اعتقال مراهق عراقي يدير 16 شبكة دولية للابتزاز والانتحار عبر روبلكس: تفاصيل صادمة
جواد الليل
اخر تحديث :
الداخلية العراقية تكشف: مراهق 14 عاماً يحول لعبة روبلكس إلى إمبراطورية إجرامية دولية
الداخلية العراقية: اعتقال مراهق يدير 16 شبكة دولية للابتزاز والتحريض على الإيذاء الذاتي عبر لعبة "روبلكس"
في حدث يهز أركان العالم الرقمي ويثير تساؤلات عميقة حول أمان الأطفال في الفضاء الافتراضي، أعلنت وزارة الداخلية العراقية عن اعتقال مراهق يبلغ من العمر 14 عاماً فقط، متهم بإدارة 16 شبكة دولية منظمة للابتزاز والتحريض على الإيذاء الذاتي والانتحار من خلال منصة لعبة "روبلكس" الشهيرة. هذه القضية، التي كشفت عن تعقيدات الجرائم الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي والألعاب عبر الإنترنت، ليست مجرد اعتقال فردي، بل إنذار عالمي بضرورة إعادة تقييم آليات الحماية الرقمية. مع تزايد انتشار الألعاب الإلكترونية بين الأطفال، حيث يقضي المراهقون أكثر من 10 ساعات أسبوعياً أمام الشاشات، أصبحت مثل هذه المنصات ساحات للاستغلال النفسي والعاطفي، محولة الترفيه إلى كابوس حقيقي.
خلفية "روبلكس": من عالم افتراضي بريء إلى بوابة للجرائم الرقمية"روبلكس"، التي أسستها شركة Roblox Corporation في عام 2006، ليست مجرد لعبة؛ إنها إمبراطورية رقمية تضم أكثر من 70 مليون مستخدم يومياً، معظمهم أطفال ومراهقون دون سن 16 عاماً. المنصة تتيح للمستخدمين إنشاء عوالم افتراضية، تصميم ألعاب مخصصة، وتفاعل اجتماعي عبر غرف الدردشة والرسائل الخاصة. بحسب تقارير الشركة نفسها، بلغ عدد المستخدمين النشطين 83.5 مليون في الربع الثالث من عام 2025، مع إيرادات تجاوزت المليار دولار من خلال عملة اللعبة "روبوكس" التي يشتريها اللاعبون لشراء الملابس الافتراضية أو الترقيات. ومع ذلك، خلف هذا البريق، تكمن مخاطر جسيمة. في السنوات الأخيرة، شهدت "روبلكس" سلسلة من الدعاوى القضائية الدولية بتهمة الإهمال في حماية الأطفال من الاستغلال الجنسي والنفسي. على سبيل المثال، في نوفمبر 2025، رفعت ولاية تكساس في الولايات المتحدة دعوى قضائية ضد الشركة، متهمة إياها بـ"وضع المحتالين الجنسيين والأرباح فوق سلامة الأطفال"، حيث سمحت المنصة لمجموعات استغلال مثل "764" و"CVLT" بالتسلل واستدراج الأطفال، مما أدى إلى اعتقال أكثر من 30 شخصاً منذ عام 2018.في السياق العربي، يصل عدد مستخدمي الإنترنت في العراق إلى أكثر من 30 مليون نسمة، مع انتشار الهواتف الذكية بين الشباب بنسبة 70%، وفقاً لتقرير الاتحاد الدولي للاتصالات لعام 2025. هذا الانتشار جعل "روبلكس" من أكثر الألعاب شعبية، لكنها أيضاً مصدر قلق متزايد. خبراء في علم النفس الرقمي يحذرون من أن المنصات مثل "روبلكس" تستغل الفضول الطفولي والرغبة في الاندماج الاجتماعي، مما يجعل الأطفال عرضة للتلاعب. في تقرير نشرته منظمة اليونيسف في أكتوبر 2025، أفاد أن 1 من كل 5 أطفال يتعرضون لمحاولات استدراج عبر الألعاب الإلكترونية، مع زيادة بنسبة 25% في حالات التحريض على الإيذاء الذاتي خلال جائحة كوفيد-19.بداية القضية: من الشكاوى المتناثرة إلى التحقيق الدوليبدأت القضية في أوائل أكتوبر 2025، عندما وردت إلى إدارة مكافحة الاتجار بالبشر في وزارة الداخلية العراقية شكاوى متفرقة عن حالات انتحار مشبوهة بين الأطفال مرتبطة بلعبة "روبلكس". كانت هذه الشكاوى تأتي من عائلات في بغداد والمحافظات الجنوبية، حيث أبلغت إحدى الأمهات عن ابنها البالغ 12 عاماً الذي حاول خدش ذراعه لكتابة "رمز اللعبة" قبل أن يعثر عليه والداه. سرعان ما اكتشفت الجهات الأمنية أن هذه الحالات ليست معزولة، بل جزء من حملة منظمة. بعد أسابيع من التحليل الرقمي، أدى التعاون مع شركة "روبلكس" وجهات أمنية دولية مثل الإنتربول إلى تحديد هوية المشتبه به: مراهق من منطقة الكرخ في بغداد، يعيش في بيئة عائلية متوسطة، ويتقن اللغة الإنجليزية بفضل دراسته الذاتية عبر الإنترنت.اللواء مصطفى الياسري، مدير إدارة مكافحة الاتجار بالبشر، وصف العملية في بيان رسمي: "المتهم أدار 16 شبكة دولية عبر 'روبلكس'، مستخدماً حسابات مزيفة متعددة لجذب اللاعبين الجدد. كان يقنع الضحايا بارتكاب أعمال إجرامية ضد أنفسهم مقابل 'ترقيات' في اللعبة، مثل نقاط إضافية أو الوصول إلى غرف سرية حصرية". أكد الياسري أن التحقيقات كشفت عن آلاف الرسائل المشفرة داخل المنصة، تم تحليلها باستخدام برمجيات متخصصة في الكشف عن الأنماط السلوكية. هذا التعاون الدولي كان حاسماً، إذ ساعدت بيانات "روبلكس" في تتبع عنوان IP للمشتبه به، مما أدى إلى مداهمة منزله في 25 أكتوبر 2025 دون إراقة دماء.آليات التحريض: استراتيجية نفسية مرعبة ومنظمةكانت طريقة عمل المتهم مرعبة في بساطتها وفعاليتها النفسية. بدءاً من غرف الدردشة العامة في "روبلكس"، كان يستهدف اللاعبين الجدد الذين يظهرون علامات الوحدة أو البحث عن الصداقة، مستخدماً لغة إنجليزية سلسة ليبدو كصديق موثوق. ثم، ينتقل إلى الرسائل الخاصة، حيث يقدم "تحديات" تدريجية لإثبات "الولاء" للشبكة، مدعياً أنها "نخبة سرية" داخل اللعبة. من أبرز هذه التحديات:
كتابة الأسماء بالدم: طلب من الضحايا خدش أجسادهم بأدوات حادة لكتابة أسمائهم أو رموز اللعبة (مثل "RBLX") بالدم، ثم إرسال صور أو فيديوهات كدليل. في إحدى الحالات، أرسل طفل مصري فيديو يظهر فيه خدوشاً عميقة على ذراعه، مما أدى إلى إدخاله المستشفى.
إحراق الأغراض أو المنازل: إقناع الضحايا بإشعال النار في غرفهم أو ألعابهم لـ"تطهير الروح"، مقابل منح "جوائز افتراضية". سجلت التحقيقات حالة لفتاة سعودية البالغة 11 عاماً حاولت حرق دميتها المفضلة، مما تسبب في حريق صغير في منزلها.
التحريض على الإيذاء الشديد والانتحار: في المراحل المتقدمة، يدفع نحو 30 ضحية لمحاولة إنهاء حياتهم، مدعياً أن "الموت هو الترقية النهائية إلى عالم أعلى في اللعبة". أظهرت الرسائل المستردة عبارات مثل: "إذا لم تفعل، ستُحذف شخصيتك إلى الأبد، وستفقد كل أصدقائك".
هذه الاستراتيجية ليست عشوائية؛ إنها مبنية على مبادئ علم النفس السلوكي، حيث يستغل المتهم "التعزيز الإيجابي" (الجوائز الافتراضية) والـ"التخويف" (التهديد بالإقصاء). خبراء مثل الدكتورة سارة أحمد، أخصائية نفسية في جامعة بغداد، يصفون هذا بـ"التلاعب الرقمي التدريجي"، الذي يشبه تقنيات الطوائف الدينية في بناء الولاء.الضحايا: قصص مأساوية عابرة للحدودبلغ عدد الضحايا المؤكد 30 شخصاً، يتراوح أعمارهم بين 10 و16 عاماً، منهم 29 من دول عربية مثل مصر (10 حالات)، السعودية (7)، الأردن (5)، والإمارات (3)، بالإضافة إلى دول غربية مثل الولايات المتحدة (2) وبريطانيا (2)، وضحية واحدة عراقية. معظمهم يعانون الآن من صدمات نفسية شديدة، مع تقارير عن دخول 12 منهم مستشفيات بعد محاولات انتحار فاشلة. على سبيل المثال، في مصر، أبلغت عائلة طفل يدعى "أحمد" (اسم مستعار) عن تلقي فيديو من ابنهم يظهر فيه محاولة شنق نفسه، مدفوعاً بوعد "ترقية إلى مستوى إلهي" في اللعبة. العائلات المعنية أعربت عن غضبها الشديد، مطالبة بشركة "روبلكس" بتعزيز الرقابة، ودعت السلطات العربية إلى مؤتمر مشترك لمكافحة الجرائم الرقمية. في تصريح لـ"BBC"، قالت والدة إحدى الضحايا السعوديات: "كنت أعتقد أنها تلعب لتتعلم، لكنها كادت تخسر حياتها بسبب 'صديق افتراضي'".عملية الاعتقال: انتصار أمني يتطلب جهوداً دوليةتم الاعتقال في 25 أكتوبر 2025، بعد متابعة لأسابيع شملت مراقبة النشاط الرقمي وتحليل السجلات. وفقاً لللواء الياسري، تم العثور في غرفة المتهم على أجهزة كمبيوتر وهواتف متعددة، بالإضافة إلى قوائم بأسماء الضحايا وتسجيلات لفيديوهاتهم. التحقيقات مستمرة لتحديد ما إذا كان المتهم جزءاً من شبكة أكبر، مع النظر في خلفيته النفسية – فقد أفاد مصادر أمنية أنه تعرض لتنمر سابق في المدرسة، مما قد يكون دافعاً للانتقام الرقمي.ردود الفعل: غضب عالمي ودعوات للتغييرأثارت القضية موجة غضب في العراق والعالم العربي، مع انتشار الفيديوهات الإخبارية على يوتيوب وإنستغرام، حيث تجاوزت المشاهدات 10 ملايين في أسبوع. في العراق، أطلقت وزارة الداخلية حملة "اللعب الآمن"، تستهدف 500 مدرسة بتوزيع كتيبات توعية للوالدين، وتدريب معلمين على علامات الإدمان الرقمي. دولياً، أعادت الدعوى في تكساس الضوء على مشكلات "روبلكس"، حيث أعلنت الشركة في أغسطس 2025 عن "نظام إنذار مبكر" للكشف عن محاولات الاستغلال، لكن الناشطين يطالبون بتحقق هوية المستخدمين تحت 13 عاماً وتعزيز الذكاء الاصطناعي في الرصد. الدكتور ماثيو كوفمان، رئيس قسم السلامة في "روبلكس"، قال: "نحن ملتزمون بصفر تسامح مع الاستغلال، ونساعد السلطات في كل حالة".التحليل النفسي والاجتماعي: لماذا يحدث هذا؟يُعزى نجاح مثل هذه الشبكات إلى "الفقاعة الرقمية" التي تخلقها الألعاب، حيث يفقد الأطفال القدرة على التمييز بين الواقع والخيال. دراسة نشرتها جامعة هارفارد في 2025 أشارت إلى أن 40% من المراهقين يعانون من "الانفصال الرقمي"، مما يجعلهم عرضة للتلاعب. في العراق، يفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي المشكلة، حيث يلجأ الأطفال إلى الإنترنت كملاذ من الضغوط اليومية. يدعو الخبراء إلى برامج علاجية مجتمعية، مثل جلسات دعم نفسي مجانية عبر التطبيقات.اقتراحات للحماية: خطوات عملية للوالدين والحكوماتللحد من هذه المخاطر، يُوصى بـ:
للوالدين: تفعيل أدوات الرقابة الأبوية في "روبلكس"، مراقبة وقت اللعب (لا يزيد عن ساعة يومياً)، وتشجيع الحوار المفتوح عن التجارب الرقمية.
للحكومات: سن قوانين إلزامية للتحقق من الهوية، وتعزيز التعاون الدولي عبر اتفاقيات مثل "اتفاقية بودابست" للجرائم الإلكترونية.
للشركات: زيادة الاستثمار في الذكاء الاصطناعي للكشف عن الكلمات المفتاحية مثل "تحدي" أو "دم".
خاتمة: نحو عالم رقمي أكثر أماناًيُعد اعتقال هذا المراهق انتصاراً أمنياً للداخلية العراقية، لكنه يذكير مؤلم بأن الجرائم الرقمية لا تعرف حدوداً. في زمن يصبح فيه الإنترنت جزءاً أساسياً من حياة الأجيال الجديدة، يجب أن تكون حمايتهم أولوية قصوى. هل ستكون هذه القضية نقطة تحول، أم مجرد حلقة في سلسلة الكوابيس الرقمية؟ الإجابة تكمن في أفعالنا اليوم – من التوعية إلى التشريعات الصارمة. دعونا نحول "روبلكس" من بوابة الخطر إلى ساحة الإبداع الآمن.