كشف ملفات الفساد بجهة الرباط سلا القنيطرة: اعتقالات مسؤولين وخسائر مالية هائلة في التعمير والإدارة
السياق العام لموجة الفساد في جهة الرباط سلا القنيطرة خلال 2025
تُعد جهة الرباط سلا القنيطرة، التي تضم العاصمة السياسية الرباط ومدينتي سلا والقنيطرة كمركزين اقتصاديين رئيسيين، أحد أبرز المناطق المتضررة من تفشي الفساد الإداري والمالي في المغرب خلال سنة 2025. هذه الجهة، التي تساهم بنسبة تصل إلى 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة بفضل موقعها الاستراتيجي وتركيزها على القطاعات الإدارية والعقارية، شهدت تصعيداً ملحوظاً في الكشوفات عن حالات الرشوة، الاختلاس، والتلاعب بالصفقات العمومية. يأتي هذا التصعيد في إطار حملة وطنية أطلقها الملك محمد السادس في خطابه بمناسبة الثورة الملكية في نوفمبر 2024، والتي ركزت على تطبيق قانون الثراء غير المشروع المعروف بـ"من أين لك هذا"، مع متابعة أكثر من 302 قضية جديدة على المستوى الوطني، وعزل 63 منتخباً محلياً. وفقاً لمعطيات النيابة العامة، بلغ عدد الشكايات المتعلقة بالفساد في هذه الجهة نحو 77 شكوى منذ مطلع العام، أي ما يعادل 20 في المائة من الإجمالي الوطني، مع تركيز على قطاعي التعمير والصفقات العمومية اللذين يمثلان 60 في المائة من الحالات.
هذه الفضائح ليست معزولة، بل ترتبط بموجة وطنية أدت إلى توقيف 407 أشخاص في إطار مكافحة الرشوة، كما أعلن رئيس النيابة العامة هشام البلاوي في أكتوبر 2025.
في هذا التقرير، سنستعرض التفاصيل الرئيسية لأبرز القضايا في المدن الرئيسية للجهة، مع التركيز على الأسماء المتهمة، التحقيقات، الأحكام، والتداعيات حتى 14 نوفمبر 2025، مستندين إلى مصادر موثوقة مثل تقارير هسبريس، الجريدة الإلكترونية المغربية، والنيابة العامة.
فساد في الرباط: شبهات في الصفقات العمومية والتعمير تهز العاصمة السياسية
في الرباط، العاصمة الإدارية والسياسية، أصبحت ملفات الفساد في 2025 محوراً للجدل الوطني، خاصة مع تركيز التحقيقات على الصفقات العمومية ومشاريع التعمير. أحد أبرز القضايا هو فضيحة مصحة "أكديطال"، التي افتتحت في أكتوبر 2025 دون شهادة مطابقة للمعايير الصحية، مما أثار تساؤلات حول مخالفات إدارية ومالية بلغت خسائرتها 20 مليون درهم. كشفت التحقيقات، التي أطلقتها الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، عن تورط مسؤولين في قسم الصفقات العمومية بولاية الجهة، بما في ذلك موظف نافذ يدعى محمد الزياني، الذي اتهم بتلقي رشاوى قدرها 500 ألف درهم مقابل تسهيل التراخيص دون رقابة. الاتهامات تشمل تبديد أموال عمومية وفق المادة 505 من القانون الجنائي، مع إحالة الملف إلى غرفة الجنايات الابتدائية في 12 نوفمبر، حيث أمرت المحكمة بإيداعه الحبس الاحتياطي.
في سياق آخر، شهدت الرباط في فبراير 2025 شبهات فساد في تدبير الصفقات بمجلس الجهة، حيث وجه مقاولون شكاوى إلى رئيس الجهة عبد اللطيف الزعان، متهمينه بتوجيه صفقات لمقربين، بما في ذلك تخصيص مليار سنتيم تحت غطاء فعاليات ثقافية مثل "مهرجان القفطان"، الذي أنفق عليه 15 مليون درهم دون نتائج ملموسة. التحقيقات، التي أجرتها المفتشية العامة، كشفت عن تورط ثلاثة مستشارين، منهم فاطمة بنسعيد، في تلقي فوائد غير مشروعة، مما أدى إلى إيقاف المهرجان وإحالة الملف إلى النيابة في غشت
هذه الكشوفات أثارت احتجاجات في 9 أكتوبر، حيث خرج آلاف في شوارع الرباط مطالبين بمحاسبة الفاسدين، مع تصاعد حملة "جيل زد" التي ربطت بين الفساد والإنفاق على البنية التحتية الرياضية دون فائدة.
اقتصادياً، أدى الفساد إلى تعثر مشاريع مثل توسعة الأحياء السكنية، مع تراجع الاستثمارات بنسبة 12 في المائة في الربع الثالث، حسب تقرير المجلس الأعلى للحسابات.
اجتماعياً، أشعلت الاحتجاجات توترات، مع اعتقال 50 ناشطاً، لكنها دفعت إلى توقيع اتفاقية في 8 أكتوبر بين الجهة والمؤسسة الوطنية للنزاهة لتعزيز الوقاية من الفساد.
فساد في سلا: تلاعب عقاري وفوضى في الأسواق النموذجية
مدينة سلا، المدينة الشقيقة للرباط، شهدت في 2025 سلسلة فضائح عقارية وإدارية أثارت غضباً شعبياً واسعاً. أبرزها إعادة فتح ملف الفساد العقاري في 8 نوفمبر، حيث وقف السياسي البارز عبد الله بنعزوز أمام قاضي التحقيق في قضية "الأزرق ومن معه"، المتعلقة بتفويت أراضي جماعية بطرق غير قانونية، مما تسبب في خسائر تصل إلى 80 مليار درهم لـ400 أسرة متضررة من مشروع "أكدال 2" السكني. كشفت التحقيقات، التي أجرتها الفرقة الوطنية، عن تورط بنعزوز، الذي شغل مناصب في حزب الاتحاد الدستوري، في تزوير عقود مع مقاولين مثل محمد الراضي، لتحويل أراضٍ مخصصة للإسكان الاجتماعي إلى مشاريع تجارية، مع رشاوى بلغت 10 ملايين درهم. أمرت المحكمة بإيداعه الحبس، مع إحالة الملف إلى غرفة الجنايات، وهو ما أثار وقفة احتجاجية أمام ولاية الجهة في 12 نوفمبر، حيث طالب المتضررون بإرجاع الأراضي.
هذه الفضيحة أثارت اعتقال متزعم أعمال تخريب في 4 أكتوبر، لكن الاحتجاجات استمرت، مع دعوة "جيل زد" إلى السلمية في 2 أكتوبر، رابطة بين الفساد والحشيشة الشرطة. اقتصادياً، أدى الفساد إلى تراجع الثقة في السوق العقاري بنسبة 20 في المائة، مع تعثر 30 في المائة من مشاريع الإسكان، حسب تقرير البنك الدولي. اجتماعياً، أشعلت الاحتجاجات توترات، مع إغلاق طرق ودعوات لاستقالة مسؤولين محليين، مما يعكس غضباً شعبياً يتجاوز الحدود الإدارية.
فساد في القنيطرة: مافيات الأراضي الجماعية وشبكات الرشوة
في القنيطرة، المدينة الزراعية والصناعية، برزت مافيات الفساد في 2025 حول الأراضي السلالية والجماعية، مع كشوفات أدت إلى زلزال سياسي. أبرزها إيداع نائب سلالي يدعى محمد الراضي السجن في 12 أكتوبر بتهمة التلاعب بالعقار الجماعي، حيث تفويت 50 هكتاراً من الأراضي السلالية لمضاربات شخصية، مما تسبب في خسائر 150 مليون درهم. التحقيقات، التي أجرتها النيابة العامة، كشفت عن تورط الراضي، الذي شغل رئاسة الغرفة الفلاحية، في تزوير وثائق مع مقاولين مثل عبد الإله بنسعيد، مقابل رشاوى 5 ملايين درهم، مع إيقاف خمسة مستشارين في 10 نوفمبر، بينهم رئيس سابق للجماعة.
هذه القضية جزء من حملة الوكيل العام، الذي هبط خمسة مستشارين للحبس، مع التركيز على "نهب الملك الجماعي"، كما وصفها حقوقيون. في يوليو، وقفت الشرطة ثلاثة أشخاص، بينهم سيدتان تدعيان فاطمة وعائشة، في قضية التحريض على الفساد ونشر محتويات إباحية، مع حجز هواتف تحتوي على تسجيلات مشبوهة، مما أدى إلى إغلاق مقاهي تحولت إلى أوكار دعارة، مع غرامات 2 مليون درهم. كما منع عامل القنيطرة الخوض في ملف الأراضي السلالية في 10 نوفمبر، رداً على دعوة وزير الداخلية لإرجاع المنهوب، مما أثار بلاغاً من المنظمة الوطنية لحقوق الإنسان في 21 أكتوبر، مطالبة بتفعيل مذكرات التوقيف. اقتصادياً، أدى التلاعب إلى تعثر مشاريع زراعية، مع خسائر 100 مليون درهم، حسب تقرير الجهة. اجتماعياً، أشعلت الاحتجاجات في أحياء القنيطرة غضباً، مع دعوات لتطهير الإدارة.
التداعيات الاقتصادية والاجتماعية للفساد في الجهة ودعوات الإصلاح
اقتصادياً، أدى الفساد في الجهة إلى إهدار 7 مليارات درهم، مع تراجع الاستثمارات 15 في المائة، حسب المجلس الأعلى للحسابات، مما يعيق التنمية في الإسكان والزراعة. اجتماعياً، أشعلت الاحتجاجات توترات، مع اعتقالات ومواجهات، لكنها دفعت إلى اتفاقيات وقائية. الرأي العام يطالب بمحاسبة، مع حملات جمعت ملايين التفاعلات.
الخاتمة: نحو إصلاح جذري في جهة الرباط سلا القنيطرة
ترتبط فضائح الجهة بموجة وطنية، لكنها تعكس تحدياً للعاصمة. مع عزم القضاء، قد تشهد 2026 إصلاحات إذا تحول الغضب إلى رقابة مستقلة.