد اندلاع اشتباكات في ديربي الدار البيضاوي. هذه الفترات السجنية لم تكسر روحه بل عززت من أسطورته حيث كتب رسائل من داخل السجن تنادي بالسلام بين الفصائل وتوحيد الصفوف. في 2018 حصل على عفو ملكي جزئي مما سمح له بالعودة الى المدرج لكنه واجه انتقادات من بعض الأطراف التي اتهمته بتعزيز العنف رغم أن معظم الروايات تؤكد دوره في منع التصعيد. هذه التحديات تعكس التوتر بين السلطات والجماهير في المغرب حيث يُنظر الى الألتراس أحيانا كتهديد أمني بينما هم في الواقع تعبير عن حرية التعبير الشعبي.أما الخلافات الداخلية فكانت الجرح الأعمق. بين غرين بويز وإيغلز كانت الخلافات تتمحور حول توزيع المقاعد في المدرج الجنوبي حيث تسيطر غرين بويز تاريخيا على باب 13 بينما تسعى إيغلز لاقتسام المناطق لضمان تمثيل أوسع. في 2024 بلغ التوتر ذروته مع رفض غرين بويز اقتراح تعيين كابو مشترك مما أدى الى انسحاب جزئي لأعضاء من إيغلز وتراجع في جودة التشجيع. كقائد لغرين بويز شعر السكوادرا بالمسؤولية الكاملة فاختار الانسحاب الطوعي من المدرجات في صيف 2024 لتجنب الفتنة قائلا في بيان نادر "لا أريد أن أكون سببا في انقسام عائلتي الرجاوية". هذا الاختفاء أثر بشدة على الجماهير حيث فقدت المباريات طابعها الحماسي وأصبح التشجيع روتينيا خاصة بعد فوز الرجاء بالدوري في موسم 2024-2025. كانت المباريات ضد الوداد والجيش الملكي تشهد حضورا أقل وهتافات أضعف مما أثار نقاشات على وسائل التواصل حول "فقدان الروح الرجاوية".جاءت العودة كبلسم للجراح في 20 سبتمبر 2025 عندما أعلن نادي الرجاء رسميا اتفاقا بين الفصيلتين يعيد السكوادرا الى قيادة الكورفاسود ماغانا. كان الاتفاق نتيجة جلسات توفيقية بوساطة مسؤولي النادي وشيوخ الجماهير ويهدف الى توحيد الإيقاع وضمان الانسجام قبل ديربي الجولة الثانية ضد الجيش الملكي. استقبلت الجماهير الخبر بحرارة ففي غضون ساعات انتشرت فيديوهات للسكوادرا يرقص في تمرين خاص مع اللاعبين وهتافات "عودة الكابو" ترددت في الشوارع البيضاوية. في أول مباراة بعد العودة وهي ضد اتحاد طنجة في أكتوبر 2025 أدى السكوادرا أنيماسيونا عملاقا يحمل شعار النسور مما أعاد الحيوية الى المدرج وأدى الى فوز الفريق بهدفين نظيفين. وفي نوفمبر 2025 مع اقتراب كأس العرش أصبحت المدرجات أكثر تنظيما مع حملات مشتركة بين غرين بويز وإيغلز لجمع التمويل للأعلام والألعاب النارية.هذه العودة ليست نهاية بل بداية لمرحلة جديدة. فقد أدت الى انخفاض الشغب بنسبة ملحوظة وفق تصريحات الاتحاد المغربي لكرة القدم وزادت من حضور النساء والأطفال في المباريات مما يعكس نضج الجماهير. كما أن السكوادرا أطلق حملة "رجاء واحد" على وسائل التواصل لتشجيع الشباب على الابتعاد عن العنف والتركيز على الإبداع. في الختام يُعد زكرياء بلقاضي السكوادرا اكثر من مجرد قائد هو رمز للصمود والتوحيد في وجه التحديات. قصته تذكرنا بأن الجماهير ليست مجرد أصوات بل قوة تشكل التاريخ الرياضي وتُعيد بناء الروابط الاجتماعية. مع عودته في 2025 يبدو أن الرجاء البيضاوي على أعتاب عصر ذهبي جديد حيث يعود النبض الى قلب الماغانا ويستمر النسور في الطيران عاليا بفضل أبنائه الذين لا يعرفون الاستسلام.