ضحايا أخنوش التسعة: من الراشدي إلى بوعشرين.. سلسلة الإقصاء قبل السلطة وأثناءها

 تسعة أسماء أزاحها أخنوش من طريقه: كشف حساب النزاهة والسلطة في المغرب


ضحايا عزيز أخنوش: سلسلة الإقصاءات في مسيرة السلطة المغربيةفي دروب السياسة المغربية، حيث تلتقي مصالح الدولة مع أهواء السياسيين، برز اسم عزيز أخنوش كرمز للقوة الاقتصادية والسياسية. منذ توليه رئاسة الحكومة في سبتمبر 2021، بعد فوز حزب التجمع الوطني للأحرار في الانتخابات التشريعية، أصبح أخنوش محور نقاشات حادة حول طبيعة الحكم والنزاهة. لم يكن صعوده إلى السلطة مصحوباً بوعود الإصلاح فحسب، بل أيضاً بتسلسل من الإقصاءات والصراعات التي أثرت في مسار مؤسسات الدولة. وفي هذا السياق، يبرز مفهوم "ضحايا أخنوش" كمصطلح شائع في الأوساط الإعلامية والسياسية، يشير إلى نخبة من المسؤولين والناشطين الذين أُزيحوا من طريقهم قبل توليه الرئاسة أو أثناءها، إما بسبب تقاريرهم الحرجة أو مواقفهم المعارضة. هؤلاء "الضحايا"، البالغ عددهم تسعة أبرز الأسماء، يمثلون شهادة حية على التوتر بين السلطة التنفيذية والمؤسسات الرقابية، وكيف يمكن للمعارضة المهنية أن تتحول إلى سبيل للإقصاء.يُقدَّر عدد هؤلاء الضحايا بتسعة، وفقاً لقوائم نشرتها وسائل إعلامية مستقلة وصحفيون بارزون مثل توفيق بوعشرين، الذي كشف عن لائحة تشمل كبار المسؤولين في هرم الدولة. هذا العدد ليس مجرد إحصاء عشوائي، بل يعكس نمطاً من التصفية المنهجية، بدأ قبل تولي أخنوش الرئاسة – أثناء فترته كوزير للفلاحة والصيد البحري – واستمر أثناء ولايته الحكومية. إنها قصة تكشف عن صراع بين النزاهة المؤسسية والولاء السياسي، حيث يُقاس نجاح الرجل السياسي بقدرته على إزالة العقبات، حتى لو كانت هذه العقبات رجال دولة ملتزمين بمهامهم. فيما يلي، نستعرض مسيرة هؤلاء التسعة، مع التركيز على السياقات الزمنية والأحداث التي أدت إلى إقصائهم أو تعرضهم للضغوط.محمد البشير الراشدي: المدافع عن النزاهة الذي أغضب الحكومةيُعد محمد البشير الراشدي، الرئيس السابق لهيئة النزاهة والوقاية من الرشوة، أحد أبرز الضحايا الذين سقطوا أثناء ولاية أخنوش. تولى الراشدي منصبه في 2018، قبل أن يصبح أخنوش رئيساً للحكومة، لكنه واجه صراعاً مُرّاً مع التنفيذية بعد صدور تقريره السنوي لعام 2024، الذي كشف عن تراجع حاد في مؤشرات مكافحة الفساد بالمغرب. التقرير، الذي أُعد بعناية فائقة، أشار إلى أن اللجنة الوطنية لمكافحة الفساد لم تجتمع إلا مرتين فقط، وأن هناك فجوات في التنسيق بين المؤسسات الحكومية والرقابية. هذا التقرير لم يكن مجرد وثيقة إحصائية؛ بل كان اتهاماً ضمنياً للحكومة بتسيير غير فعال لملف الفساد، خاصة في قطاعات مثل الفلاحة والطاقة، حيث يمتلك أخنوش مصالح اقتصادية واسعة.في مارس 2025، أعلن الراشدي عن رحيله عن الهيئة، بعد ضغوط متزايدة من الحكومة، بما في ذلك مراجعة ضريبية مفاجئة اعتُبرت محاولة للضغط الناعم. حزب العدالة والتنمية، الذي يُعتبر معارضاً لأخنوش، وصف هذا الإقصاء بـ"الاستهداف السياسي"، معتبراً إياه جزءاً من حملة لإسكات الأصوات الناقدة. الراشدي، الذي كان قد التقى بأخنوش في أبريل 2023 لمناقشة التنسيق في مكافحة الفساد، شعر بالخيانة عندما تحولت تلك اللقاءات إلى أدوات للضغط. رحيله لم يكن مجرد فقدان لشخصية؛ بل كان ضربة لمصداقية الهيئة، التي أصبحت تُنظر إليها كأداة حكومية بدلاً من جهاز مستقل. في سياق أوسع، يُعد الراشدي الضحية الأولى في سلسلة الإقصاءات أثناء الولاية، حيث أدى تقريره إلى تصعيد التوترات، مما يؤكد أن العدد التسعة يشمل ضحايا حقيقيين لم يقبلوا بالتطويع.أحمد رضا الشامي: صدام المجلس الاقتصادي مع الحكومةأحمد رضا الشامي، رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يمثل ضحية أخرى للصراع بين الرقابة والتنفيذية. قبل تولي أخنوش الرئاسة، كان الشامي يُعرف بتقاريره الناقدة للسياسات الاقتصادية، لكنه واجه هجوماً مباشراً في مايو 2024، عندما أصدر المجلس رأياً حول "أفواج الشباب الجديدة" في سوق العمل، مشيراً إلى أن 1.5 مليون شاب وشابة يعانون من البطالة. هذا الرأي، الذي اعتمد في نوفمبر 2023، أُعيد نشره في توقيت حساس، مما أثار غضب أخنوش الذي وصفه بـ"غير مقنع" و"غير جديد" أثناء جلسة برلمانية.الشامي، الذي يُعتبر غاضباً من عدم استقباله من أخنوش، شعر بالإقصاء غير المباشر عندما شكك الرئيس في توقيت الرأي، معتبراً إياه محاولة للمعارضة السياسية. في الواقع، كان الشامي قد حذر سابقاً من تحول التضخم إلى "حقيقة هيكلية"، مما يتعارض مع رواية الحكومة عن الاستقرار الاقتصادي. هذا الصدام لم يقف عند الكلام؛ بل أدى إلى تجميد التعاون بين المجلس والحكومة، مما يجعل الشامي ضحية للضغط السياسي. العدد التسعة يؤكد أن مثل هذه الإقصاءات ليست فردية، بل جزء من استراتيجية لتهميش المؤسسات المستقلة.إدريس الكراوي: سقوط رئيس مجلس المنافسة في فخ المحروقاتإدريس الكراوي، الرئيس السابق لمجلس المنافسة، يُعد من الضحايا الذين أُزيحوا قبل الولاية مباشرة. في يناير 2021، أصدر الكراوي تقريراً يحكم على سبع شركات في سوق المحروقات بغرامات تصل إلى 1700 مليار سنتيم، متهماً إياها بالاحتكار. كان هذا التقرير موجهاً جزئياً إلى مجموعة "أكوا" التابعة لأخنوش، مما أثار غضب الوزير السابق للفلاحة. في مارس 2021، أُعفي الكراوي بقرار ملكي، دون شكر رسمي، واستُبدل بيحيى الرحو، في خطوة اعتُبرت تصفية حسابات.الكراوي، أستاذ جامعي وقيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي، كان قد حذر من "ثقب أسود" في سوق المحروقات، حيث تسيطر شركات خاصة على الأسعار. رحيله أثار جدلاً واسعاً، خاصة أنه جاء بعد شكاوى من أعضاء المجلس إلى المراجع العليا. هذا الإقصاء، الذي حدث قبل الولاية بشهور، يُبرز كيف كان أخنوش يمهد لصعوده بإزالة الرقابة، مما يعزز من صحة العدد التسعة كمؤشر على حملة منهجية.خالد آيت الطالب: الطبيب الذي أُبعِدَ من الصحةخالد آيت الطالب، الوزير السابق للصحة والحماية الاجتماعية، يُمثل ضحية حديثة في سلسلة الإقصاءات. عُيِّن في أكتوبر 2021 ضمن حكومة أخنوش، لكنه أُعفي في أكتوبر 2024، بعد صراع مع الرئيس حول إدارة القطاع. آيت الطالب، بروفيسور في جراحة القلب، كان قد توسط له متنفذون بعد استقالة نبيلة الرميلي، لكنه رفض الانتماء الحزبي، مما أثار غضب أخنوش الذي لم يستسغ عدم الولاء.في أزمة طلبة الطب، اقترح آيت الطالب حلولاً لم تُقبل إلا بعد إقصائه، مما يشير إلى أن الإعفاء كان تصفية حسابات. عُيِّن والياً على فاس-مكناس في نوفمبر 2025، في خطوة اعتُبرت رد اعتبار ملكي، لكنها لم تعوِّض عن الإذلال. هذا الإقصاء، أثناء الولاية، يُضيف إلى العدد التسعة دليلاً على استمرار النمط.إدريس جطو: رئيس الحسابات الذي فضح الاختلالاتإدريس جطو، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للحسابات، سقط ضحية لتقاريره الناقدة قبل الولاية. في سبتمبر 2019، أصدر تقريراً سنوياً يكشف اختلالات في القطاع الفلاحي، متهماً كبار الفلاحين – وجهة أخنوش – بالاستفادة من ملايير غير مبررة. رد أخنوش، كوزير، بتهم جطو بالاستغلال السياسي، مما أدى إلى إعفائه في 2021 دون شكر.جطو، الذي كان وزيراً أولاً سابقاً، حذر من الفساد في ONSSA، مما يجعله ضحية للضغط قبل الولاية. رحيله يُعد بداية لسلسلة، مؤكداً العدد التسعة.عبد الوافي لفتيت: الصراع البارد في الداخليةعبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، يواجه صراعاً بارداً مع أخنوش أثناء الولاية. في سبتمبر 2025، أعلن أخنوش تكليف لفتيت بقيادة الانتخابات 2026، لكن الخلافات حول الولاة أثارت توتراً. لفتيت، الذي يُعتبر أقوى من أخنوش في الجهاز الأمني، يُرى كضحية محتملة للضغط، خاصة في معركة "كسر العظام" حول التعيينات. هذا الصراع يُضيف إلى العدد طبقة من التوتر غير المعلن.أحمد لحليمي: مندوب التخطيط والتضخم الهيكليأحمد لحليمي، المندوب السامي للتخطيط، أُعفي في أكتوبر 2024 بعد تصريحاته عن "التضخم الهيكلي". تقاريره عن البطالة والتضخم أحرجت أخنوش، الذي شكك في أرقامه. استبداله بشكيب بنموسى يُعد إقصاءً مباشراً أثناء الولاية، مؤكداً العدد.إدريس بنهيما: المدير الذي انتقد الاحتكارإدريس بنهيما، مدير الخطوط الملكية، أُعفي في فبراير 2016 بعد انتقاده لسيطرة "أفريقيا" – ملك أخنوش – على وقود الطائرات. هذا الإقصاء قبل الولاية يُظهر بداية النمط.توفيق بوعشرين: الصحفي والمليار التعويضيتوفيق بوعشرين، الصحفي، حُكم عليه في 2018 بـ12 عاماً، وطُلب منه مليار درهم تعويضاً لأخنوش بسبب انتقاداته. بوعشرين، الذي كشف لائحة الضحايا، يُعد الضحية المدنية في العدد التسعة.خاتمة: العدد التسعة ومستقبل النزاهةفي الختام، يُؤكد العدد التسعة – الراشدي، الشامي، الكراوي، آيت الطالب، جطو، لفتيت، لحليمي، بنهيما، بوعشرين – على نمط الإقصاء الذي يهدد الديمقراطية المغربية. هؤلاء ليسوا مجرد أسماء؛ بل رموز للنزاهة التي تُقمع لصالح الولاء. هل سيتغير هذا النمط، أم سيستمر كجزء من "الأخنوشية"؟ التاريخ وحده يُجيب، لكن الشعب يطالب بالعدالة.
تعليقات